نصوص أدبية
طـيـن الـسـمـاوة
"الى الأخ الشاعر مصطفى علي:
توطئةً متواضعةً لهديةٍ أرجو أن أقدّمها ذات غد ..
إنتقيت القصيدة من إصدار قديم لتماثلها بحراً وقافية مع قصيدته الرائعة نفحة في ناي القصب"
طـيـنُ " السَـماوة ِ" لا نجـمُ السّـماوات ِ
يَــشــدُّ أمـسـي ويـومـي بـالـغَــدِ الآتـي
أهـكـذا الـعـشــقُ ؟ يَـجْـفـوني وأتـبَـعـُـه
فـما أصَـخْـتُ إلى صـوت ِ انـكسـاراتي !
أهـكـذا العـشـق ُ؟ ياخَـوفي عـلى وطـني
مني .. ومـنـه عـلى شـمسـي ومـشـكاتي
مُــشـَـرَّدٌ وهــمـومُ الـنـخـل ِ أمْـتِـعَــتـي
حَـمَــلــتـُهــا .. وجـراحـاتي مَـحَـطـاتـي
هُــويَّـــتـي ؟ غَــجَــريٌّ لا بـــلادَ لـــهُ
إلآ ظِـــلالُ بـــلاد ٍ فــي الــهُـــوِيّــات ِ
خطـيئة ُ العصـر في وجهـي مُـكـَثـَّفـة ٌ:
أنـا ابـنُ دجلـة َ.. لـكـنْ : في السِـجـِلاّت ِ
عـشـقـتُ دجـلـة َ حـتى كـدتُ ألـعَــنـُهـا
وألـعـنُ الـوطـن َ الـمـخـبـوءَ في ذاتـي
نَـخَـلـتُ أسْـطــرَ قـامـوسي لـعـلَّ بـهــا
مـا قـدْ يُــزيــنُ بـأفــراح ٍ عــبــاراتــي
وجدتُ لـفـظَ (عـراق ٍ) في صحـائــفِــهِ
كما الـفـراتُ.. ولـكـنْ : دون ( راءاتِ )
***
مــرافـئي خـَـذلــَتـْنـي يـا شِــراعــاتـي
فـعـانـقـي يـا ريـاحَ الـصَّــبـر رايـاتـي
بـَـردانُ أوقِــدُ أضـلاعـي لـ" مَـنـقـلـتي " (**)
عـطشـانُ ..أحـلِـبُ أجـفـاني لِـكاسـاتـي
ومن رمادِ هَـشـيـمـي شِـدتُ ليْ وطـنـاً
حَـمَـلـتـُهُ حــيـثــمـا تــنـأى مـسـافـاتـي
كأنما الـنـّأيُ عـن أهـلي وعـن وطـنـي
أو الــتـشــرّدُ أضحـى مـن هـِـوايـاتـي
عـلى فـمـي خَـبَـزَ الحِـرمـانُ أرغِــفــة ً
طـحـيـنـُهـا قــلــقـي والــنــارُ آهــاتـي
ومـا نـدمـتُ على جـيـلـيـن ِ في سَـغـَبٍ
فـقـد ربـحـتُ مـن الـدنـيــا خـَسـاراتـي
لـقـد بـدأتُ طـريـقـي ـ وهـي شـائـكـة ٌـ
مُـكـابـِـرا ً أتـَـسَــلــّـى بـاحـتِــراقــاتـي
فـكـيـف يـخـذلـني نـفـيٌ وقـد نـُفِــيَــتْ
دنــيـايَ عـن مُـقـَـلـي مـنــذ الـبـدايـات ِ ؟
وما خـشـيـتُ مـن المـاضي ونـكـبـتـه ِ
لكـنْ خـشـيـتُ عـلى قـومي مـن الآتـي
نـأى عـن الـشـمـس ِ ربّـانٌ بـمـركـبـنـا
فـَحَـتـْمُــنـا : حَـطـَبٌ فـي نـار مــأسـاة ِ
**
وصاحـبٍ جاءني يُــسْــدي نـَصـائحَـهُ
ولم يـكــنْ ناصِـحـا ًيـومـا ًحَـمـاقـاتـي
يـقـولُ : دعْـكَ فـمـا غـيَّـرْتَ مُفـتـَسِـدا ً
فـَعِـشْ حـيـاتـكَ فـي يُـسْــر ٍ ومـلـهــاة ِ
وخُـذ ـ كـغــيـرك ـ أفــيـاءً مُــنـَعَّــمَـة ً
ودعْ لـغـيـرك َ تــقــويـمَ الخـطـيـئـات ِ
وقــائــل ٍ : إنَّ أمـي مَــنْ تــَزَوَّجَـهــا
يـصـيـرُ عـمِّـي فـأنسى وعْـدَ ثـاراتي
جَـهــالــة ٌ وحَـمــاقـاتٌ يُــرادُ بـهـــا
لـجْـمُ الضـميـر ِ ونـبـذ ٌ لـلـمَـروءات ِ
مُـنـافـقـون َ ودجّالـونَ .. مـا رفـعـوا
سـيـفا ً ولا خفـضوا صوتَ المُراءاة ِ
أجـلْ فـإنَّ حريـقـا ً شـَـبَّ مُكـتـسِـحـا ً
مـا كـان غـيـرَ نـثـارٍ مـن شــرارات ِ
وأيُّ ثـوب ِ حـريــر ٍ لـيـس تـقـرَبُـهُ
يَــدُ الــبـِلـى ؟ أدوامٌ لـلــمَــسَـــرّات ِ ؟
قد اخـتـبـرتـك ِ يا لـَذاتُ فاحْـتـرسـي
وحاذري أنْ تـنـالـي مـن خـيـاراتـي !
