نصوص أدبية

جدي

صحيفة المثقفكلما ضاقت الدنيا بي وأغلقت الأبواب في وجهي أقصد جدي. هذا الرجل الذي شارف السبعين من العمر. مرة تعرضت لضيق في الرزق، وبارت تجارتي، وكثر الدين علي، وأثقل الهم ظهري. لم أجد مأوى يأويني، ويرفع عني هذا الضيم إلا جدي. نعم جدي. قصدته طالبا بعض المال. كانت عادة جدي غريبة بعض الشيء، هو لا يعطينا المال، ولكن يقرضنا إياه على أن نحدد موعدا للإيفاء به. موعد نحدده نحن لا هو. أقرضني ألف درهم على أن أردها في نهاية الأسبوع، تمكنت من ذلك.. أتيته فجلسنا نتحدث، ثم ناولته المال مع شكري له، قال بصوت دافئ حنون، وابتسامة صادقة من جد لحفيد يحبه تعلو محياه:

- ضعه يا ولدي في تلك المشكاة..

وضعت المبلغ حيث أمر، ثم انصرفت..

تعددت الحكاية مرات ومرات، وكل يوم آتيه طالبا مبلغا يشير إلى تلك المشكاة لآخذ المال، وعند رده يأمرني بوضعه في نفس المكان.

وذات مرة أخذت المال وقضيت به حوائجي، جئته في اليوم المحدد، جلسنا وتحدثنا، ولم يطلب مني الإيفاء بالدين. خرجت محتفظا بالمال ظانا أن والدي قضى عني الدين، لكنه لم يفعل. كان الدين ما زال في عنقي، ولكن جدي لم يحدثني عنه. جلسنا مرات كثيرة ولم يشر إلى الأمر بالمرة..

وفي يوم ضاقت الأمور بي وساءت الأحوال مرة أخرى، فقصدته طالبا منه أن يقرضني، فأشار إلى المشكاة لآخذ طلبي. توجهت مسرعا، فلم أجد شيئا. قلت بنبرة استفهام:

- يا جدي ليس هنا إلا الغبار.. ولا شيء يدل على وجود مال..

رد علي والابتسامة واضحة على ملامحه:

- لو كنت وضعته هناك لوجدته!؟

احمر وجهي، فطأطأت رأسي وانصرفت. وتأكدت يومها أن جدي لم يكن بخيلا بل حكيما..

 

خليل العمراني

 

 

 

في نصوص اليوم