نصوص أدبية

سور الصين

نور الدين صمودلُهاثٌ يَـهُـزُّ الصُّدورْ

ويبعث فيها لهيبَ اللظَى الحارقِ

وخفْـقٌ يَــرُجُّ القلوبْ

فتغدو ترفرف كالنسر من حالقِ

وتُشرفُ من فوق طودٍ يُسامقُ طودَا

يُتوِّجها السورُ، يَحرسها في السهولْ

ويحرسها في الجبالْ

وتَـنْـزِلُ وهْـدًا يسابقُ وهْـدَا

فأشعرُ بالرَّهْـبَـةِ الآسِـرهْ

وتملكني الفزعةُ القاهرهْ

وتَجذِبني القمة النافرهْ

فتُوشكُ تَـنْـبَـتُّ في الصدر أنفاسيَـهْ

إذا ما وقفتُ على الذَّروةِ العاليهْ

وتأخذني رهبةٌ في الصعودْ

وتغمرني رهبةٌ في النزولْ

وتجذبني الوهْـدةُ النائيهْ

وينداحُ في الأفْـقِ هذا الفضاءُ العريضْ

يُـغَطِّـي رؤوسَ الجبالْ

ويَصْـغُـرُ تحت عيوني الحضيضْ

ويُصبحُ صعبَ المنالْ

 

                 ** 2 **

حسدتُ النسورَ التي حلّقتْ في السماءْ

وصانتْ عَنانَ الفضاءْ

وجابت أقاصي الحدودْ

لتشهَدَ سورًا تَـمَـدّدَ تِـنّـيُـنُه حارسا للبلادْ

وأرهب في غابر الدهر أقسى القلوبْ

وأيقظ في النفس أروعَ حِـسّْ

وأرهبني في الصعودْ

وقد رمتُ نَـيْـلَ الذُّرَى

فأحسستُ أن الهواء بصدري احتبسْ

وأرهبني في النزولْ

إذا رمتُ في السفحِ نَـيْـلَ الثَّـرَى

فكاد يُـبَـتُ بصدري النفـسْ

وأوشكتُ أُبصرُ، من حوله، في قديم الزمانْ

أُلوفَ العبيدْ

جياعًا حُفـاةً عـراةْ

بهـذا المكانْ

تُــسَخِّـرهم صفعاتُ السياطْ

فتخفُـقُ تلك القلوبْ

ويوشك يُقْــطَـعُ منها النِّياطْ

وأُوشِكُ أسمع منهم شَجِيَّ العويلْ

وأُوشِكُ أسمع رَجْـعَ الصـدَى

يُصَعِّدُهُ السفْحُ نحو الذُّرَى

ويمتد فوق السهولْ.

تأوُّهُهُمْ عند دفْعِ الصخورْ

كوقع المعاولِ يُؤْلِـمُ سمعي

وزفرتهمْ عنـد رَفْعِ البناءْ

تـظَـلُّ، من العين، تعصِـرُ دمعي

وتغسلني بصبيب العرقْ

وفي الليل تمـلأُ سمعي

بأشجى نحيبْ

وتسكبُ في المقلتـيْـن سُـيـولَ الأرقْ.

 

                   ** 3**

وَعُـدْتُ إلى السور كيما أراهْ

بعينِ خيالي

فأبصرته للمعاناةِ رمزًا فـريـدْ

وخُـيِّـلَ لي أنني قد كتبتُ قصيدْ

يهُـزُّ المشاعرَ عذبًا جديدْ

وأوشكتُ أسمع في كل حرف نشيدْ

يَـصِــرُّ على الطرسِ: (وا لوعتاهْ.

فإن المعاناة مثلُ اعتلاءِ الجبالِ).

       ** ؟ **

وبعدُ فإني

سأبقـَى أغنـِّي

وأمضي طِـَوالَ السنينْ

أشـَـيِّــدُ بالشعر أقوى الحُصونْ

وأحفـَظها بالذي لم يدرْ في الظنونْ

من الورد والفـُـلِّ والياسَمينْ

لتجلب أحبابَنا الطيبينْ

وبالشوك في الورود وهو السلاح الذي لا يلينْ

ويطعنُ أيْــدي (الجناةْ)

أعادي الحياةْ

ويَـبْقـَى يـصُدّ فـُلـولَ الـعِــدَى الغاصبينْ

وأبقـَى مع الشعراء أُغني

وذاك لأني

أرَى الشعرَ أقوَى الحُصونْ.

***

أ. د : نورالدين صمود

في نصوص اليوم