نصوص أدبية

قدور مكسورة

وقالت إنها تعثرت بسجادة صغيرة على الأرض وكسرت ذراعها لأنه ارتطم بالموقد. لم أكن أحب ذلك الموقد على الإطلاق. ولم أحب أيضا صحن النقانق الذي يبادلني النظرات المطولة كأنني أثير أعصابه بشيء حلو المذاق أخبئه في جيبي. عندما تنصرف نظرات الجدة عني أخبئ ذلك عادة في سلة المهملات. تقول الجدة إن ذلك اللحم المدخن هو آخر سلسلة من الصحون التقليدية. وهو جدير بأن يعرض علنا لنساعد كل امرئ على تذكر الصورة التي كانت سائدة في هذا المكان. قالت الوالدة إنه عندما سقطت الجدة كسرت ساق صحن النقانق . تقول الوالدة إن العظام تصبح مع الزمن ضعيفة. وتقول، أحيانا لا يكون بوسعنا أن نشفيها. سألت وهل سوف تنجبر عظام جدتي. قالت الوالدة ربما تدفع مارغريت تاتشر لقاء الحصول على أطراف جديدة. كانت تلك النقانق ترقد على بطنها في سلة مهملاتنا، وأطرافها مغطاة بأكياس الشاي وكعك الفواكه المحترق.

لم تكن جدتي تحب مارغريت تاتشر لأنها تسببت بالإهانة للنساء وشلت حركتهن، وأصبح بمقدور الرجال أن يعرفوا معنى الرحمة. قالت إن مارغريت تاتشر تقود دبابة بخط مباشر يخترق منطقة الفقراء، وهي لا تضع على رأسها غير وشاح رقيق. وقالت إن مارغريت تاتشر أعلنت أن لكل شخص بيتا لأن هذا هو القانون. وتقول الوالدة البيوت هي أشياء قديمة من صفاتها الطمع، فهي تستهلك كل نقودك وتجعلك بحاجة لمزيد من الثياب طوال الوقت. اشتريت لجدتي زوجا جديدا من المشايات، وكان هذا في يوم عيد ميلادها. كانت من ماركة أنيقة، كما تحب جدتي تماما. جدتي ليست مسنة . وكانت تعتقد أنها بعمر 33 عاما فقط. سألتها : " كم يبلغ عمر مارغريت تاتشر ؟". قالت جدتي : " العجوز االشمطاء تعتني بسنوات عمرها جيدا ".

من عادة الوالدة أن تترك المجلات مفتوحة على الصفحات التي ترغب من الوالد أن يراها، وأن تلصق صور الأفران الجديدة على خزانة المطبخ ليكون بوسعه أن يراها وهو يحضر كوبا من الشاي. وضعت صورة جهاز تلفزيون جديد هناك، كان لدي أمل ضعيف في هذه الحالة . قالت الجدة إنه من المفروض أن أطلب من مارغريت تاتشر شراء تلفزيون جديد. هذا هو ما يلفت انتباه الأولاد في هذه الأيام.

قالت : هذا شيء مطلوب جدا، إنهم يحتفظون بالتلفزيون في غرف نوهم ورقائق الذرة أو البطاطا بين أحضانهم ولا يفكرون بقيمة الغداء اللذيذ أو برنامج تلفزيون محترم لا يتحدث عن جريمة أو عن مشاكل مبالغ فيها. تقول الجدة الأولاد يميلون للصمت الآن، وينشغلون بالكومبيوتر فقط. قلت لها : " ولكن ها أنا أتحدث معك يا جدتي". قالت هذه حالة استثنائية. وأضافت " أنت مولودة في أيام رزينة. ولكن نحن الآن أمة مسرفة. كم كانت الأمور رائعة هنا. كان الجميع متكافئين". قلت لها : " وماذا عني ؟". قالت : " أنت مختلفة". قلت : " كلا. وأحب أن أصبح طبيبة بيطرية ".

