نصوص أدبية
فوضى الماءِ
أنا في شراعِ المـــــاءِ و الأقداحِ
لغةٌ تسافــــــر في مدى الأرواحِ
*
أسقي الحــروفُ بقطرِ خمرٍ من جـوىً
والراحُ يهنأُ في شَغــــــافِ الرَّاحِ (1)
*
منْ ذا الذي أرخـــــــــى العنانَ لمُهرهِ؟
نـحــوَ المـعالـــــــي في دروبِ فصاحِ
*
بل منْ تمادى في الفــراغِ مســـــاحةً؟
ضــاقَ الفضــــاءُ وليسَ ثَمَّ نَــــواحِي
*
يمشـي كمنْ بتروا بسيفِهِ ساقَهُ
ويتوهُ بين العدوِ وِ الكُسَّــــــاحِ
*
الفُلكُ مسرى الصاعدين إلى العُـــلا
أتنالُ وعد اللهِ دون كفـــــــــــــــاحِ
*
لا لــــن تَـرودَ الكـونَ دونَ فراسـةٍ
أو تـركَـبَـنَّ المَـجــدَ دونَ ســـلاحِ
*
ذُلـلاً مُـتـونُ الريحِ يَـمخرُها الفـتى
إنْ طـــوَّعَ الدنيـــا بقبـضِ الــراحِ
*
و دنا إلى ما بعـدِ مرأى مَنْ يــرى
منْ دونِ ضوءٍ أو وميضِ صبـاحِ
*
حلمٌ لهاتيـكَ النّجـومِ تَـرى الثّــــرى
تِـــبـْرًا يُشـعشـــعُ في يـــدِ الفـــلاحِ
*
هو ذا أنــا أرتــاحُ في كنَـــفِ السُّهى
و مُعمّــــــمٌ ومُدثّــــــرٌ بأقــــــــــاحِ
*
وغدا الزّمـــــــانُ مناهلاً في راحتي
يروي الظـــلالَ الوارفـاتِ بساحــي
*
ألـمي أصُــبـــِّرهُ بصـبــرِ مُـكابـرٍ
و أعَضُّ جُرحــيَ إذْ تئِنُّ جراحي
*
يا نحـــنُ وثبـةَ خائـفٍ وَقَـفَـتْ بنــا
حـدباءَ أعـيــتْ ألْـُـسنَ الشُّــــــرّاحِ
*
و نتوهُ عنْ صرحِ الجمالِ بغابةٍ
و ندورُ بين النَّارِ و الســفَّـاحِ
*
ونحطُّ في صُمِّ الصخورِ تحطُّماً
ونقايضُ الأفـــــــــراحَ بالأتراحِ
*
نَعَـقَ الغــــــرابُ بأفـقِنا فتـثاءبت
شـمسُ الضّحـى بتقاعسٍ و تــلاحِ
*
فامـسحْ دموعَ اللّيلِ بالفجرِ النَّدي
واعزفْ وجيبَ القلبِ كلَّ رواحِ
*
العمـــــرُ يفنـى، و الفـنـاءُ ولادةٌ
في البعثِ، مكتوبًا على الألـواحِ
*
يا عبقريٌّ أيهـــــــــا البدويُّ قُمْ
أسْكِت ضجيجَ الزيفِ و المُدَّاحِ
*
أزرى بعبقرَ ذا الضريرِ وأنت منْ
يسـقي البـلاغةَ من نَميرِ قُـــــراحِ
*
إيهٍ ... و تنزعُ منْ حواشيَّ الجــوى
و الـروحُ ذكرى منْ خُطى الأقحاحِ
*
منْ كانَ يكتبُ منْ مساماتِ الوفا
سكنَ الخلودَ لــدى عظيمِ وشاحِ
*
و يفيضُ ملءَ الوجدِ رغبةَ عاشقٍ
أودى شـهيدًا في عيونِ مِـــــــلاحِ
*
أسمى الثمارِ البكرُ طابَ شرابُها
مهوى القلـوبِ تـمنَّــعَتْ بــرَداحِ
*
فكَّ الأمينُ المحبسينِ منَ الدجــى
فـتحَ السَّــــــمـاءَ لشاعرٍ جحجاحِ
*
الأبجديَّةُ للأنـــوثةِ والصِّــــــبا
تُغــري العبـــادَ بفتنـةِ التّفــــاحِ
*
لا عـفَّـةً تجتـاحُ رغبـتَـنا مـــــــعًا
صدِئَتْ بظلِّ الكبتِ، جـوعُ رِماحِ
*
كُفَّ النواظرَ عنْ مفاتنِ جَفنِها
ليــسَ العبــورُ لقلبِـها بمبـــاحِ
*
في البـالِ أخيـلةٌ تنوءُ بثقلِــــها
تُشقي اللبيبَ بصوتِها المِلحاحِ
*
فلمَ الجُناةُ، العاشِقونَ ؟ وماجَنَوْا
حُجبٌ كسَـــرنَ البـابَ بالمفتاحِ
*
رَهَن المعري قاصراتِ الطرفِ في
عليائِهِ الأحلى بعشِّ جَنــــــــــــــاحِ
*
فالشعـــرُ يُـــزهرُ من رنيـــمِ رِثائهِ
لغـــةَ الغنـــاءِ و بُحّةَ النُّـــــــــــوّاحِ
*
ما نامَ في جوفِ الغمــامِ و ما مشى
فــــــوقَ المــياهِ ولا عــلى الأرياحِ
*
هُو من سديمِ اللّيلِ شــــــعَّ بيـاضُهُ
طلَّ الضحى من وجـــههِ الوضَّاحِ
*
الشاعرانِ مـــعَ التــضاد تســاوقا
نجمــانِ ضـاءا في عمــــاءِ بَراحِ
*
ماضرَّ لوكانَ الرّهانُ على الرؤى
دونَ العيونِ .. منــــــارةَ المـلّاحِ
*
هل تنكرُ المشكاةُ ضوءَ زجاجِها ؟
لو أشــعلتْ مــنْ زيتها مصباحـي
*
للقـــلبِ عيــنٌ ليــسَ تـُنكرُ لـونَها
بيضـاءُ تُـبْحِـرُ في دجــى الأشباحِ
*
و الحـــيرةُ العمــياءُ قعـرُ دوائــرٍ
حـولَ اتـجاهِ ســوادِها الـلّــــمّاحِ
*
عجـبًا لرَيـبِ الدهر يسكنُ أضلعًا
و يعـيــــشُ مقـتـاتًـا على الأفراحِ
*
و يـمـدُّ أذرُعَـهُ الطـــويلةَ مُـثْــبِـتًا
في العـتْمِ روحَ المستهـامِ الصّاحي
*
ما للـنفـــوسِ الأخـشبيّةِ و العــلا
تلهو و ترتعُ في خَنـا الضّحضاحِ
*
الــدرُّ في عمــــقِ المحيطِ قلاعُـهُ
ترنـــو تحـــنُّ للمسةِ الســــــبَّاح
*
ما أجملَ الضدَّينِ حيثُ توسَّـــدا
شعري، ففزتُ بِرتمِهِ الذبَّـــاحِ
***
محمد سعيد العتيقُ
........................
1- الراح: الانشراح والانتعاش