نصوص أدبية

مَن سرقَ منَّا الوطن؟

عاطف الدرابسةقلتُ لها :

سألتُ الوطنَ هل تعرفُ عنواني؟

وهل تعرفُ كيفَ يُعاقبني اليأسُ، ويفتحُ الجُرحَ في قلبي؟

هل شممتَ يوماً رائحةَ دموعي ودمائي؟

وهل رأيتَ كيفَ يَبتبخّرُ الماءُ من جوفي، وتتفتّحُ فيهِ الشُّقوق كالثّوبِ العتيق؟

منذُ زمنٍ طويلٍ لا أغفو ليلةَ العيد ؛ فقد سرقوا ثيابي وألعابي، والأزهار التي تعلو أغصانَ العُمر .

هل تعرفُ يا وطني الأزقّةَ الضّيقة التي تؤدّي إلى الفقراء؟

لم يبقَ شيءٌ على الرّصيفِ يؤكل، ولم يبقَ في صفائحِ الزّبالة خبزٌ جافرٌ  أو بقايا من قشورِ الموزِ والبرتقالِ والتّفاح .

نمضي وحدنا بلا طعامٍ أو ماء، بلا أفكارٍ أو مشاعرَ، وحصادُنا الوحيد شعرٌ أبيضُ وظهرٌ مُنحنٍ، وأحلامٌ على جدار، وهزائمُ ثقيلةٌ، وحفنةُ تُراب تنزفُ وتصرخُ : نحن - الجائعين - نبحثُ عن حبّةِ قمحٍ في جوفِ سُنبلةٍ سقطت حينَ نخرها السّوسُ، وامتصَّ ما كانت تحملهُ السّاقُ من ماء . 

يا حبيبةُ جئتُ إليكَ أحملُ حروفَ وطني خاليةً من الأحلامِ والأماني، وأحملُ آخرَ ما تبقّى من العُمرِ خالياً من الأيّامِ، أُفتّشُ بينَ السّرابِ عن السّرابِ، وعن شبابٍ توارى بينَ التُرابِ .

يا حبيبةُ : مضى العُمرُ ونحنُ نكتبُ روايةَ الأحزانِ، ونرى أيّامنا تمشي على شواطئِ الدّماءِ، ونسألُ الخُطى المرسومة على الرّمالِ كيفَ نلقى الله وفي عيوننا ألفُ خيانةٍ وخيانة، وألفُ هزيمةٍ وهزيمة .

الشّاطئُ بعيد، والليلُ كئيب، فخبريني .. خبريني : من سرقَ الأحلامَ من صدورنا؟ من سرقَ دموعَ الفرح من عيوننا؟ من سرقَ الشّفاء من جراحنا؟ من سرقَ الصوتَ من حناجرنا؟ من سرقَ الوطن من أطفالنا؟ من أسرى دماءَ الخوف في عروقنا؟

يا حبيبةُ لا تيأسي ما زلتُ أرى في عينيكِ مكاناً قد تُشرقُ منهُ الشّمسُ، وينبعثُ منهُ وطنٌ جديد .

 

د.عاطف الدرابسة

 

في نصوص اليوم