نصوص أدبية

جزاء

صحيفة المثقففي منتصف الطريق الوعر الذي يربط بين سكنه الريفي الرث والطريق العام يجلس

حمودة على صخرة صماء متواريا، يشعل سيجارة الإفطار بعد ما خرج مسرعا من فجر ليلة سهر يرثي فيها حاله .. آخر سيجارة صنعتها يده من عشب العرعر.. ينظر حوله ليرى بشاعة المكان الذي يأوي أولاده...صخور فوقها صخور تحتها صخور.لا يرجى منها خير الا ما بقي من هياكل أشجار الفاكهة فوق تلك الأرض المنبسطة.. لا حرث فيها ولا رعي ..أرض رغم شساعتها لا تسد رمق العنزتان التي يملكهما ..تبحر به  أسئلة لا نهاية ولا أجوبة لها ويستعرض حلاوة حياته التي عاشها بين أضلع هذه الأرض ...عندما كانت أشجارها مخضرة معطاء قبل أن يدق فيها الزلزال الأخير ليغير مجرى النبع الذي كان يروي مئات الأشجار من شتى الفواكه.و قبل أن يرحلا والديه منذ سنين، ينفطر قلبه عندما ينعكس مستقبل أولاده في مرآة حياته ..ووسط شد ومد يرمي أحزانه ويمضي في طريقه بعد أن رمى ما بقي من سيجارته التي أحرقت معطفه الوحيد..يطوي بخطواته المتلهفة المسلك الرهيب إلى القرية على أمل أن يجد عملا يسد رمق عائلته التي أرهقها الفقر ..وعود قد سبقت هذا الموعد من كبير القرية ربما تجلي عنه مرارة عيشه..ولما اقترب من الطريق الذي يربط القرية بالمدينة الكبيرة التي لا يعرف عنها إلا أضوائها ليلا .كانت الشمس قد أنارت ما بقي من الطريق لتعكس ضوءا لا يعرف ماهيته ويقترب حمودة منه بخطوات متثاقلة يشوبها الخوف ..ليسمع أنين مستغيث ..يصيبه الهول مما رأى.. سيارة منقلبة على طرف الطريق في أخدود لا يمكن للمار عبر الطريق أن يراها وينزل حمودة إلى جوفه ليرى شيخا بلحية بيضاء يعاني من أثار الحادث ويظهر عليه التعب فعرف دون شك أنه قد بات في هذه الحفرة مستنجدا دون معين ..و يخرجه بعد تعب من سيارته التي أكلت بعض لحمه وكسرت عظامه.. وبعد جهد مضني يصعده إلى جانب الطريق لينتظر النجدة ويومئ  إليه الرجل أن يخرج شيئا من السيارة ويهبط ويرى ما لا يمكنه أن يتوقعه كيس من المجوهرات قد انفجر من جانبه من ثقل ما يحمل وتبدأ الهواجس والأفكار تراود عقل حمودة إلا  أن يترآى له تجويف في الأرض غير بعيد ..هواجس تلف بفكره.. أفكار تروي عقله وتغويه أن يدس الكيس فيه.... فبعض ما في الكيس يخرج عائلته من العوز ..يكسي أولاده العرايا وينعش زوجته التي عانت معه الأمرين أكل الجوع لحمها ونتف عظمها حتى أصبحت لا يرى لها ظل..يشتري سكنا في المدينة يعلم أولاده الذين قارب سنهم دخول المدارس ويستيقظ على ضجيج سيارة مقبلة باتجاه المدينة فتوقظه من أحلامه ويحمل الكيس معه ويلوح للسيارة لتقف ويٌركب الشيخ وهو بجانبه يمسك بالكيس إلى مستشفى المدينة، ينتظر حتى تأتي زوجة الشيخ، يسلمها الكيس ويتمنى للشيخ الشفاء ويمضي دون أن يعرف حتى طريق العودة..و بعد استفسار يوصله أحد سكان القرية الى مقصده ويعود بعد أن أقسم على نفس الصخرة أن لا يدخن بعد هذا اليوم وانتظر حتى ينام أولاده وتسلل إلى سكنه ليجد زوجته في انتظاره تهنئه على فعله بعد أن حكي لها ما جرى في يومه، وتمر أيامه على نفس الحال، وحمودة يذهب كل صباح بعد أن أصبح يعمل أجيرا عند كبير القرية ...

و في يوم أنارت شمسه مبكرا على غير العادة، يرى حمودة وفي مكان الحادث على قارعة الطريق سيارة سوداء لا تشبه سيارات أصحاب قريته ..لها من الوقار ما يخيف.. وينزل من السيارة الشيخ الذي كان هنا من زمن غير بعيد ويبادره حمودة بالسلام ويعانقه الشيخ شاكرا صنيعه ويطلب من حمودة أن يأتي معه إلى المدينة ليسكن معه بعدما رأى من أخلاقه وأمانته رغم فقره ..فهو رغم غناه ليس له سند يعينه في تجارته بعد أن توفي ابنه الوحيد..

الاطرش بن قابل

 

في نصوص اليوم