نصوص أدبية

إباء اسماعيل: لَيْلاكَ وطَن..

إباء اسماعيلأقولُ: سلاماً

يتفيّأُ تحتَ شموسِكْ ..

وأقولُ: سلاماً لبراعمِ رؤاكْ

حين تحفُّها جمراتُ الغربةْ

وحرائقُ هذيانِ الحربِ المجنونةْ ..

قلْ لها: كيف تصافحُ أحلامَها باسْمِها؟.

لقصائدكَ تغْريدُ النّاي

على جمرِ حديقتِها..

وكطعمِ اللوزِ

على حروفِ اسمِها..

لقصائدكَ اشتعالُ المجنونِ

الشاعرِ على ليلاهْ ..

وتقولُ:

شفاءُ الحبِّ حين

يلتصقُ الحَشا بأحشاءِ مَنْ تَهوى!..

**

كَمْ تصْفعها باسمِها هذا

قبلَ أنْ تجْلدَها سياطُ القبيلةْ؟

كم تُسَوِّرها بالوردِ

قبلَ أنْ يُسَوِّروها بالنارْ؟!

يا قيسُ .. ابتعدْ قليلاً عن مَجرّاتها الملتهِبةْ

ابتعدْ عن خيوطِ أهازيجِها

الملوثةِ بغبارِ الحروبْ..

قضاها الله  لغيركَ

وابتلاكَ بحبِّها...

تعِدُّ ليالي الفراقْ

وأنتَ تتوجّهُ نحوَ وجْهِها

ونجمُ الصُّبْحِ عاد ليهيّج ذكْراها

في قلبِكْ ..

**

منذُ ألفِ ربيعٍ يا قيسُ

هي ليستْ لكَ .. ليستْ لكَ

هي ابنةُ هذا الندى،

ابنةُ الريحِ... تتوهّج كالشمسِ

وتورقُ كالأشجارِ في دَمِها ..

اسمُها مُعلَّقٌ كأيقونةٍ على أدراجِ السماءْ

والحبُّ أيقونتكَ الوحيدةْ ..

لكنَّ أيقوناتِ الوطنِ السارحةَ

في الهذيانِ تكبرُ، وتكبرُ، وتضيءُ

على الرُّغْمِ  ممّا أصابها من الجماجمِ

قبل مَوتِها من الخَرابْ...

**

وأنتَ تتغنّى باسْمها،

ويبكي من الهجرانِ

بعضُك على بعضِكَ،

ونيرانُ حُبِّكَ تلظّى

وقلبُكَ وَقودُها،

وكلّما احترقَتْ تَعودُ،

يموتُ ألف طفلٍ

وتُهَجَّرُ ألفُ عائلةٍ

وتفقدُ الطفولةُ معناها

وأنتَ تكتبُها حديقةً في براعمِ الروحِ،

يُغادر بلادَها النسيمُ  النظيفُ

وتسقطُ الأشجارْ..

تسقط الأحلامُ .. لا ..!!

واسْمها وطنٌ

اكتبْهُ يا قيسُ

فاسْمُها لم يَعُد اسمَ امرأةِ الغزلِ

والحبّ والأمنياتْ.

هي اسمُها وطنٌ يسكنُكَ ..

واسمُها جبلٌ

علِّقْ عليه كلَّ أمانيكَ الملوّنةِ

كقوسِ قزحْ..

واسْمها مَقبرةُ الغزاةِ الجددِ

يحْفرونَ قبورَهمْ بأيديهمْ ..

حين يقرؤونَ اسمَها

يُشعُّ في وطنٍ من لآلئ الغربةْ

واسمُها تضيعُ منه قافيةُ الحُبِّ!!

**

يا قيسُ ..

ليلى مُعَمّدةٌ بأحزانها

يأتيها الراهِبُ النبيلُ

يُقرِئُها صلواتِ السلامْ

وشيخ المحبّة المباركةِ،

يُضيء نجْواها ..

**

ليلاكَ يا قيسُ أسْرَفَتْ

في حضورِ البنفسَجِ

فسربلتْها الدماءْ..

ليلاك علَتْ في حدائقِ الموتِ

كلَّ يومٍ

ألف مرةٍ و مرّةْ..

وتُصَليّ في محراب الوطنْ ..

لم يَعُد يا قيسُ

في روح ليلى أيُّ ندى

سوى ندى الدمِ الممزوجِ

بصخبِ الحرائقْ!...

علِّمْها يا قيسُ

كيفَ تلفظُ حروفَ اسمِها

مرةً ثانيةً

فثالثةً ... فعاشرةْ

علِّمْها كيف يصيرُ الوطنُ هو الإباءْ ..

