نصوص أدبية

المخزن ( 2-5)

صالح الرزوقأولشاس جانيداروف

ترجمة صالح الرزوق

 

زياش:

كنت مثلها في البداية أيضا. واعتقدت أن كل شيء سيكون ممتازا بشكل تلقائي. وبعد مرور شهر هاجمني شباب بشفرات في أيديهم في الميترو وضربوني. كنت بانتظار القطار، فقط. قطار ولا شيء غيره. أمضيت في المدينة شهرا. ولم أكن أشكو من شيء. هذه هي الحكاية. الساحة الحمراء، وأبراج الساعة، والنور الذي ينتشر في كل الأرجاء، هذا هو قلب موطننا. وهكذا كان. ثم في الميترو. داخل الميترو حصل ما حصل. وكان الآخرون واقفين يتفرجون وأنا أستلقي في بحيرة من الدم.و دار الناس من حولي. وكنت مستلقية على الأرض. ومنذ ئذ ونفس الكابوس ينتابني. أشاهد نفسي في نفق فارغ والقطار قادم إلى المحطة ويوجد حشد مزدحم من حليقي الرؤوس على الرصيف. والقطار فارغ وأنا وحيدة. وكل أولئك الشباب واقفون، مئات من حليقي الرؤوس. ثم يفتح الباب ويهرعون للدخول... الأبواب تنفتح. كلها تنفتح، وعلى الجانب الآخر من النافذة يقفون ويحدقون بي، جاهزين، وفي حالة انتظار. ثم يفتح الباب.. أنا وحدي... وها هم جميعا... الله! الله! كلا!كلا!. أنا خائفة. أنا خائفة. وأستيقظ..

كارليغاش:

حملت ندبة على الرقبة. ورأيتها. وكنا دائما نستعير منها الكثير من الماكياجات، فهي تحتفظ بكل الأنواع. وكنا نحتاجه. حينما يتعرض الناس للضرب يوميا، وحينما يحصل ما يحصل، يجب تغطية الآثار. لديها أطنان من المراهم، وهي تعلم أننا نحتاج لها. كنا ندهنه على أنفسنا وعلى الأخريات. والمعلمة أيضا. أنت تستلقين هناك بعد الضرب ثم تأتي بالمرهم. وتضعه عليك. بلطف، بحنان أم. وكنت أناديها أباشكا، كأنها جدة أو عمة. في شيمخينت كان لدي أباشكا وليس أما، واسمها ألتياني. وكانت المعلمة تدهن المرهم وتقول:

 زياش:

لا يوجد ضرورة لتنفير الزبائن.

كارليغاش:

جاؤوا وفتشوا دون أن ينطقوا بكلمة. العنب والتفاح والجزر. هذا كل ما يعنيهم. كانت هناك امرأة اسمها أرينا. ولاحظت حالتي وسألتني إذا كان زوجي يضربني حينما اشترت التفاح. لم أرد. ماذا يمكنني أن أقول؟.

 زياش:

كلهن يفقدن الطريق دوني. هذا كل شيء. كنت أطعمهمن، وأوفر لهن ملجأ  للنوم ومهربا من الشرطة والسلطات الظالمة. بكلمات أخرىأحميهن  من الآخرين.كانت أم آنيا مريضة، وعند ماشا صديق في آلتا. وسونيا تعاني من مرض بالقلب. سمعت بمشكلة سونيا في وقت متأخر بعد موتها. وأخبرتهن أنني وفرت لهن كل شيء. البيت والسيارة وأوراق الإقامة. مثل الناس الطبيعيين. وسوف يكون لهن بيوت في كازاخستان. ولكن يجب أن تعملن أنه سيكون لكل واحدة بيت من ثلاثة طوابق. يغطيه السجاد الفارسي – وكل ذلك مقابل عشرة آلاف دولار. لكن العمل أولا. هل ترين هذا المخزن؟. هل تشاهدن النقود في الماكينة؟. وماذا عن ذلك الكيس؟. هل سمعتن بشقتي؟. أنا من القرية. وكانت أمي تضربني. وقد توفي والدي وفقدت ولدا. ولكن ها أنا؟. الشيخ يفتخر بي، لا تهملن الصلوات، ولا تنسين الطقوس في أيام قربان بيرام المقدسة. واجتهدن بالعمل ليلا ونهارا طوال الشهر. وطوال العام. فالله لا ينسى عباده.

