نصوص أدبية

زخـارف النبض والدمــوع

قدور رحمانيالإهــداء: إلى صحيفة المثقف الغرّاء وإلى المفكر المتوهج الأستاذ ماجد الغرباوي وإلى كل الشعراء والشاعرات والمترجمين والمترجمات وإلى التاء النائية أرفع هذه الزخارف ..


إني أتساقط ياوطني

كشبابيك البرق على قمم الأشياء المنسيّـهْ..

أتناثر وحدي

بين سـيـَاط الريح وحقد النار كدالية جبليـّـهْ..

من أين أجيئكَ

والأرضُ زَرَابـيّ ُ دم

وخيولي من فرط  بكائي أمست جدرانا مائـيّــهْ ..  ؟                            

وطنــي

إنّ جهاتِ البرجميعا عائمة  ٌ

وشراييني تمتــدّ إليك كرائحة التفـاح

دروبا وجسورا

لكنّ الموعـدَ كـثبانٌ رمليّــه ْ..

**  

أشتاق إلــى أمي في تربة حضنك ياوطني 

أشتاق إلى حناء يديها  في شهــد يديـكْ ..

أشتاق إلى شحرورة قلبي في عــش ضفيرتها البدويّـــهْ ..

أشتاق إلى زركشة في بُحّــة عينيها

وهْــيَ تفاكهني حين تعد فـَـطورالصبح

وتنثــرمن أنغـام يديها

دررا ورَبـَابـَات

تلعب كالأسماك معي في دورتــيَ الدمويّــهْ ..

**

كل إناث الطير تـودّعنــي 

كروائـح بــرق جارحــة تغـرب في فحم دمي ..  

تطعـنني بجميع فنون الشـدْو

وتطعمنـي قـُـبَلا حُـبْـلـَى

كبراعم لسْـع تتـفـتـّـق في ألمـي ..   

تـلـقــُط شيئا من نـبَـق وزبيب يتفتت من شفتـي

 ثم تحلــّــق في أصداح الدمع

عناقيدَ جراح راعفة ً..  

 فكأنّ خوافيها وقوادمَها

من سدرة أشـواقي تـنـسَـلّ، ومن عينيّ وأوردتي ..

تتـلظى .. تتشظى ..

تمطر كالشّـُـهْـب على منحدر القـلب

وتتركني

وحدي

أتمدد بين جدارين كحبل غسيل

 يأكلـه سـأم ٌوصقيـعٌ ونيوبٌ شمسيّــــهْ .. 

 **

سافرْ في قلبي المَـوْشـُـوم

بكحــل الأملاح وأشفــارالإبــرالصينيـّـهْ ..

سافر في أرق الصفصافْ .. في غرق الأصدافْ ..

سافـرْ في جلدي المسكوب على أجنحة الشرفات

سـواحلَ فـيـروز وأحاسيسَ خـُـرَافـيّــــهْ ..

سافرفي أعشاب أساريري وخطوط  يدَيّ ومتـّـسدي  ..

سافرْ في كتب الصمت قليلا..

سافرْ لا يمكن أن تلقى

إلا وحـدي يستنزف وحدي

 في مِـرآة القمــرالمكسورعلى الأحجارالبرمائـيّــهْ..

يتشتت بين شعاب الغربة والمنفى 

مثــلَ فـُـتات الكحل على أجفان فـَـتـاة غجريّــهْ..

سافرْ مابين زخارف نبضي ودموعــي

مع مَــن يتطاير من شفتيها  ـ حين أقـبّــلها ـ

شُهـُـبٌ ودم ٌ وروائـحُ أزهار بريّــــهْ ..

سافر في معجم حبي ..

لن تلقى امرأة

أحلـى ممّن تنسـج من شهد جدائلها صُــبحا للحريــهْ ..

**

يا كم  تصحبني في الخفقان وتعبــرنــي كالفيضان

وتملأنــي بك ياوطني ..

تسحبنــي مِـنّــي .. تذرونــي ..

تبقى وحدك  في ذرات التكوين الأولــى ..

تـبْسـِـمُ لي .. أبْـسِــمُ لكْ ..

