نصوص أدبية

قوس الصبر

احمد بلقاسمبعدما ضاق صدره ذرعا من سخرية زملائه في العمل اللاذعة، اشتد إحساسه بالدونية أمامهم، وبعدما استنفد آخر ذرة  في أحشائه من المداراة لما تلوك الألسن عنه، وامتلأت رئتاه حنقا خانقا، ولم يبق في قوس الصبر منزع.

- قال الذيل للبهيمة متذمرا: أنا يا سيدتي غير راض بتاتا عن موقعي في جسدك، أنا أحسد باقي زملائي من أعضائك عن مكانتهم المرموقة  التي تبوئينهم إياها خدمة لك، كما أنني أشعر بالإهانة الشديدة كلما أمعنت النظر في الوظيفة الموكلة إلي.

- ردّت البهيمة بما حباها الله من دهاء وحنكة: ذيلي العزير أنت أفضل عضو من أعضائي، أنت أغلى عندي من رموش عيني، لا تستهن بالوظيفة المنوطة بك، إنك تضطلع بأشرف وأعظم وأسمى عمل في مملكة جسدي، يا عزيزي..

- قاطعها الذيل وهو يبحلق فيها وفكره يتأرجح بين الاستغراب والدهشة، وبين الإعجاب والحيرة: كيف تقولين هذا الكلام، وأنت تعرفين مقامي و درجتي بين مقام و درجات سائر الأعضاء الآخرين!

- أجابته بعد ترو بتبصر وبهدوء البهائم المعهود: اسمع يا ذيلي العزيز الأرضى، سأبوح إليك بسر من أسراري، وإن شئت حقيقة من الحقائق، ربما تعذر عنك معرفتها، وأرجو أن تعض عليه بنواجذك، ألا وهي أن لولا وجودك في مكانك المعلوم من جسدي، لكنت أنا أضحوكة الأضاحيك..

- قاطعها الذيل بحركة خفيفة متلهفا لمعرفة كامل الحقيقة التي تود سيدته أن تسربها إليه: هلا كشفت لي مولاتي عن جوهر هذه الحقيقة، التي ربما أعمتني الغيرة عن معرفتها؟

- ببساطة عزيزي الذيل وخادمي الأوفى: لو لم تكن أنت في مكانك هذا من جسدي، ولم تكن مخلصا في واجبك، لظلت عورتي مكشوفة للقاصي والداني، فأنت التي تسترها وتذود عنها دون سائر الأعضاء، ألا تشرفك هذه المنزلة مني؟

اقتنع الذيل بما أسرت إليه سيدته فخمدت ثورته، و فرح أيما فرح بالوظيفة التي قلدته، فصار من يومها يتباهى بها أمام باقي الأعضاء نافخا صدره حتى الانفجار، لا يلقي بالا لنظراتهم الجارحة، وطفق يرقص طربا بفعل سحر السر المكنون الثاوي بين حنايا صدره، ولم يكف عن الرقص على مدار الساعة طرفة عين، مزهوا بنشاطه في الذود عن عورة سيدته.

 

أحمد بلقاسم

13 /5/20

 

في نصوص اليوم