نصوص أدبية

غـُرْبَةٌ غريبة

نور الدين صمودلمحة

يا غريبًا في حِمَى وطنِهْ، وبعيدَ الدار في سكنِهْ

 

أَر ِقـْتُ لطائر ٍغـَنـّى بـِتِـيــــهِ*وشـَنـَّج َبالأغاني سامعيــــــــهِ

فقـال له حـزينُ القلـبِ لمَّـــا*رآهُ بالأغــاني يَسْــتـَـبـيــــــــــهِ:

(ألا اسْـكـُتْ يا هزارُ ودَعْ غِناءً !*فليْس بأرضنا سَمْعٌ يَعـيـــــه ِ

ودَعْ طـَرَبًا تـَمَرّغ في رَغــام ٍ*ولم يَرقــُصْ بأذنَيْ سامعيــــــه ِ!

وفي آذانهـمْ فانـْعَـبْ عَـسَى أنْ*يـُفـيقَ المجْـدُ قـَوْمًا مُبْدِعِيــهِ !ِ

إذا ما أ ُمَّــة ٌفي الكـــون ذَلـّتْ*وكانـت للعُــلـَى مــن صانعيـــهِ

ولم تركبْ صواريخَ المعالي*وتنسَ العيسَ إنْ حُدِيَتْ بـِتِيـــــــهِ

فدعْـها إنها ليــســتْ بأهْـــل ٍ*لِنـَيْـلِ المجدِ في ما تـَدَّعِيــــــــهِ !

ومَـنْ طـَلـَبَـتْ عُـلـُـوًّا دون سَـعْـي ٍ*فقـل:  بالله يا هــذي دَعيـــهِ !

وكيف تـُــريدُ حصْدَ الزرع يا مَنْ*عَهـِدْتـُكَ لم تكنْ مِن زارعـيــــهِ؟

سَـيَـصفـَعُــكَ العـدوُّ بألفِ سَوْطٍ*إذا ما لم تــكن من صافــعـيـــــهِ

ويصرَعُـكَ الـقـَوِيُّ بِسيف ظـلـْم ٍ*إذا ما لم تكن من صارعِــيــــهِ

وإنْ أزْمَـعْـتَ أمـرًا فـَامْض ِ فـيه !*وإلا ّ لا تـَكـنْ مـن مُزْمِـعـيــهِ!

ولا تـَلـْبَسْ دُروعَ الحرب واصمُـتْ*ودِرْعُ الحربِ كـُنْ من نازعيـــــهِ!

ولا تَسْــتـَلَّ سَـيْـفـًا في ادِّعــــاءٍ*بأنـّـكَ في الوغـَى مِنْ رافِـعِـــيـــــــهِ

وأغـْـمِدْ سيـفَ جـدِّكَ ولـْتــصُــنـْه*فــجَدُّك كـــان أجْــدَرَ حـامليــــــــهِ!...

زمــانَ السيـــفِ كالصاروخ فينا*فلا تـَفـْخـــرْ بما قـد كـــان فيـــــــــهِ...

مِــنَ الأمجـاد إذ كانـوا رجــالاً*وكــانَ السيـــف يَحـْمَدُ مُشْـرِعيــــــهِ

ولا تـُقـْــدِمْ بقــلـبٍ فيه جُــبْنٌ*فــتــغــدو، في الحَشَى، من خالعِـيــــهِ

ودَعْ عزمًا تضاءَلَ حين هُـنـّا؟*وصِـرْنا، في الحِمَى، من مُوجـِعيــــــهِ

إذا لم نـُوقِــظِ العــزمَ الذي قـــدْ*تـَقاعَــسَ منـذ دهـــر في بَــنـيـــــــــهِ

فـسوف نـَظــلُّ في كَـهْــفِ الــرزايا*لأنـّا لم نكــنْ مـن هادمــيـــــــــــهِ

ويـبـقـَى كـُـلُّ ذي عـقــلٍ نـَـؤُوم ٍ*يـنادي في الوجـود بـِمِلْءِ فيــــــــهِ:

(ألا اسكتْ أيها الشُّحرورُ واسمعْ*نـَحيبـًا لم نــكــنْ مــن سـامعيـــــهِ !

