نصوص أدبية

الشظايا والعروس

جمال امحاولوأشرقت الشمس وأنا داخل في صحراء عربية، متوغل أكثر فأكثر في أعماقها.. تصفعني تلك النجمة بلهيبها المحرق؛ لم أصبر حتى بعثت أسمى أصواتي بأعلى قوة حنجوري المبحوح.. ليتني فارس لا يشق له غبار، أجوب هذه الصحراء دون كلل

أمشي متثاقلا، يتوهج سيفي بين الفينة والأخرى… سيفي بتار، وسيف آخر في مخيلتي يمتد نحو الثلث الخالي .. الليل بدأ يسدل ستاره، وأنا لا زلت في الصحراء .. أشعر بالجوع والعطش والتعب يأخذ مني كل ما تبقى من طاقة.. أشعر بالرياح الغاضبة تصفعني من كل الجهات .. أشعر بالظلمة أخرج يدي لا أكاد أراها والقمر لم يولد بعد.. بدأت أتحسس ما حولي كالأعمى، عثرت في كومة رمل ثم جلست أنتظر الصباح… غلبني النوم فنمت

طلعت الشمس .. لكن ليس كعادتها مشرقة، لقد فقدت نورها عندما تركت سيفي منغرزا في الرمل، أحست بوخز في وجهها فضاع ضوئها

عبثا أصل النهاية، رائحة العفونة تمتد في قلب الصحراء، لقد أتتني عبر سفر طويل،  وليس لي صلة بالصحراء ولا أمت برحم معها، ولا أنتمي لعصرها

..لا أشم رائحة النجاة وربما لن أولد من جديد

..بدأت أشاهد أشياء سحقتها الأزمنة، شظايا وأشلاء، جماجم الإبل والآدميين،.. ربما كانت هناك حياة أو قافلة

النهار يمضي والليل يأتي وأنا ما زلت تائها وهائما على وجهي.. ولحظة قبل الغروب، تراءت لي خيمة من بعيد.. بصيص الأمل لاح..اقتربت أكثر حتى وصلت بابها، فرأيت بأم عيني عروسا فاتنة ما زالت في لباس عرسها، حوراء بضة البشرة مشربة بالاحمرار، طويلة الشعر، ناعما أسودا، يمر على خصرها نحو الأسفل.. قل ما شئت أن تقول في وصفها، فسوف تنسيك كل الكلل.. بدأت تنزع عنها لباسها.. ومن الخجل استدرت عنها وسألتها ماذا بك ؟ لماذا تنزعين عنك لباس العرس ؟ قاطعتني

مندهشة (ألست العريس المنتظر ألست من زوجك أبي لي ؟) بدت على وجهي حيرة ولم أدر كيف أجيب ... وهل مثل هذه ترفض ولا يعشقها القلب من النظرة الأولى؟ تلعثمت وقلت (أنا لا أدري ما تقولين، ما أنا سوى شخص مندهش من هذا الموقف، وقبلا كنت أعاني من التيه في هذه الصحراء) .. ابتسمت ببسمة عريضة وهي تنظر في عيني فقالت (أنا هنا منذ سنين أنتظر قدومك

بينما هي تتكلم معي فإذا بصوت رغاء الإبل اسمعه من أعماق الصحراء، خفت أن يكون زوجها المنتظر، نظرت جهة الصوت فرأيت ركبانا ملثمين يقتربون بسرعة، فقلت لعله زوجك وأهلك ..، فلم تريد أن تنظر، لكنها أدهشتني حينما قالت ليس هناك لا صوت رغاء ولا ركبان، هذا مجرد تخيلك..

جلستْ على بساط على الأرض فقلتُ لها (كيف يختفي الصوت؟ وكيف أن يكون مجرد تخيل في عقلي !؟) نظرتْ إلي وهي ما زالتْ مبتسمة.. احس بأمل كبير في بسمتها وكأن الحياة تعود إلى روحي رويدا رويدا..قرأتُ في محياها عدم المبالاة بمخاطر الصحراء والوحدة.. سالتها في ذلك فقالتْ (لستُ وحدي إنما أنت معي) لاحت على وجهي بسمة..

وبينما نحن نتجاذب أطراف الحديث على أسباب دخولي الصحراء،يقبل صوت صهيل الفرس.. هذه المرة كما قالت لي إنهم أهلي وأبي زعيمهم..وصل الركب بصهيله ولم يكونوا ملثمين كما كنت سأتعقد، ولم يكن الصوت منبعه من مخيلتي بل كل ما أرىه كان حقيقيا.. هبت ريح بقوة عندما وصلوا وكأنما الريح ذيل ركبهم .. من ملامح ومظهر أبيها يتضح على أنه ليس مجرد زعيما بل ملكا غير متوج..نظر إلي ولم يبتسم مد يده إلى ابنته وأركبها ورائه على صهوة فرسه..غمغمت في أذنه بكلمات ثم نظرا إلي فا بتسم من قلبه وقال( هي معنا نخرجك من هذا التيه ونجزيك خير ما حفظت على ابنتنا).. وفي الطريق اعتقدت بأن يزوجنها.. لكنني ما زلت في الطريق ..

 

جمال امْحاول

 

في نصوص اليوم