نصوص أدبية

متى يكتمل القمــر!!

محمد المهديتجيء الأيام وتروح،

تَتْـرَى ويمضي العمر بنا من غير رواح .

شتاتٌ نحن بين حاضر يمضي

وغد يأتي ثم يروحُ.

وبين الذهاب والإيــاب

أشواق تَنْثــال،

وأطيافُ حنين وبقايا ذكريات،

وصورُ حبّ يَحُول بيني

وبين مُنتهى السفر .

ساقية الدرب السحيق،

ريح الشمال عند الفجر،

أصوات الصبية عند المنحدر،

انقشاع النور عبر شقوق الباب العتيق.

نداءاتُ العطّار المُتَوَدّد

عبر الدروب المعتمة .

نهيقُ الحمير بالتناوب .. !!

سربُ العذارى الوارِد على الساقية ..

أطيافٌ وأصواتٌ تَرسُمُ في عيني

عوالمَ الحب العالي،

و حنينَ العيون الموغلة في السحر!

تأخذني عبر الأزمنة الهاربة

صوب الغروب .

و أنا بدون مَلمس

أتحسس موضع أنفاسي،

وحشرجة الريح المتهالكة،

و البرد القارس المنكسر على الجبال .

أضيع بين نبضي الفاتِر،

ونَمنمات جدتي العجوز ..

كلما ألقيت برأسي

في أتون بحر من الحنين والشوق،

أو دَلَفتُ دون قصد إلى عالم

لم أعُــد أراه منذ أمــد !

كالماء يمرق بين الشقوق،

تعود بي ذاكرتي

إلى أرض كانت ذات ماض

تنبت العشب الأخضر

بين مفاصلها دون انتظار المطر.

وكنا نسلك مدارج الساهرين

كل ليلة دون عناء أو ضجر .

وكلما تثاءب الليل ثملا

أعياه السهر..

ألقمناه كاسَات الشعر

و حكايات الغجر.

كان الرفاق وكان الحب

يراودنا كراقصة تنثر المرح

بين سيقان الشجر،

و تُذكي فينا نزق الحياة

إذا ما رانَ حولنا ملل أو ضجر.

ذاكرتي مثقوبة.. !!

ينسِـلُ منها الماضي دون قصد،

مثل قارب يسابق الموج إلى المرافيء،

وقد أكل منه ملح البحر تاريخ البؤس..

و ألقاه بين أشواق الموج المندلق

من كل حدب،

وبين حنين مُسَجّر  بالحطب العتيق

إلى حيث تقوده المجادف قسرا .

أصونُ اعتقادي متدثرا

بالجَلَــد الكامـن بين مفاصل يومي الحزين.

و أَدُسُّ أسرار الرفاق

خلف الجفون المثقلة بالشوق والألم.

 أطيافُ الذين رحلوا،

فوانيسُ الفجر المعتق بالعَتْمة ،

تناهي الأصوات البعيدة

عبر الساحات ،

مواكب الحفاة تنير الطرقات .

و بيارق النصـر تسـد الأفق

و تستدعي أسراب الحمائم المهاجرة،

وتنشِـدُ أغنية العودة

و ترانيم الحيــاة .

فأدلف إلى عوالم الخلــود،

مُلْتحفا ألــوانَ الوطن

وذكريات الرفاق وأصوات الآتين

عند اكتمال القمــر،

وانتصاب الغــد الهروب .

 

محمد المهدي ـ تاوريرت ـ المغرب

 

 

في نصوص اليوم