وعَلِّلْ سَـمْعَــنا بنعــيــبِ بُـــوم ٍ*فصـوتُ البُـوم صِـرنا نــشـْتهـيــــهِ؟

وأسْــمِــعْـنا نـعِـيقَ غــرابِ بَـيْـــن ٍ*يـُـصَــيِّـــرُ شعبَــنا يحيا بـِـتِيـــــــهِ

(بـِدونِ هُـوِيَّـةٍ) و(بدون أهـــلٍ)*ولا وطـــن ٍ له يَحْـمــي بَــنـيــــــــــهِ

ولا يُـعْـزَى إلى أرْضٍ لِيَـحْـظـَى*(بـِشِــبْــر ٍفي ثــراهُ يَـنام فــيـــــــهِ)

سِـوَى ذاك الذي اغـتصبـوه مِنـْه*فصارُ البعـضُ منــهم يَــتـَّقـيـــــــهِ

وشَـَتـَّتَ شملـَهُ مَــن أطـــردوهُ*ولم يلـقَ النـَّجــادَة َمــن أخــيــــــــــهِ

وحـاشـا أن يكــون لــه شــقــيقـًــا*ولكــنْ في العـروبةِ مِنْ ذويـــــــــــهِ

فهــذا في الكِـنانـَةِ عــاشَ حَــتى*غــدا فـي النـِّــيــل ِأبْــرَعَ سـابحيــــــهِ

ولــولا بَــــردُهُ لكــواه جـــمْــرٌ*وكــان الشــوقُ أكـبــرَ حارقــيــــــــــــهِ

وذلك في الخليج غريبً دار ٍ*وضيـــفُ الغـــربِ ذو شـــأنٍ نبيــــــــــــهِ

وذلك في الكُوَيْـتِ غدَا قطينـًا*وذا في الشــام يـــبحــث عــن بنــيــــــــــهِ

وذا فـي غـُــرْبَــةٍ قــد عــزَّ شأنـًا*وذا فـي القــدس لــكــنْ ذ َلَّ فيـــــــــهِ

وَذُ ُلُّ الــحُـرِّ في الأوطـــان عـارٌ*إذا مــا جــاءَهُ مِــن عـارفـيـــــــــــــهِ

وكــم مـــن موطن، في الكون، حــرٍّ*غـدا ســـجـنًا يعيش الشعبُ فيـــــــهِ

وأرضُ الله تـَفـْـــتـَحُ ألـــفَ بابٍ*لِمَنْ يعَـصِـــيــهِ أو مَــنْ يَتـَّـقِــيـــــــهِ

فذاك مِنَ العــراق بأرض (سِيدْني)*بـِحُبِّ (الكُنغُرُو) يُـــغـْرِي بـــنيــــــه ِ

فـيـنـسَى فيه عِــيسًا ضارباتٍ*كُــبُــودَ البـــيد من تــيهٍ لــتيـــــهِ

وما ضلـَّتْ طـــريقـًا في رحيل ٍ*بــدربٍ للمسافــرِ يَــصطـفيـــهِ

وقد ضاعتْ شعوبٌ في حماهـــَا*فكم طفل ٍ نـَفـَوْهُ عن أبيـــــــهِ !

قضى في تونـسٍ لمّا رماهــا*بنو صهيونَ في الزمن الكريــــــــهِ...