تكـتـظ  معي في كفـيك الدامعتين المثمرتيـن

فأغـدو القاطفَ والمقطوفَ

وأغــدو البـذرة َ والثمـَـرَهْ ..

أغــدو التربة والشجـرهْ

وأكــرّر فيك فنائي وبقائي

ملتحفا كل جهاتي وتفاصيلي الذوقـيّــهْ

لأشكل خلف ضباب الكـأس

 أجَــلّ علاقة حب تترقرق بين سُـلافة قلبي وسواد القزحيـّـهْ..

 **

أنا إذ ْ تـتوحّــد فيك نجومي وغيومي

أتحول فيك رمادا ورذاذا ..

يتعثــر لفظي .. يتبعثــرنبضي .. 

تتنزل في عينيك جميع سماواتي العسليّـــهْ..

يتوهج في شفتي العليا قـَطرالأقداح ..

يهيج على شفتي السفلى عطرالأرواح

ويشرق بينهما

نحــل وحقول وزخارف عشق أزليّـــهْ..

تمتص شرايين حنينــي وعراجيــن جبينــي ..

تـنثـرهــا

في أوردة الصّــحْـو وفي بُحـات الأمطارالليليّــهْ..

وتشكـل منها جزرا

تتـفـتـح مثـلَ بكــاء دمي في الأزهارالجـُوريـّــهْ ..

**

وطني..

إنْ كانوا قد سرقوا منا زمنـَـا

فحنين الأرض المغرورق في وهج القبل الحَـرّى

ينحِــت من أنغام تنهدنا أفــقا               

وكمنجات تـَرْشـح ألوانا 

كحنايا التوت .. كـأفـئدة الياقوت

ويحفرفينا وطنا نستعبـد فيه الزمنا ..

وطنا في غزل الوشم يعانق قامته ..

ينصب خيمتــه

ويُصوّب أرماحا من كل جهات الريح

إلى بُـؤبـؤ ظالمه ..

وطنا يتكلم فينا ويكلمنا ..

في غـليان النبض يُحَضّـر قهوته ..

 يشرَبـهـا معنا ..

ونُـقـبّـله في شفة الفنجان صباحَ مساءْ

ويُـقـبّـلنا ..

وطنا لا ينـفــَـدُ سُـكـّــرُه من فوق أناملنا ..

نخطـَـفه من كـف البرق نُهَـيـرًا عسليا

ونهرّبــه في أكمام معاطفنا ..

في المطرالقاني .. في أسراب النسيان

وفي أسرار حقائبنا ..

 **

من سورة إخلاصي أقبلتُ عليكَ ..

معي وحدي يستـأنس بـيْ  كأنين بنفسـجة في جرح نبـيْ ..

أقبلت عليكَ  أمَـرّغ  فوق يديكَ

حدائـق وجهي وحرائـق أنفاســي ..

ما أسلسَ كفك حين تـُمَررُها كجناح الحَسّــون على خدي .. !

كصباح الحب الطالع من شهدي ..

أقبلت عليك نحيلا

كالناي الهائم بين دروب اللحن وبين غروب الأقمـار..

أتــرقرق في بَـرّ مهجـور مرتجفا

كالصمت ..  كغـَـرْغـَرَة في حلـق البرق وفي أوتارالقيثار..

أتعـرّق كالنجم على حائط  مبـكايَ ..

كخصلة عشب يابسة تتسلق بؤس الأحجار..

**

ياكم يُـدميني نخلك حين يعانقني  ..

في حضنك  تصبح أنت أنا

وتصير الجمرة لي سكنــا ..

ياكم .. كم يصعب ياوطنــي

أن تحلــوَ تلك القبــلة داميــة .ً....

تتوهج في رمّان الجرح المفتوح .. 

تلخص كل القبلات

وتسجن في شفتِـي نون النسوة والزمنا..

قد يغريني عسل الأنثــى والدنيا

لكنكَ تبقى أنت أنا..

وطنــــــي

إنْ أنتَ لمستَ حريقك عندي يأكلـني

فلأنك أنت أنا ..

لو رحتَ تفـتـش عن جسدي

في الجبة لن تلقى  إلا الوطنا ..

 ***

 قــدور رحمانـي / الجزائـر

 

في نصوص اليوم