كارليغاش:

ألقت سونيا على الأرض. كم كان عمرها؟. كنت أعمل هنا منذ شهر وهي منذ ثلاثة شهور. ولكن كأنها غريبة. واعتقدت أنها كسولة. هذا ما جاء في ذهني أولا. كانت دائما مشغولة. لكنها طويلة وبطيئة الحركة. وتؤدي أعمالها ببطء. وكانت المعلمة تصيح قائلة:

 زياش:

كم أنت بطيئة أيتها اللعينة!.

كارليغاش:

واشتكت أوليا من وضعها. وماشا. وآنيا. وأنا أيضا. لا يمكنك أن تمنعي نفسك عن ذلك. وعاقبناها جميعا. ولكنها واصلت التباطؤ. وقالت: أشعر بالتعب. وجلست في مكانها. كان عليها أن ترتاح ولكننا لم نفعل مثلها. نحن لا نرتاح. ثم في إحدى الليالي أجبرت المعلمة سونيا على أن تشرب أكثر من سواها.

 زياش:

اشربي!.

كارليغاش:

قالت لها، لكن سونيا لم تمتثل. فلوينا ذراعها خلف ظهرها.

 زياش:

اشربي!.

كارليغاش:

وهكذا شربت سونيا الفودكا. الكثير من الفودكا. ثم سقطت وقالت: إنه يضر بي. لكن أرسلتها المعلمة للطابق العلوي. ولم نشاهدها مجددا. ثم علمت أن عمرها كان سبعة عشر عاما فقط.

 زياش:

إنه عمل وحياة. والشكر لله. هكذا تسير الأمور. حينما كنت بنتا انشغل شقيقي في الحقل. ثم فقد أجزاء من جسده خلال العمل. و القلب ثم الأمعاء، كل على حدة. أما سونيا فقد ماتت في الطابق العلوي. استلقت لتنام ولم تستيقظ. أحيانا تكون الحياة ناعمة. سهلة ومستديرة مثل بورساك، كعكة محلاة. أخبرت سيريك بذلك. حملها معه وألقاها في علبة النفايات. ماذا يمكن أن تفعلي غير ذلك؟. وشاهدوا الجثة صباحا وجاء صديقنا الشرطي وسأل: هل هي من بناتك؟ أجابت كانت تعمل هنا. هذا صحيح. ولكنها الآن غير موجودة. انتهى الموضوع. وأعلم أنه يتعين علي إحضار غيرها وهذا يكلف النقود والصداع مجددا. جاءت اثنتان للاختبار – ماذا لو أن إحداهما تعاني من القلب؟. مرت أول ليلة على ما يرام، عملتا بماكينة النقود والمستودع ونوبة الليل. ولم يغمض لهما جفن. لم تناما!. لقد نجحتا. وكانت قويتين. وهذا جيد وشعرت بالتحسن فورا.

كارليغاش:

كانت سونيا هناك وأصبحتا اثنتين. وهما أصغر مني بالعمر.

 زياش:

تانيا ولينا.

كارليغاش:

كانتا يافعتين – تورسيناي ويركيش – لكن المعلمة بدلت الاسم فورا.

 زياش:

تانيا ولينا.

كارليغاش:

لم تتعرضا للضرب لأسبوعين.بلغت مهلتي أسبوعا. لكن مهلتهما أسبوعان. سمحنا لهما بالمراقبة لتتعودا على احتمال التعرض للضرب. وأنه لا يمكن التهرب من العقوبات. وأخيرا تلقتا الضرب. جلد مؤلم فعلا. ولم أكن قد علمت بأمر كاميرات الفيديو. كانت هناك كاميرات في كل مكان. حتى الحمام. تتابعنا في كافة الأماكن ولا مهرب منها. كانت المعلمة تجلس في غرفتها وتراقبنا لتعرف ماذا نفعل وماذا يجري. ولم تتكلم البنات عن أي شيء. كن قد حفظن الدرس وتعلمن الصمت. كنا نتبادل ثلاث كلمات في اليوم، وهذا كل شيء. ولكن لم تكن هناك كاميرا في إحدى الغرف. وهناك يحصل كل شيء. بعد الفودكا كنا ندخل إلى هناك. ويكون المكان مليئا بالرجال. ولكن لا أتذكر شيئا. ولا أريد تذكر شيء.

 (تبدأ زياش بهز الأرجوحة. وتتمسك كارليغاش بالقبضات وتجمد نفسها).

