نصوص أدبية

دموع النافذة

محسن الاكرمينصمت المواجهة...

في انكسارات المرآة بتعدد الأجزاء غير المتساقطة بالتهالك، كانت صورته تبدو مثل أحمق تائه وهي تحمل نصف ابتسامة أشد حمقا. من عمق تشققات مرآة آتية من عصر الاستنساخ الكاربوني شاهد عالما أكبر رعب، و كان يرى في صورته المتحولة تصير رجلا آخر لا علاقة لها بملمحه. في صمت مواجهة المرآة منحه الإله فرصة لتطوير معارفه وعلاقاته مع ذوات المرآة بالتصالح، ومع الآخر القاعد أمامها بتأمل التأني.

نظر برؤية مائلة إلى تنوع وجهه بجمع التقطع داخل صور المرآة، فقرر بحمولة الأنانية أن يكون رجلا فخورا جدا بذاته وبتنوع أفكاره واختياراته. رفض أن يكون نموذجا مصغرا بالنمطية إن هو أغفل جوانب قوته الكامنة بالخمول. حين استفزته الأنا العليا بالتضخم تساءل بسؤال الاستنكار: ماذا يحدث لك يا رجل؟ أين حلم زينة الحياة؟.

عندما تنام أعين المدينة القناصة، يتحرك فيه فعل التفكير و ترتيب الجزاءات السببية، تتحرك فيه تقابلية المواقف السالبة والايجابية ثم  يستند اختيارا إلى تحكيم رزانة العقل وضبط مراسيم المواقف المتغيرة. في صمت المدينة، كانت هبة ربانية لا ينكر مزاياها بعدً الأصابع العشرة المتفرعة من وصايا الألواح، في متم الرقم العشري كانت الحياة خاضعة عنده لرتابة مميتة تحاكي صمت القبور، كانت زينة الحياة مكبلة الأجنحة لا تستطيع ممارسة فعل طيران الحرية، كانت روحه الآتية من بوح المرآة مشفرة وبلغة بدائية التواصل.

آسف...

 آسف، وبصوت مبحوح آت من منتهى قطعة المرآة آيل للسقوط ، صوت كان يكافح صمت المدافن ويتحدى قبور النسيان، لم يكن يعلم حينها ما يفعل مع وحي الصوت ومقاصده، كان يريد الشعور بدفء الكلمات الآتية عنده بالتوافد المتقطع من  متكسر زجاج المرآة الناطق، كان يريد معرفة وحي ذلك الشعور وتمريره بتحليل منهج المنطق و العقلانية. لكن ولا إشارات من الله تنير له طريق الفهم الصحيح لذلك الشعور المنكسر، ولا ثقة في سراب صيف الشمس الحارقة.

ربا الأداء ...

من بين الجمل التي أجلسته على الكرسي المقابل للمرأة حين توصل بجملة متكاملة" أنت ما أردت أن تكون !!! ". عند جلوسه المائل وغير المعتدل، وبجملة غير مستوفية البناء التركيبي، ولا تحمل أركان التواصل الفعال. أحس بشعور دافئ من تلك الكلمات الزاخرة بالحافزية، أحس بأن فصل الخريف لا بد أن يلحق به نوار الربيع بالتفتح البكري، أحس بلغة الاختيار ولما الاختيارات الممكنة، أحس بأن يدفع فاتورة نسيان الماضي بربا الأداء ويرحل من مكانه الزاخر بالأحداث غير السوية. حينها قرر أمنا على نفسه من الألم و على الذات من فتح سجل المواجع أن يدفع فاتورة الرحيل نقدا وعدا بحساب المكوس. أحس أن الحرب انتهت بوثيقة التوقيع على معاهدة " صمت حروب المدافن" وما له إلا العودة إلى الديار حاملا نذوب المآسي والمنازلات الوضيعة، ما له إلا أن يترك مرآة عصر الاستنساخ "الكاربوني" وينظر بتأمل إلى دموع النافذة الممطرة من زينة الحياة.

كلمات المرآة ...

لم تنته كلمات المرآة حتى كانت عين له تحمل دمعة غير نازلة. رفع القلم وحاول تدوين تلك الكلمات الرحيمة بالدعم المعنوي، لكنه أبى أن يرسم فوق أوراق كتاباته حبرا دالا. كان تفكيره محتلا ولا يمتلك شيئا من أجزائه للتحكم في أداء مشاعره والتعبير عنها، لكن من صوت مرآة زينة الحياة توصل إلى صيد كلمات توجيهية" افعله لأجلي..." من ماضيه العنيد كانت إجابته" لن أستسلم سأكون وفيا لصمت سكان المدافن".

(يتبع... عندما يحتل فينا التفكير السلبي موقع الأساس...).

 

محسن الأكرمين

 

في نصوص اليوم