بنارٍ قــد أتـَتْ من أرض حَـــيْفـَـا*وهــذا الحَيْفُ جـُـرْمٌ في ذويـــــهِ

زمانَ لـُجوئِهِ لِـيُـقـيمَ ضيْــفـًا*ويَـنـْأَى عن مكان ٍشبَّ فيــــــــهِ

فأهلُ (القدس ) في (دُوّار ِشَط ٍّ)*لأمـرٌ لا يَـغيـبُ عنِ النبيـــــهِ

تـَمُـرُّ الطائراتُ عليه دوما*وتـَرْصُــدُهُ بعينيْ قاتـليــــــــــــــــــهِ

أفــاقتْ أعْـيُـنُ الأعداء لمَّاْ*تناومَ مَنْ غـَدَوْا من حارسيــــــــهِ

فلا تفخرْ ودعْ عــنك التـّباهي*بماضٍ لم تـكنْ مــن صانعيــــهِ

زَمـانُ المجــد بعـد العـــزِّ أغفـَىٍ*وأضْـحَـى نائِـيًا عن مُـوقظيـــهِ

وإنـّا أهــلُ مجــدٍ سَوْفَ نبْــقـَـى*بأغـْلـَى مــا لدينا نفتديـــــــهِ

ونكتبُ في سِجـِلِّ الفخرِ ما لم*يُسَجـِّـــلْ غــيـرُنا بدِمَا بَنيـــــــهِ

ونشدُو في المهارج مثل ما قد*شدا (عمرٌو) ونافـَحَ عن ذويــــهِ

(فتغلبُ تغلبُ) الأبطالَ إنْ همْ*أصاخوا (لابنِ كلثوم ِالنبيـــــــــهِ:)

[إذا بَـلـغ الفِـطامَ لنا صبيٌّ*]رأينا الرفـضَ يـصْـرخُ مِـلْءَ فِيـــــهِ

وإمَّا طأطـأ َالكـُبَـراءُ رأسًــا*رأيـتَ صِــغــارَنا مـن رافعيـــــــهِ

و(نورُ الدينِ صَمُّـودٌ صَمُــودٌ)*على ما نـاله مِـن حاســديـــــــهِ،...

قـديـرٌ أنْ يُـقـَـزِّمَ كــلَّ مَــنْ قدْ*تــطـاولَ فيه أجهلُ نـــاقــديـــــهِ

ولكــنْ ليـس يَـرْفـُـضُ أيَّ نـقــدٍ*إذا ما جاء مِـنْ قلمٍ نزيــــــهِ

ومُــذ ْعَشِقَ الكتابةَ ظــلَّ يـرنـو*كما يـرنـو أبٌ  لبـني بنيـــــــهِ

يُـرَاقِبُ شِـعـرَهُ بعيون صَـقـْر ٍ*وِينفي العَـيْـبَ إنْ ألـْـفاهُ فـيـــهِ

ويَــصطاد القــوافي والمعاني*ويركبُ بحر شعر يصطفيـــــــهِ

ويُـرسِـلُ، مِنْ حناياه، التـَّحايا*إلى أهـل الحِـجَـا منِْ قارئيــــهِ

ويَشْعُرُ بانتشاءٍ في النــوادي*إذا بالشعـــرِ أسْــكَـرَ سامعيـــهِ

ويَنْشـُرُ شعـرَه شـرقا وغــربًا*ويمشي في المَحافل دون تِيـــهِ

وهذا، عنـده، أغـلى الهـدايــا*فإنّ الشِّعــرَ بعضٌ من بنيـــــــــهِ

وذلك كُـلـُّهُ مِن فــضــل مَنْ قــدْ*حَــبَــتـْهُ كلَّ شيءٍ يشتهيــــــهِ

ولم تـََكُ ذاتُ هــذا الفضْـلِ فيه*سِــوَى الأوطان ِأمِّ أبي أبيـــــــهِ

وما وطـَنُ الشعوب سِوَى جـِنان ٍ*فما أشْـقـَى الذي لم يَحْيَ فيـــهِ!

***

أ. د: نورالدين صمّود - قليبية 

 

في نصوص اليوم