نصوص أدبية
سبحان مَنْ جمع الضياء مع الدجى
الى صديقي الشاعر جمال مصطفى:
نزولا عند طلبه بنشر نماذج من قديمي الشعري
.........................
لـيـلٌ حِجابُـك ِ حول وجهِـك ِ قـد سَـجـى
سُـبحان َ مَـنْ جَمَعَ الـضـياءَ مع الـدُّجـى
جَـلـسـا معا ً : لـيـلٌ وصـبـحٌ مُــشـمِــسٌ
فــكــأن َّ بـــدرا ً بـالــظــلام ِ تــبــرَّجَــا
ومَـشـتْ .. فـقـلـتُ ربابـة ٌ تـمـشي عـلى
صـدري .. فـحُـقَّ لخافـقـي أنْ يـهـزجـا
وتـثـاقـلـتْ في خـطـوِهـا لا مِـن ضـنىً
فـودَدتُ لـو كـانـتْ ضـلـوعــيَ هـودَجـا
لا صَـقـتـُهـا خطوي وأجْـلَـسـَـنـا مـعـا ً
حَظ ٌّ مكانـا ً في " الشُـبَـيكة ِ" مُـسْـرَجا (1)
فــاسْــتـَـنْـفَـرَتْ بُــقـيــا شَــبـاب ٍ آفِــل ٍ
قـد كان َ يـومـا ً بـا لـهُـيـام ِ مُـضَـرَّجـا
واسْـــتـدْرَجَـتـنـي فِــتــنـة ٌ وحــشــيَّـة ٌ
ألـفـيْـتُ قـلــبــي نحـوهـا مُـسْـتـَـدرَجـا
نَـشَـرَتْ سَـحابة َ عـطرِها فـتـنـفَّـسَـتْ
روحي عـبيرا ً يـسـتـبيحُ ذوي الحِجـا (2)
مَــرَّتْ لُـحَــيـظــاتٌ وكـل ٌّ يـرتـجـي
مـن صَـمـتِـه ِنحـوَ الـتحدُّث ِ مَـخـرَجا
حَــيَّـيـتُـهــا ... وزعَـمْـتُ أنـي تــائِـه ٌ
ضـل َّالطـريـقَ وقـد أضاع الـمُـلـتـَجـا
رَدَّتْ بـمِـثـل ِ تـحـيَّــتـي ... لـكـنـَّهـــا
زادتْ عــلــيـهــا رِقـَّـة ً وتـغــنـُّـجـــا
ضَحِكـتْ وشَـعَّ الـعـشـبُ في أحداقِهـا
حتى ظنـنـتُ الـلـيـلَ حـقـلا ً مُـبْـهِـجـا
واسْـتَـظـرَفـتْ آهـا ً يُخـالِـطُ جَـمـرَهـا
مـاءٌ وهــمْــســـا ً كــادَ أنْ يـتـهَــدَّجــا
سـألَ الغـريبُ غـريبة ً ـ قالـتْ ـ وقـد
لـثغَـتْ بـ" راءِ " فـم ٍ أذابَ وأثـلجـا :
جِـئـنـا إلى حَـجّ ٍ وأوشــكَ جَـمْـعُـنـا
عَـودا ً .. فـقـد شـدَّ الركابَ وأرْتجـا (3)
أزِفَ الرحـيـلُ إلى الـشـآم ِ فـأهــلـنـا
قــد هَـيّـؤوا زادا ً لــنـا وبـنـفـسَــجـا
فـأجَـبـتـهــا ـ وأنـا أمَــسِّــدُ كــفَّـهــا
تـمـســيـدَ قـمّـاش ٍ تـأمَّـلَ مُـنــسَـجـا :
شـاميَّـة ٌ ؟ مَـلـكَ الـقـلوبَ جَـمـالكم
يــامــا أذلَّ مُـكـابــرا ً ومُــدَجَّـجــا !
مـا بـيننا قُـربـى الـفـرات ِ وجـيـرة ٌ
وجذورُ أنساب ٍ وغـربـة ُ مَنْ شـَجـا
لـلـجـار ِ حَـق ٌّ والـقــرابـةِ مِــثــلـُه ُ
أنـعِـمْ بـمَنْ حـقـا ً يـصونُ ومـنهَـجـا
فـتَـوَهَّــجَ الـتـفـاحُ فـي وجَــنـاتِـهــا
خـَجَلا ً يُـزيـدُ من الجـمـال ِ توهُّـجـا
واهْـتـزَّ عـصفـوران ِ تحـتَ عـباءة ٍ
عَـبَـثـتْ بها ريحُ الصَّـبا فَـتـرَجْـرَجا
وعلى مَـرايا الجـيـدِ ـ فـرطَ نعـومَـة ٍ ـ
نظري إلى النحـر ِ المُضيء تـدَحْـرَجا
زمَّـتْ عـباءتـهـا .. وأحـسَــبُ أنـهــا
زمَّـتْ على عـيـنيَّ جـفـنـا ً أهــوَجـا (4)
واسْـتحْكمَـتْ شِـقَّ القميصِ وأسْـدَلـتْ
شــالا ً بـلـون ِ الـمـقـلـتـيـن ِ مُـزجّجـا (5)
قـالتْ وكان الـفجـرُ بـدءَ طـلـوعِـه ِ:
بـغـد ٍ سـنـرحـلُ قـبل ميعاد ِ الـدجى
فـاطرقْ بلادَ الشـامِ حيث ُعـشيـرتي
وأبي إذا كـنـتُ الـمُـنى والـمُـرتجى
عَـرِّجْ عـلـيـنـا لـيـلـة ً وصَـبـيـحَـة ً
وارجَعْ بـقـلـبي ـ لا يَديَّ ـ مُـتـوَّجـا
أو كنتَ تـلهـو فـاعْـلـمَـنَّ : قـرَنـفـلي
يـغـدو إذا رِمْـتَ الـغِـوايَـة َ عَـوسَجـا
ويصيرُ جمـرا ً نـفحُ ورد ِ حدائـقي
ونـسـيـمُ شـطـآني لظىً مُـتـأجِّـجـا
عَــرِّجْ تـجـدْ أهــلا ً ودارَ مـحَـبَّـة ٍ
قـد فـازَ مَـنْ رامَ الحبيـبَ فـعَـرَّجـا
***
يحيى السماوي
1992/ مكة المكرمة
....................
(1) الشبيكة : من أحياء مدينة مكة الكرمة
(2) ذوو الحجا : سديدو الرأي
(3) أرتج : أحكم الإغلاق
(4) زمّ الشيء : جمعه وضيَّق عليه
(5) المزجج : الخالي من الزوائد (المعنى مأخوذ من تزجيج الحواجب بإزالة الشعر الزائد وتقويمها)