نصوص أدبية

البخيل

عبد الرزاق السماويكثيرا ما يختلس دقائق من زمنه السريع حيث تجاوز العقد السادس من العمر  ليجلس أمام خزانته القديمة ليحدّق بنقوده المرتبة بشكل هندسي يدل على حرصه العالي عليها بنظرة تتخللها قبلات خفية، يعدها أحيانا ويفرزها حسب القيمة أحيانا أخرى، حين يمسكها يحس بأن قلبه قد سقط بين يديه، تعودت يداه على عدها، كثيرا ما يشمها حيث يتنفس الصعداء حين يضعها على أنفه فيسحب شهيقا طويلا كأنه يشم أشذى  العطور .. أحبها وبلهفة شديدة، سعى وراءها دون اكتراث لمتاعب الفكر والجسد فقد حفظ أبجديات البخل عن ظهر قلب . حين يمسك ورقة نقدية كبيرة يتنهد ويصرخ معشوقتي لا أريدك أن تفارقيني كأنه ظامئ أمام ينبوع ماء زلال . حين يمرض لايعرف طريق الاطباء وإنما جلوسه أمام أمواله يشفيه أسرع بكثير من الأدوية ..بخله خرافي، هاجسه الأهمّ أن يجمع ما يحصل عليه من عمله ويضعه في خزانته القديمة والتي أبى أن يستبدلها بحجة أنها صاحبة البركة .انه ثري محظوظ بالحصول على المال لكنه فقير بائس بإكرام نفسه وعائلته التي لم تشرق الابتسامة يوما على وجوههم حيث يعاشرون الصمت دائما لايعرفون ما يفعلون . لم ينفع معه الكلام فقد عاش بخيلا منذ صباه، صحيح أنه في هندامه، ملابسه، تصرفاته بسيط جدا، لكنه في الحديث عن النقود يتحول الى ذئب شرس لايعرف أخاه ... في أحد الايام جاء لصديقه الوحيد وأخبره بأنه اقتنى بيتا فخما وبسعر خيالي، فتعجب صديقه وقال له كيف غامرت بهذه الصفقة؟ ألا تخاف ؟ فأجابه حريٌّ بي أن أفرح بها، فرد عليه صديقه كيف؟ فأجابه: سأقوم بتأجيره وبعد عشرة سنوات سيفي بقيمته من ايجاره . فتعجب صديقه وقال له وهل تضمن أن تبقى هذه المدة ..؟ دقائق صمت حلت بينهما ومضى الصديق متعجبا ... بعد سبعة أيام كان صديقه ماشيا أمام بيت البخيل فرأى علي البيت يافطة كتب عليها نعي ذلك البخيل أثر نوبة قلبية  وبموته ودعت عائلته الفقر وتمتعوا بملذات الحياة .

 

عبد الرزاق جاسم

في نصوص اليوم