هو الهوى العذريُّ

هو النجمةُ المضيئةُ

في سماءٍ تسحقُ غربانَ الموتْ...

علِّمْها

أن تلتقطَ ذرّاتِ الوجَعِ

مِنْ حواسِّها الممزوجةِ بالدموعْ،

علِّمْها كيف ترى بعينَيِّ عاشِقَةٍ

شمسَ البياضِ

في وطنٍ تتخاطفُهُ الأفاعي!!

**

ليلاكَ يا قيسُ لم تَعُدْ

جنِّيةَ عشْقٍ زرقاء..

لم تَعُد تتحالَفُ مع عشْتار

وقدْ أضْحَتْ

عروسَ الحروبِ العمياءْ ..

أضْحَت قصيدةَ عشْقٍ

من أحمرِ شِفاهِها المخضَّبةِ بدَمِ الأرضْ!! ..

وحين تخرُجُ من سَوادِ خَيمَتِها المسحورة،

ستعود وتُعانق فيكَ براءةَ سمائِكَ الملونةْ ..

احفرْ اسمَها بماء الوردِ

احفرْ اسمَها باستعاراتِ الطيورِ المُهاجرةِ

إلى ذرى أوطانِها ..

وأنتَ تعرفُ كيف تنْسكِبُ الأحلامُ في الغربةِ

فوق صقيعِ اللحظاتِ أو لَظاها

حيثُ لا طبيبٌ إنسيٌّ  يداويكْ

ولا أحدَ منَ الجنِّ يُشفيكْ!!

حيث اللحظاتُ تتجمَّدُ كالصدى

في صحراءِ وطنٍ

يبحثُ عن أحلامهِ ..

يا اسْمَها!... كمْ يعذِبُها اسمُها

فاخرجْ من عباءتهِ يا قيسُ ..

ليلاكَ لم تَعُدْ تحْصي عددَ النجومِ

التي لفظْتَ بها اسمَها ؟؟

يا اسمَها الذي ينهارُ في عشقهِ!

حين تتزودُ الآمالُ السمراءُ

بأشجارِ الخيبةِ الصفراءْ..

ثمّةَ رجوعٌ إليها ..

ثمةَ كلماتٌ

لم تتحرَّكْ في آفاقِ الذاكرةْ.

ليلاكَ لن تكونَ اسماً ولا خبراً ..

هي قصيدتكَ التي تتنفّسُها ..

تَعلمُ

ولكنْ، كم من هواكَ يتبعثَر

على حجرِ اللغةْ

وأنت تستحضِرُ اسمَها بلا وطنٍ ..

لا تستحضر اسمَها بلا وطنٍ يا قيس ..

اسمُها .. ازرعْهُ في دروبِ العاشقينَ

الراحلينَ إلى أبدِ الوطنِ المعمَّدِ بالإباءْ...

لعلَّ السماءَ والأرضَ تباركانِ اسمكَ

أيها المسربلُ بنقاء العشق،

المشحون بليلاهُ  إلى آخِرِ صلاةْ...

لا تخنقْ أحلامكَ باسمِها

أيها المعجونُ بماء الشعرِ

واللهفةِ المتلألئةِ بحُمّى المعاني ..

**

أقولُ: سلاماً من قلبي

حين طفلةٌ تلفظُ أحلامَها الأخيرةَ

من قذيفةِ مدفع هاون

ربما كانتْ " إباءً" جديدةْ..

ستنزفُ في الغد القريب شِعراً

يفوحُ من ورودِ قبرها

لحظاتِ قصيدةٍ جديدةْ..

ربما كانت قصيدةَ عشقٍ للأرض

بلَّلتْها بدمائها لتقولَ لأمّها: هُنا يا أمّي!

وطنٌ استنزفتْ يدُ الغدر حِماهُ

ولكنّي في ترابهِ أطير مثل الملائكةْ

لأحمي باقي الأطفال ..

أقول سلاماً عليكَ

وعلى فراشاتِ الشعرِ

تحفر بأجنحتِها الخضراءِ

روحَينِ من جُلَّنارْ ....

**

ليلاكَ وطنٌ لا يموتُ...

شَكَوْتَ إلى اللهِ حبَّ ليلى بفَقْدِها

وأضحَيتَ كما يتيمُ الوالدَينْ ..

أمَا كان يكْفيكَ  ليلى والسنينُ الخَواليا ؟!..

وهَلْ على غَيرِ ليلى يقْتلُ قيسٌ نفسَهُ ؟!..

إنْ كانتْ ليلاكَ وطَناً سيعودُ،

لا بأسَ أن تعودَ يا قيسُ إليها

شهيداً بنَعْشٍ وكفَنْ !!...

***

إباء اسماعيل

 

 

في نصوص اليوم