نصوص أدبية

تراجع عن قرار

صبيحة شبرالحفلة انتهت، تزوج ابنها الثالث، وترك المنزل مع زوجته، أسوة بأخويه الكبيرين، ولم يعد احد يشاركهما، العيش بهذا المنزل التعيس، لقد حلمت مرارا

ان تضع حدا للمعاناة المستمرة بلا طائل، وقررت كثيرا ان تتخلص من هذا العبء الثقيل، الذي جعلها ترزح تحت جليد يته، زمنا طويلا، سلبها اثنا ءها، شعورها بالحياة والحرية، تقرر ان تفعل شبئا ينهي معاناتها الرهيبة، لكنها وفي آخر لحظة، وفي كل مرة، تصمم على تأجيل ما أزمعت القيام به، كيف يمكنها ان تتخلص من العبء المرهق، وهؤلاء اولادهما، المشتركون، يحبونهما معا، ويريدونهما ان يكونا، مع بعضهم البعض، طيلة الحياة، لقد سئمت وضعها البائس هذا، ولم يعد بمقدورها ان تشكو لمخلوق أمرها العسير، فلا احد في هذا الكون، يمكنه ان يفهمها، حتى لو افترضت انه يستطيع إنسان ما ان يدرك ما تعانيه، من إقصاء وتهميش، ونكران وجود، فماذا بامكانه ان يفعل لها، وهي قد عاشت عقودا طويلة، على هذه الحال، من يستطيع ان يعرف أنها ميتة، رغم تنفسها، وأنها أرملة، وزوجها يعيش معها بعيدا عنها، يتكلم، ويحيا، يضحك، يدخن بشراهة، كيف تستطيع ان تشرح للآخرين، ما مات في داخلها، أشياء كثيرة احترقت، ولت، ولم تستطع ان تحافظ عليها، كيف يمكنها المحافظة، على نبتة، تحتاج دائما الى الغذاء والارتواء، والهواء، والشمس، حنى الكلام لم تعد قادرة عليه، هو لم يصغ إليها أبدا، تقترح شيئا، فيعمل ضد اقتراحها، يحرص على نكرانها، وإقصائها، من حياته، كما أبعدها عن قلبه

يقرأ كثيرا، يريد ان يظهر أمام الناس انه مثقف، كأن الثقافة قراءة وتحول الى دودة كتب، ودفن النفس بعيدة عن الحياة واشراقاتها، لم يبال يوما بمشاعرها، وأحاسيسها، لم يدعها الى نزهة، واذا ما طلبت منه شيئا ضحك منها، يلغيها باستمرار، يجعلها واثقة انها شيء غير ذات نفع

يقرا بنهم، يشعل شمعة في الليل لتضيء له أثناء القراءة، يستولي عليه النعاس، ويأخذه بين أحضانه، تأتي هي على رؤوس أصابعها، تبعد الكتاب من بين يديه، وتطفيء الشمعة الموقدة، وتغطيه خشية من البرد، ثم تذهب الى سريرها في الغرفة الأخرى، وتأخذ قسطها من النوم، كل ليلة يتكرر العمل، منذ عقود طويلة، ولم يفكر يوما ان يوجه لها كلمة شكر، أعياها الحال، صممت كثيرا على وضع حد لمتاعبها، وآلامها، تقرر ان تقدم على التنفيذ، ثم تؤجل قرارها، إلى الوقت المناسب، اليوم، بعد ان فارقهم الولد الثالث، ان لها، التحلي ببعض الشجاعة، وتنفيذ ما حدثت نفسها به منذ عقود، سيبدو الأمر طبيعيا، والجريمة بدون فاعل، من يمكن ان يشك بها؟ من تذهب ظنونه إليها، وهل هي مستفيدة من موته؟ ماذا أفادت من حياته؟ لتستفد من موته؟ حياته وموته سيان ...... قرأ كتابا كما في كل مرة، ونسي الكتاب قرب الشمعة المشتعلة، فاحترق الكتاب، ووصلت النار الى النائم في السرير، جرائد مكدسة قرب شمعة مشعولة، يتحرك النائم، فيندلع الحريق،، أعقاب سكائر، أوراق متناثرة، سرير يمتليء بالكتب، وسكير يقرا بنهم، من الطبيعي جدا ان يشب الحريق، ويفترس كل شيء في طريقه السريع

سوف يوجهون لها سؤالا: لماذا لم تأتي الى غرفته كما في كل ليلة، وتطفيء الشمعة، قبل الذهاب الى غرفتها، سيكون جوابها منطقيا، وقريبا الى التصديق، إنها تعبت بعد تهيئة الحفلة،، لزواج ابنها الثالث، ولم تتذكر هذا الأمر، الذي تقوم به كل ليلة، ولكن لماذا تذكر هذه المسألة ؟؟ سوف تزعم أمام المحققين، انه اعتاد على إطفاء الشمعة قبل ان يأوي إلى فراشه، كل ليلة ومن يدري؟ وأولادها أيضا لا يدرون، إنهم لا يعلمون أنهما متفارقان، منذ أمد طويل ...

الوضع فوق طاقتها لا تستطيع الاستمرار، وجود الأولاد يمثل دافعا قويا للحياة بقربه، أما الآن وقد غادر الأولاد، ثلاثتهم، كيف يمكنها ان تعيش مع إنسان غريب عنها، لاشيء يجمعهما، ويوحد مشاعر هما المتباينة، ولت العواطف المشتركة، حدثته مرارا انه في حل من ارتباطهما، وحقيقة الأمر انهما منفصلان، وكان يتعلل بوجود الأولاد

الأولاد رحلوا، وهي لايمكن ان تستمر على موتها، لا تبادل أحدا حبا، ولا تحظى بالاهتمام

لم تجهز طعاما للعشاء، تعشى جميع المدعوين، في حفلة الزواج، ستذهب الى غرفتها، لتنام، وتأخذ حقها من الراحة، قبل ان يخرج من غرفته التي كان، لا يفارقها، الا نادرا أوقات المساء

يفاجئها حضوره، لعله يشعر بوحدة قاسية بعد ان ذهب الأولاد كما تشعر هي

- الا ترغبين بمشاهدة الفيلم ؟ انه جميل

- تندهش للدعوة، لم يقترح عليها شيئا منذ الأزل، حتى ظنت أنها لم تعد موجودة لديه

- كفاك تعبا هذا اليوم، تعالي نشاهد الفيلم سوية

صوته نقل لها حنانا، لم تلمسه منذ دهر، ستؤجل ما أزمعت القيام به، حتى رؤية الفيلم معا، موقف واحد لا يجعلها تتردد، فهي لايمكن ان تنسى المواقف المتكررة، والمغلفة بالتجاهل والصدود

- ساطفيء الضوء، وأشعل الشمعة، ما رأيك ؟؟ لنحي الرومانسية التي وحدتنا ...

- ما بال هذا الرجل ؟؟ هل فراق الأولاد يجعله حنونا، رأت في عينيه ومضة حب لم تجدها، وكانت تبحث عنها دائما، في الأيام الماضيات، ومضة جعلتها تود لو تستطيع احتضانه كما كانت في تلك الأيام، ستؤجل قرارها، وتنتظر، عله يعود

 

صبيحة شبر

 

في نصوص اليوم