نصوص أدبية

يـــوم رأس الســنة

الهضاب والجبال المحيطة بي، كان الماضي حاضراً ايضاً لكنني اليوم افضّل المضي قدماً للعيش في "الان" واسعى لرؤية كل الاشياء الجميلة التي تحدث في العالم. الهواء دافئ وجاف، الغيوم الهاربة طارت عالياً في السماء الزرقاء اللامعة وضوء الشمس يشع على البيوت والسيارات البعيدة. الناس يمشون ويركبون الدراجات على الممشى المخصص لها بمحاذاة النهر، يتحدثون ويومؤن بايديهم ضاحكين مع بعضهم مستمتعين بيوم العطلة، ياله من مشهد جميل ومسالم.

 

فجأة امتلأ قلبي بفرحة غامرة عندما تذكرت انه يوم رأس السنة، يوم بدايته منعشة، يوم الشكر والامتنان لله واهب نعمة الحياة. مررت برجل مع ابنه الذي كان يجلس بقلق على السور الخشبي الشامخ بالقرب من الطريق متشبثاً بذراعي ابيه، كان وجهه مليئا بفرحة وتساؤل صافيين، كان ينظر الى اميال من الامواج الرملية، الهضاب الخضراء والجبال الشاهقة، كلها كانت مناظر جديدة في عالمه الجديد.

 

انها بداية البداية، ترقرقت عيناي بالدموع عندما ادركت قوة وجمال وبساطة هذه الافكار. رجل يجلس على صخرة محدقاً بالبعيد، كان يبدو حزيناً وبائساً، هبت الريح في هذا المشهد الموحش فرقصت اوراق الاشجار القريبة منه، تذكرت اياماً من الماضي عندما كان الحزن واليأس هما رفيقاي الوحيدان، صليت له في سري وعمّقت شكري لله ومضيت في طريقي.

 

شابين انحنيا امام دراجتهما الثنائية، يبدو انهما كانا يريدان اصلاح السلسلة المقطوعة فيها، نظرا الي فابتسمت وقلت لهما " عام جديد سعيد "، ابتسما وضحكا وتمنيا لي نفس الشيء. انه شيء بسيط لكننا وللحظة من الزمن صرنا كياناً واحداً مع العالم، بهجة كبيرة خطفت انفاسي.

 

امرأة مسنة تتكئ على السور يبدو انها تفكر بوقت لا يشبه وقتنا، لم تكن لا حزينة ولا سعيدة فقط كانت تحدق بالماضي او ربما في المستقبل ؟ تساءلت كم عمرها ؟ لكنني متأكد من انها قضت اوقاتاً سعيدة في هذا العالم، اين كانت ؟ كم من الاشياء الرائعة شهدت ؟ العمر كله مختبئ وراء عينيها، شعور بسلام وهدوء مفرط انتابني، كل مشاعر الخوف مما يمكن ان يحمله المستقبل لي تلاشت من عقلي، شكرتها في داخلي ومضيت في طريقي.

 

اكاد اصل الى البيت، امشي بالقرب من اشجار صغيرة متمايلة بوجه الريح، اصوات تغريد بهيجة، فرحة تنطلق من بستان صغير ولا يسعني سوى الضحك بصوت عال على حفلة "الطيور" المقامة على مقربة مني. دخلت البيت واغلقت الباب، صليت وشكرت الله مرة ثانية على نعمة العيش في " الان ". استغرقت وقتاً طويلاً لاكتشافها ورغم انني لا استطيع الاحتفاظ بتلك النعمة الى الابد لكنني اعرف كيف افتح الباب من جديد عندما يحين الوقت المناسب. اعلم ان اي شيء ستجلبه لي السنة الجديدة سيكون هناك ايضاً فرح وكنوز اضافية لنعمة الـ " الان "، كلها ستساعدني في تخطي الايام الصعبة التي يجب علينا كلنا ان نواجهها .

 

سنة جديدة سعيدة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1285 الثلاثاء 12/01/2010)

 

 

في نصوص اليوم