نصوص أدبية

كُلّي تسوّرني

عبد الفتاح المطلبيكُلّي تسَوّرَنِي سـِــــجناً وقُضْبانا

           إذْ كانَ بَعْضي لِكلّيْ فيــهِ سَجّانا

قَدْ بانَ مِنْ وَهَنِي ما كُنتُ أستُرُهُ

           لولاهُ ما سَرَقَ النبْضاتِ مَنْ بانا

ماهبّ عِطرُ الصَــبا إلا وذكّرنا

             بصبوةٍ فـي الصِبا تنثالُ أحيانا

أيّامَ كان الهـوى ربّـــــاً يُباركنا

           والآنَ نعبدُ للهجـــــــرانِ أوْثَانا

كَمْ كُنتَ تُغـدِقُ غَيثاً فوقَ مُقفرِةٍ

             فكيفَ تصدُرُ مِنــها اليومَ ريّانا

رميتَ بالليلِ حبـلاً فوقَ غاربهِ

             حتى تناسلتِ الظلمـــاءُ غِرْبانا

وبُتَّ تُطعِمُ ديدانَ الأسـَــى قَلَقاً

         فأصبَحَتْ وهيَ تعوِي فيكَ ذؤبانا

يَعرَى الفؤادُ فـلا توتٌ ولا ورَقٌ

         ما كانَ مِنْ قبلِ هـذا اليومِ عُريانا

صارَالسفينةَ قَلبي والشراعَ دَمِي

         وكُنتُ نوحاً وكانَ الحُزنُ طُوفانا

كأنني دفــــــــةٌ تلهو الرياحُ بها

           أمست بأذرعِــــها الأمواجُ رُبّانا

يقودُها نحــــــو قاعٍ لا قرارَ لهُ

           حاشاكمو مــــــن نواياهُ وحاشانا

ما يلبسُ الناسُ مِنْ ثوبٍ يُجَلِّلُهُمْ

           أراهُ حينَ أراهـُـــــــمْ فيهِ أكفانا

قد كانَ أحرَى بهمْ لوْ أنّهُمْ وقفوا

           وقد أعاروا لِصـوتِ الريحِ آذانا

لو أنهمْ فعلوا لاشـــتدَّ ساعدُهم

           وجاهروا أنّ فــــي بغدادَ إنسانا

لكنّهُم سفِهـــــــوا رأياً وحجّتُهمْ

             أنّ التنابُزَ بالتـــــــاريخِ أغوانا

حتى إذا بدتِ الســيقان خائضةً

           بالوحل قالوا وما في ذاكَ أدرانا

فاستكلبَ الموتُ حتى قالَ قائلُهمْ

           أن الحياةَ غدتْ فقــــداً وأحزانا

للهِ درُّكَ يا نخــــــلَ العراقِ وقد

           رأيتَ كيفَ يكـــونُ الأمرُ شتّانا

ما بينَ جائحــــةٍ حبلى وكارثةٍ

               قد تفقد الناسُ أحبـاباً وأوطانا

سوداء لافتة الأمــوات نعرفُها

             لا بلْ شهدنا مـن الميتاتِ ألوانا

ما جنّبتنا الليـــالي شرَّ ظلْمَتِها

             حتّى أتانا ســـوادُ اليومِ برهانا

أتيتَ تسألُ هـل تحظى بأجوبةٍ

            تشفي الغليلَ ولا تُبقيـكَ حيرانا؟

يا سائلاً قد ســــــــبقناهُ بأسئلةٍ

             لمْ تحتملْ يومَها صمتاً وكتمانا

لا ترتجي بخريف العمرأجوبةً

             إنّ الّذي بالهــــــوى آذاكَ آذانا

لا تنكأ الجرحَ دعْهُ في ضمادتهِ

           ما كانَ أحراك بالسلوى وأحرانا

***

 

عبد الفتاح المطلبي

 

في نصوص اليوم