طلبت مني الوالدة أن أضمها بقوة قبل أن تذهب إلى المستشفى. قلت : " لماذا ؟". قالت إنها ترغب بذلك. قلت لها وأنا أود أن أرافقك أيضا. قالت هذا غير ممكن لأن الحافلات مرعبة في الليل. مثلت دور من انكسرت ذراعه على شاكلة الجدة وذلك على سبيل الطرافة. فقالت الوالدة : " العظام المكسورة ليست نكتة ". قلت لها : " ولكن الأطباء يجبرون العظام. عليهم أن يفعلوا ذلك". فأخبرتني الوالدة إن بعض العظام إذا انكسرت يعسر إصلاحها. وقالت : " أحيانا، العظام المكسورة أشياء لها قيمة مثل الكبد والكلية".

سألتها : " مثل الطعام الذي نضعه في الفطائر ؟".

قالت الوالدة : " العظام أحيانا لا تتحسن ".

قلت لها : " مثلما حصل حينما أعددت تلك الفطيرة، ونسيت كل شيء عنها وهي في الفرن حتى احترقت ؟".

قالت : " وأحيانا نحن نعمد إلى دفن العظام ".

سألتها : " مثل كلب نضعه في حاوية ".

قالت : " أحيانا لا يكون بوسعنا أن نشفي جروح العظام".

قلت لها : " ولكن هذا ممكن. إن لم يكن بوسع الأطباء شفاءها، الله يفعل ذلك. لدى الله سرير واسع في غرفة الاستشفاء"

قالت : " من أخبرك بذلك ".

قلت لها : " جدتي ".

قالت : " وماذا أخبرتك الجدة أيضا ؟".

قلت : " إنها جميلة جدا، ولذلك لن تموت ".

قالت الوالدة يجب أن أجهز للجدة بطاقة أكتب عليها " تمنياتي لك بالعافية أيتها الجدة، عودي إلى البيت سريعا ". بواسطة الأقلام الملونة رسمت صورة متماسكة للجدة. لم تكن تحب أن أرسمها في السرير ومقياس الحرارة في فمها. ربما يجب أن يكون لديها معاون، وعلى أية حال، فالجدة لا تحب النوم. وحينما ترقد، تشاهد جدي في نهاية الشارع بمعطفه العسكري وهو يلوح لها بيده.

و كانت تقول له إنها لن تتأخر غير دقيقة، وهي مشغولة الآن بالغسيل. وعندما تستدير، يشعر بالسأم ويرحل. قلت لها : " لماذا لا يأتي إليك ويقدم يد المساعدة ؟". قالت الجدة الأمور لا تسير على هذا النحو.؟ قالت أيضا : " إنه حلم رائع وحسب ". وهكذا رسمت جدتي في البطاقة وهي تربح بيتا. قلت : " يا والدتي . هل مائة جنيه مكسب كبير ؟". طلبت مني الوالدة أن أسرع وأقوم بتلوين صورة الجدة. قالت : " اجعلي لون بشرتها زهرية. جلدها زهري وليس أبيض ". قلت لها ولكن أقلام اللون الزهري جافة. فتحت الوالدة جزدانها وشرعت بالصياح . قالت لي : " اكتبي أي شيء مريح. فقط للظروف ".

سألتني الوالدة هل لدي أية نقود ثمن ركوب الحافلة والعنب. قلت : " الجدة لا تحب العنب. هذا يتسبب لها بالامتعاض". تلك هي المسألة. فقلت : " ولكن الجدة كسرت ذراعها مثل مارغريت تاتشر". ولكن قدمت للوالدة ثمن الحافلة لأنني لست لئيمة مثل مارغريت تاتشر كما تقول الجدة.

تقول الجدة إن مارغريت تاتشر شديدة اللؤم وقد منحت كل نقودها للأغنياء كي تزيد من ثروتها، وتركت الفقراء من غير نقود حتى من أجل التسوق. لا يمكن للجدة أن تتآلف مع اللؤم. قالت جدتي : " أنت لا تعيشين حياتك كما تنفقين النقود. لو استمرت تلك المرأة في الحكومة أقسم أننا سنحمل أنابيب الأوكسجين على ظهورنا وندفع ثمن كل نفس نستنشقه مثل ماكينات التسلية. قلت لها : " الأوكسجين ضروري للحياة أليس كذلك ؟". قالت الجدة : " كلا، العائلة هي من يعينك على الحياة". أنا مسرورة جدا أن الجدة هي عائلتي. كم سأشعر بالقهر لو كنت أعيش مع الوالدة فقط.

