نصوص أدبية

يَوميّاتُ الزّمنِ الضّائعِ

سوف عبيدالمَطَريّةُ السّوداءُ المَطْويّةُ

المُعلَّقةُ خلفَ الباب

تقولُ له كلّ صباح

وهو يتجاوزُ العَتبةَ

ـ خُذْ بيدي سيّدي

واِفتحْ أجنحتِي

أمْ أنّكَ نسيتَ صُحبتِي

وأصبحتَ تُحبّ السّيرَ

وحيدًا

تحتَ الشّمس…؟

*

عادَ…

أمسَى القلبُ خاليًا

خاويًا

كسُوق السَّمك

في ضُحى عيد الأَضْحى

اِتّكأ في الصّالون…

رَحم اللّهُ عجائزَنا

إذا بدَا لهنّ رَجُلٌ في التّلفزيُون

سَارَعْنَ بتغطيةِ وُجُوهِهِنَّ

فكيف لوْ عِشنَ

ورَأينَ ما رأينا ما فوقَ الرُّكبتينِ…

ومِزَقَ السّراويل

وتُباعُ جديدةً

*

عَمِّ الطيّب

اليومَ أيضا

مَرّ تحتَ النّافذةِ قائلًا

أينكمْ…أينكُم…؟

دَقّ الجرسَ

وقَبل أن أفتحَ البابَ

وضعَ السلّةَ

فيهَا ما فيهَا

فيها اليومَ من تِينِ وعنبِ حديقتهِ

ورجعَ مُسرعًا

عمِّ الطيِّبْ

تَجاوز الثّمانينَ

لكنَّ خُطاهُ أسرعُ

مِنْ فتَى الثّامنةَ عَشْرةَ

وعَمِّ الطيّبْ

كسْبهُ مِن يديه

وما لديهِ… ليس إليهِ…!

*

تَغيّر كلُّ شيءٍ

لا شيءَ كما هًو ولا كمَا يجبُ أن يكونَ

الرّفيقُ القديمُ… وقَدِ اِلْتقَيْنَا

وَقفنَا طويلا

ثمّ اِنصرفَ قائلًا… ـ كالعتابِ ـ

ــ هنيئًا لكَ القَميصُ الجديدُ

أراكَ لبستَهُ معَ تَغيُّر الحالِ !

قلتُ لهُ :

ــ ليْتكَ تُحافظْ أنتَ…

علَى السِّروالِ…!

*

كلُّ ما غَنِمَ عمِّ الطيّب من الدّنيا

– ربحٌ –

أمُّنا – ربح – هيَ زوجتُه

أنجبتْ له تسعَ بَنينَ وبناتٍ

ضَحِك عمِّ الطيّب مرّة وقال لي :

ـ وهيَ في السّبعينَ كالمُهرةِ

ما تزالُ قادرةً وزيادةً

قلتُ :

ـ بفضل بَركاتِكَ يا عمِّ الطيّب !

*

مِنْ باب تَركِ المرءِ ما لا يَعنيه :

السيّدُ الجالسُ أمامي في القِطار

يضعُ ساعتَهُ في مِعصَمهِ الأيمنِ

هَل هُو أدرَى

مِنَ الذين اِخترعُوهَا

ومنَ الذين صنعُوها

وباعُوها

وجعلُوها

لتكون أنسبَ وأصلحَ

في المِعصَم الأيسَرِ ؟

*

رحِمَ اللّه أبِي

كنتُ في العاشرةِ

عندما وضعَ ساعتَه الجديدةَ

في مِعصمي

وذهبتُ بها مُلوّحًا بيدي

إلى المدرسةِ

حتّى المُعلّمُ يومَهَا

سألني مرّتيْن

-كَمِ السّاعةُ الآن ؟

في تَمام مُنتصَف النّهار بالضّبطِ

صَفّر المُديرُ

*

ويرجعُ الحديثُ بنا إلى القِطارِ

قطارِ الضّواحي الجنوبيّةِ

اليومَ

اِنطلقَ من إحدى المَحطّاتِ بدُون سائقهِ

نعمْ…!

بدُون سائقهِ

حَضْرتُه نزلَ لإصلاح أحدِ الأبوابِ

وقد اِستعصَى عنِ الإغلاق

ما كادَ يُغلقُهُ

حتّى اِنطلقَ

مِنْ دُونهِ…

*

قَبلَ يَومَيْنِ

لَقِيتُ مَنْ هُو أفصحُ مِنَ الجاحظ

ومِن أبِي الفَتح الإسكندريّ

وحتّى مِن أبِي العَلاءِ

إنّه جَاري الجَديدُ

سَيّدُ الفَصاحةِ… والوَقاحةِ أيضًا

منذُ أسبوع يَركُنُ شاحنتَهُ الكبيرةَ

حِذْوَ نافذتِي

وعندَ باكر كُلِّ صباح

يترُك مُحرّكَها المُزَلزِلَ يُدوّي مُدّةً طويلةً

قبل أنْ يُغادرَ

اليومَ

خرجتُ لهُ

– صباحُ الخير

ردّ  ـ السّلامُ عليكم ـ

قلتُ ـ يا أخي مِنْ فضلكَ

وأرجُوكَ

أبْعِدْ شاحنتَك قليلا عن نافذتِي

فقال ناصحًا :