**
وغـادة ٍ خَـتـَمَـتْ أولـى رسـائـلِـهــا
بـطـبْع ِ مَـبـسَـمِـهـا بين الـوُرَيْـقـات ِ
يكادُ يـنـضحُ مـنها لو مَـشـتْ مَـطـَرٌ
من الأنـوثـة ِ .. تـبـدو مِــثـلَ مِــرآة ِ
تـُخَـدِّرُ الناسـكَ الصوفيَّ ضحكـتُهـا
كأنهـا الـكأسُ في لـيـل ِ الصّــبابات ِ
رَمَــتْ إلـيَّ شِــراعـات ٍ مُـطـَـرَّزة ً
بخـضـرة ٍ يـشـتهـيهـا نخـلُ واحاتي
هَـمَـتْ بـكوثرها يـوماً على جَـدَبـي
فـأثـْمَـرَ الـشـوكُ أعـنابـا ً بـواحاتـي
ومَكـَّـنـتْـني فـمـاً لا زال مـلءَ فمي
رحـيـقـُهُ مـنـذ أعـوام ٍ سـحـيــقـات ِ
حسـبـتهـا جَـنـَّة ً تمـشـي عـلى قـَدَم ٍ
وأنَّ ليْ في هــواها عــيـشَ جَـنـّات ِ
حتى إذا عـرفـتْ بيْ عاشِـقـا ً دَنِـفـا ً
وأنهـا في الهـوى دَيْـري وتـَوراتي
قالت ْ:أريـدُكَ ليْ وحـدي فـلا سَـفَـرٌ
إلآ ويَـبـدأ مـن حَــقـلـي ومـرسـاتـي
فاحْـرثْ بـضلعِـكَ بـسـتـاني فـإنَّ بـهِ
لـصحـن ِعـشـقِـكَ أصـنافَ اللـذاذات ِ
لَـسـوفَ تـبصـرُ إنْ طاوَعْـتـني مُـدُنـا ً
من الـمـبـاهـج ِ عـنـدي والـمَـسَـرّات ِ
فاسألْ مـيـاسِـمَـكَ السـكرى أأثـْـمَــلهـا
عذبٌ كعـذبِ رحـيـقي في تـُوَيْـجـاتي؟
حَـسَـدتُ غـيـري على بحـبـوحةٍ وأنـا
حَـسَـدْنـَني بـكَ يايحـيـى صـديـقـاتي
فـَمـا يُـضـيـركَ في شِـعــرٍ تـَردُّ بـه ِ
شـَرّا ً يـرومُـكَ ؟ فامْدَحْهـمْ بأبْـيـات ِ
نـَهَـرْتـُها .. وكأني قـدْ نهَـرتُ فـمـي
ومُـقـلـتي وصُراخَ الشـهـوةِ العـاتـي
خَـذلـْتـُهـا رُغـمَ أنـي كنتُ أحـسَـبُـهـا
فـيما مـضى حُـلـُمَ الـدنـيـا ومـولاتي
خـَلـَعْـتهـا من فـؤادي غيرَ مُكـترث ٍ
وما نـَدمْـتُ على أغـلى حـبـيـبـاتي
ولا جزعـتُ لأنَّ الدربَ شــائـكـة ٌ
إنَّ الــثـوابَ على قـدْر الـمـشـقـّاتِ (***)
***
يحيى السماوي
.............................
(*) كتبت في 18/4/1991م معسكر رفحاء / السعودية من مجموعة " الإختيار " الصادرة عام 1995
(**) المنقلة ـ في اللغة الفصحى : هي المرحلة من مراحل السفر الطويل ، وتأتي أيضا بمعنى الأرض الملأى حجرا .. ومن معانيها : أداة هندسية تستخدم في حسابات الرياضيات والهندسة وعلم الفلك .
أما في اللهجة الشعبية الجنوبية العراقية ، فمعناها : أداة من الصفيح يُشعل فيها الحطب للتدفئة شتاء في بيوت الفقراء ـ وهذا المعنى هو المراد في القصيدة .
(***) توظيف للمثل السائر " الثواب على قدر المشقة " .