ذهبت الوالدة إلى المستشفى وقالت لي لو سمعت أي ضجة أو لو اقترب أي رجل من الباب وأصبح بوسعي رؤيته من وراء ستارة غرفة النوم، يجب أن أتصل بالشرطة. وأضافت تقول : " لا تستخدمي الفرن، واستعملي الإبريق الكهربائي، أو استعيني بالسكين، ولا تغلقي التلفزيون. هذا يحفظ اللصوص بعيدا عنك ". كانت تلك نصائح مفيدة. ولكن لم يكن بوسعي أن أترك التلفزيون يدور إلى ما بعد الخامسة مساء. تقول الوالدة هذا يتسبب بضرر مؤلم في العينين.

و قالت في وقت نشرة الأخبار مارغريت تاتشر بحالة حسنة. أنا أتقدم في المدرسة. وأتساءل كيف تتقدم حالة مارغريت تاتشر في المستشفى. وأراهن أن الجدة تملأ أذنها الآن بترهاتها. قالت الجدة : " ذات يوم، سوف أقدم لتلك المرأة ما هو مناسب. لقد أجبرت الرجال على البكاء". ليس من المستحسن أن تتقدم صحتك على حساب بكاء الرجال. أولئك الرجال يسمون حمقى. تقول الجدة أولئك الحمقى يشعرون بالغيرة وهم يرغبون لو يقعون بالحب معك. ربما كانت الجدة تتحامق مع مارغريت تاتشر وتشرب لها كل كوب اللوكوزايد ( 1 ) . وربما كانت مارغريت تاتشر لا تزال تتحامق مع الجدة حتى بعد أن أيقنت أن عظامها مكسورة. أود لو تحصل الجدة على وسائد مناسبة ومزيدا من بطاقات التمنيات الطيبة. ولا أود أن تتوثق عرى الصداقة بين الجدة ومارغريت تاتشر. هذا شيء غير مقبول. وستعتقد مارغريت تاتشر أن بيتنا وضيع وبحاجة لتنظيف جيد. وربما ستتخذ قرارا بإرسال والدتي إلى ميدان الحرب.

و قالت الجدة إن مارغريت تاتشر أجبرتنا على الاشتراك بحروب ولكن لم تكن لديها العزيمة لتكون في الحرب بذاتها. إنها تورط الآخرين فحسب. إنها تقدم لهم البواريد والسفن وترسلهم إلى هناك. قالت كم من الشباب ماتوا . وقالت لي الجدة لتساعدني في وظيفة التاريخ : " دفن جدك أعز أصدقائه في الخندق، وعندما عاد إلى البيت، اضطر لسحبي من الفراش كما لو أنني بارودة عملاقة يجب أن يضع فيها الذخيرة. وكان من عادته أن يبكي ". أود لو تستغرق ذراع مارغريت تاتشر أجيالا قبل أن تشفى. وهكذا لن يكون بوسعها أن تكتب تلك الرسائل لكل الرؤساء في العالم حول عدد القنابل التي يمتلكونها وهل يرغبون بالحصول على المزيد منها.

ذات مرة كتبت الجدة للسيد ديل مونتي لتخبره أنها شاهدت إجاصا في علبة الدراق. فردوا عليها بتقديم استمارة مجانية لقاء علبة دراق غير أنها لم تقبل بإنفاقها. وقالت : " الإجاص لا يثمر دراقة". تقول الجدة إن 50 قرشا لا تعني شيئا للآخرين، ولكن 50 قرشا هي 50 قرشا وعندما تنفقها على الدراق، أنت تتوقع أن تحصل على دراق.

ثم قالت : " بمقدوري أن أنفقها على الإجاص. ولكن لم أفعل. كنت أرغب بالدراق ". وذهبت إلى الهاتف لأتصل بالوالدة. قلت لها : " لا تشتري العنب، هاتي معك الدراق. الجدة تحب الدراق. هذا سوف يحسن من صحتها". كم أتمنى لو أن مارغريت تاتشر لا تمتلك إناء من الدراق في خزانة مستشفاها. هذا سوف يلفت انتباه الجدة فعلا. تقول الجدة لقد تأخر الوقت . نظرت إلى الساعة. لا شك أن الحوانيت أغلقت منذ فترة طويلة.

