نصوص أدبية

ذكرياتٌ مقتولة

عاطف الدرابسةقلتُ لها :

أَتفحّصُ ملابسي ..

أتأمّلُ قميصيَ الأزرق ..

أُحاولُ أن أسترجعَ عطورَكِ التي عبقَت بهِ ..

فتقفزُ إلى ذاكرتي لحظاتٌ سعيدةٌ ..

ولحظاتٌ حزينة ..

*

مشاعري تجمحُ وتأخُذُني إلى تلكَ الأيّامِ الطّائشات ..

مثلَ رصاصِ الأعراس ..

فأحنُّ إلى أحضانكِ الدافئة ..

ولمسات يديكِ النّاعمة ..

وإلى تلك الشُّموع الحمراء التي تصطفُّ على شكلِ دائرةٍ..

وترسمُ ظلّينا على الجدار ..

وأحنُّ إلى تلكَ الرّقصةِ الهادئة ..

حينَ كنّا نرقصُ ويرقصُ ظلّانا على الجدار ..

أحنُّ إلى تلكَ الوشوشات التي كانت تُهيّجُ أُذُني ..

وتُحفِّزُ مشاعري ..

ثمَّ أخرجُ إلى حالةٍ حالمةٍ يغيبُ فيها العقلُ ..

ويحضرُ الجُنون ..

*

تتصاغرُ الصّورُ في ذاكرتي ..

وتتهدّمُ الأمكنةُ ..

وأياميَ القادمة تلتفُ حولَ عُنقي ..

وتجرُّني إلى الوراء ..

كأنّني حصانٌ أعرجُ طعنهُ العُمر ..

تعطّلت في مخيّلتي الذّاكرة ..

كما تتعطّلُ في شرقنا الأوطانُ ..

*

حينَ يدهمُني الليل أراني أمشي في جرحٍ عميقٍ عميق ..

كأنّهُ وادٍ مهزوم ..

لا ماءَ فيهِ ..

ولا شجر ..

كلّما مشيت انفتحَ الجُرح أكثر ..

*

كم عمراً أحتاج لأفهمَ الأشياء؟

كم عمراً أحتاج لأفهم ما تقولهُ الرّيحُ للشّجر؟

كم عمراً أحتاج لأفهمَ كيفَ تموتُ الأمواجُ على الشُطآن؟

وكيفَ تموتُ الارتعاشةُ بالجسد؟

كم عمراً أحتاجُ وأنا أبحثُ عنكِ فيكِ؟

وأقطعُ ألفَ ميلٍ من التفكيرِ ..

لأُفسّرَ حُلما هارباً مثلَ الفئرانِ من حقولِ ليلك ..

كم عمراً أحتاج لأُفسرَ سرَّ هذا العتم الذي يكسو بيتكِ ..

برغمِ كلِّ هذا الضّياء ..

*

أتهيَّأ الآن مثلَ نسورِ الأساطيرِ ..

لإقامةِ طقوسِ الانتحار ..

فالأيّامُ القادمةُ لن تأتي ..

انظري :

الضّوءُ القادم من بعيد خافتٌ نحيل ..

والابتسامةُ عرجاء ..

***

 

د.عاطف الدرابسة

 

 

في نصوص اليوم