كارليغاش (تتابع):

لا أحب التأرجح منذ صغري. إنها تصيبني بالغثيان. كنت أخشاها ولا أريد تجريبها، ولكن توجب علي ذلك. خلف وأمام. خلف وأمام. أصابني الصداع وغثيان المعدة. أغلقت عيني ولكن هذا فاقم من تأثيرها. كيف تخلصت منها؟. واصلوا التأرجح والتأرجح... وفي النهاية ابتعدت عنها وترنحت. لا يمكنك الرفض. كل الفتيات يسخرن منك بعد ذلك. والصبيان أيضا. لكن أحببت يارميك. كان ممتازا في النرد وهزم الجميع في أسيكاي. وبحضوره كنت أشعر بالشجاعة وأصعد على الأرجوحة. الشجاعة لا يحجبها الخوف. ولكن في المخزن أتحول لرعديدة. كنت جبانة لفترة طويلة – سنتين وأكثر. فقد أنجبت طفلة، وانتابني الخوف. وعندما فقدتها – عادت لي شجاعتي. كنت دائما شجاعة لأنني لا أملك شيئا أفقده. وهكذا جربت حظي.

 زياش:

أخبرت ناتشا أن تراقبها. وكانت تعلم كم مضى عليها وهي حامل. وكانت عندي فكرة عما يجري. وكلما مر عليهن وقت أطول سهلت مهمة التعامل معهن. تحكم وسيطرة كاملة. هذه هي الحكاية. لم يكن لدي حساسية من الأولاد.. زيادة عدد الصغار يعني زيادة العاملات. وستتأقلم العاملات مع الظروف ومع الاحتياجات الضرورية. وسأقدم للأولاد الذين انتهى وقتهم الطعام في الليل. لهم ذلك. هكذا أعلمهن أصول العمل. وسيشكرونك لاحقا. حتما.

 زياش (تتابع):

اعملن من أجلي لتكونوا ممتنات. لا أحب التهاون. الجد في الليل والنهار. طوال الشهر.و لسنة أو أكثر. وكله بمشيئة الله. لم أكن ألمسهن وهن حاملات. أعلم من يمكن لمسها ومن لا يجب لمسها.و حالما تلدن، أمنحهن راحة وكيسا من دقيق الشوفان مرتين في اليوم. ولا أجبرهن على حمل العلب الثقيلة وأترك مفاتيح المراحيض بمتناول اليد. أعلم ماذا يجب أن افعل. وهذا كل شيء. ناتاشا نسيت عملها مرة فضربتها بقوة غير معتادة. تلك الصغيرة لم تتمكن من ذلك. وماذا بيدي أن أفعل؟ إنه القدر. لا تزال صغيرة. ولكنها ستجد فرصة أخرى.

كارليغاش:

بقيت ناتاشا هناك لفترة طويلة. عملت في المخزن السابق. وكان اسمها الحقيقي نرجس. وهي من طشقند. ولكن أصبح اسمها ناتاشا. ووثقت بها المعلمة. ولم تكن تضربها كثيرا. وعلمت هذا فورا – كانت تضربها أقل من سواها. وجرت النقود بين يديها. وكانت تصل لماكينة النقود. وتقابل ابنها أكثر من سواها. فقد أتوا به إلى هنا. كانت ساقاه مقوستين. وكان مريضا بترقق العظام. وهو بعمر أربعة أعوام ولكنه لا يستطيع الكلام. الجميع هناك مريض. وكنت خائفة على إيجان. في البداية لم أكن أريدها لأنني لا أعرف ماذا سيحصل. شربنا، كنا نشرب كل يوم. كنا نشرب برغبة وبلا رغبة. وإلا ما أمكننا أن نعيش. فالظروف قاهرة. ثم قدم لنا سيريك الأعرج الفودكا. ولم أحبه، لكنه قال: اشربي. فشربت وطلبت المزيد. ثم المزيد. وفقدت رشدي. هكذا ولدت إيجان. وخفت أن تمرض. فقد حملت بها حينما كنت مخمورة. وكنت أعرف شابا إذا أغضبته يقبض على أنفي ويعضه. كان يأكل براز السلاحف أيضا. براز السلاحف. الصغار أغبياء.