لم تغادر جدتي البلاد قط. ولكن جدي سافر إلى روما وهناك قدم الطعام لبعض الأطفال الرومانيين. ثم عاد أدراجه وأعلن أن العالم عبارة عن فضاء مليء بالقاذورات. وقالت الجدة إن مارغريت تاتشر ترغب لو تكون أمريكية. قالت جدتي : " لقد جعلت منا نموذجا مصغرا لأمريكا. وعندما يزدحم هذا البلد بالناس سوف ترمي بالبعض في المحيط". وتقول الجدة، مع ذلك سوف نكون على ما يرام فأنا أعرف كيف أعوم جيدا. سوف أحمل جدتي على طوف عائم وسنبحر حتى هاواي.

هناك يوجد دلافين. والناس يشفون عندما يسبحون برفقة الدلافين. رسمت لجدتي بطاقة أخرى. وهذه مكتوب عليها " مرحبا بك في بيتك أيتها الجدة ". ثم رسمتها وهي تستغرق بالجلوس في كنبة ذات مسند وبيدها الويسكي ومعها الهاتف وأنا. هذه هي الأشياء المفضلة لديها. قالت لي إنها ليست بحاجة لما هو أكثر من ذلك. وقالت : " مارغريت تاتشر لن تهزمني. وأنا أدرك معنى ماذا أقول".

عادت الوالدة إلى البيت من ساعة . وهي تجلس في الظلمة وترتجف، كما لو أن جسمها رزمة كبيرة تمتلئ بالعظام المكسورة وكلها تتوقع أن تعود إلى مواضعها الصحيحة. قالت أحيانا العظام لا تشفى . وأحيانا العظام تطمر أو أنها تحترق مع الفطائر، وهذا أمر جيد لأن الكلية تنفصل وتلتصق بسقف الفم. تقول الجدة بعض الأشياء يجب أن لا تمر في الفم وبعض الأشياء يجب أن لا تنهمر من داخل الفم إلى خارجه. وتقول الجدة كذلك نحن لا نهتم بغيرنا بعد الآن. ونفكر بأنفسنا فقط. وهي تقول إن مارغريت تاتشر قد لقنتها ذلك. قالت : " قولوا عني أنا من طراز قديم. ولكن القيم لا تكلف كثيرا ". قلت لها : " أنت لست كبيرة بالعمر يا جدتي. أنت في عامك الـ 33". قالت الجدة : " الثالثة والثلاثون يعني ركبتان متعبتان. وأنا لا أستطيع أن أتوسل لأحد ".

 

 

كانت والدتي على الكنبة تنظر إلى الموقد. سألتها كيف هي حال عظام الجدة. قالت : " أحيانا نحن قشور في علبة دراق. ولا أحد يعلم ماذا يفعل بشأننا". لا أعتقد أن عظام الجدة تشفى، لذلك حملت السجادة الصغيرة ووضعتها جانبا فقط تحسبا. قلت : " ماذا تفعلين ؟ . أنا لا أرغب أن أراك مكسورة". ثم ذهبت إلى علبة النفايات وأخرجت منها صحن النقانق وغسلته بسائل التنظيف فيري ( 2 ) مثلما تود الجدة أن تفعل. واستغرق العمل مني فترة مطولة لألصق بالغراء أقدام الصحن وعندما انتهيت وضعته على السجادة. قالت الوالدة : " سوف تكونين بيطرية جيدة". قلت لها : " كلا، سوف أكون شبيهة بالجدة وأعمل في مخزن القدور". ثم ذهبت إلى المطبخ وألصقت صورة لجدتي وضعتها فوق إبريق الشاي. سوف يعجبها هذا المكان. إبريق شاي كأنه إسفين.

 

هوامش :

1 – لوكوزايد Lucozade: اسم تجاري لمشروب للطاقة. يستخدمه الرياضيون.

2 - فيري : اسم تجاري لسائل تنظيف.

ليزا بلوير : تبلغ من العمر 35 عاما، وهي طالبة دكتوراة في السنة الأخيرة

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1290 الاثنين 18/01/2010)

 

 

في نصوص اليوم