نصوص أدبية

معشوق ولا يدري

باسمة محفوضيُقالُ إن خيرَ الأمورِ أوسَطها

فلماذا شذذتَ أنت عن القاعدة!

وصرت الحدّ الأعظميّ لكلّ شيء

ومع ذلك فأنت خيرُ الأمورِ ...

وخيرُ صدفة ٍ ...

وخيرُ وعد

 

يُقالُ إن الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه ...

فكنتَ خيرَ بلاءٍ وخيرَ مُصاب

يُقالُ إن ما على المؤمن إلا الصّبر ...

فكنتُ أنا أسوأَ العاشقينَ صبراً على الأشواق

 

ولمتُ عينيكَ يا حبيبي على مُصابِ الهوى

فأجابتا بنظرةٍ نَعسى ...

ما على الرّسول إلا البلاغ

 

وصَلتني من عينيكَ مراسيلُ الهوى

فكيف لي أن أخبرك بأنّك ...

معشوقٌ ولا تدري

 

آهٍ على اعتصارِ قلبي حين أراكَ ولا أراك

حين أسمع ُحديثاً عنك ولا أسمع ُحديثاً منك

حين ألمسُ طيفاً منك آتياً على جناحِ الذكرى

 

تسيرُ أنتَ وتسيرُ حاشيتك خلفَك ...

عطركَ ... ورائحة ُتبغك ... ونظراتي ...

ثم تغيبُ ... تغيبُ عني في عالم ِالأحلام ...

 

لا تخلد إلى النوم وتتركني على قيدِ السهر

فالنوم أبغضُ الحلالِ في ناموس العاشقين

النومُ ما خُلق للمحبّين ...

ولا كان من نصيبِ المشتاقين

 

تسيرُ أنت َوتسيرُ حاشيتك خلفَك ...

عطرك ... ورائحة تبغك ... ونظراتي ...

تمجّدُ جمالك َ ... ووقاركَ ... وعينيك المختبئتين خلف نظّارتك اللئيمة

لم يخطر لي يوماً أن يكون غريمي في الهوى نظّارة!!!

 

تجلسُ أنت على عرشكَ الموشّى بالجمال

وتتراقصُ في بلاطك الأبيضِ بناتُ الأفكارِ الحِسان

وتمتدّ الولائمُ قصائداً وغزلاً

وتبدأ شعائرُ الشّعرِ والحب

وأبدأ بمناجاتك ...

معشوقاً ولا تدري

 

يُقال : إن الحبّ من طرفٍ واحدٍ شبيه ٌبالموتِ البطيء ...

ولكنني لا أحبكَ من طرفٍ واحد ...

أنا أحبك من كل الأطراف ومن كل الجهات ومن كل الزّوايا ...

فيأتيني الموتُ على قدرِ أهلِ الحبّ

 

أكثرُ ما يدهشني بك هو امتلاؤك بالحضارة

حضاريّ أنت إن تكلمتَ ... وإن صمتّ ...

إن ابتسمتَ ... وإن عبست

وإن رشفتَ قهوتكَ ...

وإن داعبتَ حلقاتِ الدخان ِالمنبعثةِ من سيجارك ...

حضاريّ أنت حتى إن لم تتحدّث عني ...

ولم تسمعني وأنا أتحدّث ُعنك ...

أنا لا أتحدّث ُعنك ...

أنا لا اقترب ُمنك ...

ولكنّني أعيشُ لكَ وبك ...

 

سرٌّ خطيرٌ أنت ...

حبٌّ كبيرٌ أنت ...

بعيدٌ قريبٌ أنت ...

معشوقٌ ولا تدري

 

تُرى ما هذا السرّ الذي يربطني بك!

هذا الحبلُ السُّريّ الممتدّ عبرَ المسافاتِ البعيدةِ بين قلبي وبينك ...

بين كفّيك اللذان شهِدا ولادتي، وقلبي الذي شهِد ولادةَ حبّك

وحين َظننتُ أن القصةَ أضحت ذكرى وحلماً بعيداً ...

مررتَ بموكبكَ المُهيبِ أمامي ...

فأطلقتُ أسرابَ الحمامِ خلفكَ وفرشت ُالأرض بالورود تحت قدميك

 

ما تُراني أقول لك إن حدّثتك!

ما تُراني أكتبُ عنك إن وصفتك!

ما تُراني أفعلُ إن اقتربتُ من عرينك!

وكسرتُ الجليدَ ... وأزحتُ الضّبابَ ... وغبارَ الخجل!

 

وماذا لو تنبّهتَ لوجودي

ونظرتَ إليّ بعينيكَ الساحرتين

وخاطبتنَي بصوتك اللامعقول!

حذارِ ...

حذارِ من إطلاقِ رصاصِ نظراتك وراجماتِ صوتكَ الجميلِ عليّ ...

فأنا عاشقٌ أعزل ...

وأنت معشوقٌ ولا تدري

 

يا طامعاً في أرضي ...

يا مستعمراً في قلبي ...

تزحفُ جحافلُ عطركَ وتتغلغلُ في مساماتِ الحروفِ لتعلنَ استعمار مملكتي ...

لأكونَ أنا وجبينُكَ تحت تاجِ مُلكك َ...

ويعلنُ قلبي عليك ثورةَ الكلمات

وأناهض ُالأشواقَ بالأقلام ...

فتكون أنتَ وجبينُكَ تحتَ تاجِ أشعاري

وأستعمركَ وأمتلكك في قفصِ القصيدةِ الذّهبي

وتحتفلُ ممالكُ الجمالِ بنا

وتتوّجنا

وتباركُ حبّنا

وتكللّنا على مذبحِ الحب ّوالأبدية

 

اثنان والحبّ ثالثنا ...

عاشقٌ شاعرٌ ...

ومعشوقٌ ولا يدري

***

د. باسمة محفوض 

 

 

في نصوص اليوم