ـ كان عليكَ أن تَشكُرَني

لتُصليَّ الصُّبحَ حاضرًا…

*

في مَوسِم المِشْمِشِ

كنّا نُرصّفُ القُلوبَ أهراماتٍ أهراماتٍ

ثُمّ نَرشُقُها بأكبر قَلبٍ

فَكمْ مِن قلوبٍ ربِحنا

كمْ خَسِرتْنا قُلوبٌ

عند الغُروب

نُهشّمُها بحَجَر الصَوَّان

فمَا ألذَّ حتَّى المُرَّ منها…

*

أنا أيضًا

صِرتُ لا أكرّرُ طرَفَ عينِي

نَحْوَ مَن يُطأطِئُ رأسَهُ

حِينَ نلتقِي

كثيرُون حَفِظتُهُم في القلبِ

لكنّهُم

سَقَطوا  في طريقي مِنْ جَيبِ الصَّدر

*

زَمنًا

ظلّ يَلتقِيهَا

عِندَ ساعةِ الميدان

ثُمّ يَفترقانِ

ليتَ أنّهُمَا

مِثلَ تَيْنِكَ العَقْربَيْن

بعدَ كلّ ساعةٍ

يَتعانقانِ

*

على غير هُدَى

قادتْه قَدمَاهُ إلى حَيّ ـ بابِ الجديد ـ

صَفْصَافةٌ هُنا…كانتْ

وسَط البَطحاءِ

رأَى جِذْعَها…لم يَرَ

ظِلَّها…لا

ولا حَنفيّةَ الماءِ تَجري كانتْ

مِنَ الصّباح إلى المَساءِ

والسَّقّاؤُون صَفًّا صفًّا بعرباتِهم الخَشبيّةِ

وأزيزُ عَجلاتِ الحديدِ سِنفُونيّاتٌ…

أحيانًا

فِي عِزّ قَيلُولةِ الصّيفِ

يَتزاحمُون يَتشاجَرُون

يَهْرعُ إليهِم شَيخُ المَسجدِ

ـ يا أولادْ…يا أولادْ

فيَصمُتُونَ في خَجَل

وحتّى إذا عادَ أحدُهُم فِي آخر اللّيل

مُتأرجحَ الخَطواتِ

لا يمُرّ أمامَ المَسجدِ

رَحِم اللّهُ الشّيخَ

لمْ نَسمعْ أذانَهُ العذبَ

رَقراقًا

يَنسابُ سَلْسَبيلًا

مُنذُ يَومِ رَأينَا مُكبّراتِ الصَّوتِ

فِي أعْلَى الصّومعةِ

*

لا يُزاحمُ عندَ صُعُودِهِ القِطارَ

يترُكُ الأولويّة للتّلاميذِ والطّلبة

للعاملين والعاملاتِ

يَفسَحُ المجالَ للمُتعجّلينَ

وللجَميلاتِ طبعًا

لا بأسَ…صار لا يُبالِي إن تأخّرَ القِطارُ

أوْ توقّفَ ولمْ ينطلقْ

أوْ لمْ يأتِ

فهو لمْ يعُدْ يَنتطرُ أحدًا

ولا أحدٌ ينتظرُهُ

لَقدْ فاتتهُ كلُّ المَواعيد…

*

عَجبًا

لِقَومِ مدينةِ الإسمنتِ والحديدِ

يَقِفُون

أحيانًا يَتزاحمُون

حَول ثُعبانٍ أخضر أو أزرقَ

يَلتهمُهُم هُنا

ويَخرجُون منهُ هناكَ

أحياءَ…!

*

تقُولُ النّخلةُ

وهُم يحُزُّون رأسَها

ـ سَيطلُعُ جَريدي

فجُذوري

عَميقةٌ !

*

شَمسُ صباحٍ آخرَ

بنسيم عليلْ

يَومٌ مُناسبٌ

لِحَبلِ الغَسيلْ

وعندَ إعلاقهِ البابَ

ألقَى بنظرةٍ نحوَ صُندوق البريدِ

مِنَ الرّسائلِ خالٍ  والفواتيرِ

حَسنًا

هذا صباحٌ سعيدٌ

ومُباركٌ

*

نَاولهُ الدّكتورُ وَصْفةَ الدّواءِ

قائلا :

ـ الضَّغْطُ عَالٍ

والسُّكَّرُ مُرتفِعٌ

لا بأسٌ…قال :

ـ دَمِي عَسَلْ

فَلْيَشْربُوا

وعِندَ اللّهِ الأجَلْ…!

*

سيقولُون كانَ

وكانْ

عندما لا يكونُ

وبعدَ…

فَواتِ الأوانْ…

***

سوف عبيد

صيف ـ خريف 2018

في نصوص اليوم