 زياش:

مرت ثلاثة شهور – ثم ظهرت وهي حامل. بذل سيريك ما بوسعه. فقد افترض أن الحمل بسببه. ولكن لست متأكدة. كان عليهما أن لا يشربا كل هذا المقدار. واضطررت لتخفيف عقوبة الضرب. اذهبي. نامي. تدبري أمرك. هذا كل شيء. كنت جاهزة لتقديم ما يلزم، ولكن قلت لهما: النتيجة لي. كانت أوليا قد أنجبت بنتا. وماشا أنجبت صبيا. وكانت آنيا على وشك أن تنجب. وكذلك كاتيا. وكارليغاش هذه. سألتها: هل تفكرين بمراسم الزواج الرسمي؟. ولكن لم أسألها بمن ستقترن. افترضت أنها تريد سيريك. وناديت على الشيخ. وهذه ليست أول مرة. وأدى المراسم بشكل جيد ومناسب وانفردت كاتيا مع سيريك. وتحسنت حالتي النفسية من جراء ذلك. لقد رتبت الأمور، هذه امرأة متزوجة، وهكذا نقلل من الهراء. كما أرى، إذا كانت لديك عائلة تنتابك أفكار حمقاء قليلة. لقد تصرفت مع جميعهن بهذه الطريقة. إذا كانت هناك ضرورة. كل شيء يتوقف عليهن، ومع ذلك لم أرفع عيني عنهن. ولأنه لم أكن أحبها، كان يجب علي أن أتخلص منها وأبيعها. ولكن أخذتني الشفقة. لقد كبرت دون أم، مثلي فقد كبرت بلا أب. شعرت نحوها بالشفقة. وحتى لو أنها من الجنوب من شيمكينت.

كارليغاش:

الحياة بسيطة ومثلها المخزن. نعم، أنت تعيشين وتأكلين في البيت، وإذا لم تجدي الخبز في الصباح، يمكن الهبوط للطابق الأسفل وهناك المخزن وبضائعه وهو في زاوية البناية من الطابق الأول. يمكنك الحصول على خبز، وبعض الحليب، ثم تعودين للبيت. زوج وزوجة وأولاد. هم بجوارك ونحن بجوارهم. كنت أحب هذه الفكرة – زوج وزوجة وأولاد. الزواج مع ارتداء المنديل التقليدي على الرأس saukela ، و tumar تميمة تجلب الحظ الحسن في اليد، ، ووالدي بقربي. ولكنني تزوجت في المستودع. عرس بسيط. ونمت وأنا واقفة. وحملت وأنا بحاجة لمزيد من النوم –  ويمكن أن أغفو عند المنصة في أية لحظة. وقفت هناك ونمت. ودخل الناس وطلبوا البصل، والخيار، والملفوف. ثم حولتني إلى مكان الحليب. وهو مكان أسهل. مع ذلك، كنت أغفو واقفة. وكنت أنظر لسيريك – ماذا يمكنني أن أفعل؟. لم يكن هناك شخص آخر. من المشين أن تكوني بلا زوج في المخزن، هذا شيء غير نظيف. بلا زوج شيء يقترن بالخوف. سيرسلونك إلى تلك الغرفة بعد شرب الفودكا، كم مرة جرى لي ذلك.

(تجلس كارليغاش على الأرجوحة، وتدلك بطنها. تنظر لها  زياش بضبابية).

كارليغاش (تتابع):

إنها تحملهم للطابق الثاني مباشرة. لقد ولدت وانتهت المسألة – وكأنني بلا ولد الآن، وأن إيجان حلوتي، غير موجودة. لقد سجلتهم باسمها. للمعلمة الآن ثلاثون ولدا. ولكنهم أولادنا، وهي من أخذتهم منا، لتجعل مستقبلها أكثر هدوءا وضمانا.

زياش:

و قد شاركوا بالفعلة.

كارليغاش:

في الثانية والثالثة يبدأ التهام الطعام الفاسد. هذا يعني هذا. يحملونهن إلى الداخل وأنا أتأملهن وكأنني أنظر لنفسي. وهي التي تضربهن. ثم فهمت كل شيء. لأول مرة فهمته. حينما ولدت، وحينما أخذوا ابنتي، وحينما سمحوا لي برؤيتها، فهمت. اعتقدت أنني سأهرب إلى موسكو وستتبدل الظروف. ولا ضرورة لأن أكون مستخدمة مثل ألما. وأولادي، لا ضرورة لأن يخدموا مستقبل أبناء ألما. في الشرق كل شيء مرتب، حتى النهاية. اعتقدت أنه يمكنني تبديل مصيري هنا. ولكن هذه هي الحال دائما. أنا خادمة. وإيجان ستكون كذلك. وأبناؤها من بعدها أيضا.  أحفادي. لكن لماذا؟..

 

في نصوص اليوم