نصوص أدبية

المولدي فرّوج: مواسم الهجرة من قرطاج

المولدي فروجيمرّ قطار التّاريخ بمحطّات جغرافية عديدة بينما تستمرّ السّكّة في اتّجاه اللانهائي. محطّة قرطاج ظلّت تموت ثم تُبعث من جديد وكأنّ شيئا لم يكنْ...


 أيُّ شعبٍ سيختاره الله للثّورة القادمة؟

الذي كان ينتظر الفرصة المستحيل؟

الذي كان ينتهز اللّحظة الحاسمة؟

الفريسة تهوي، السّبايا، الغنائم

والأوفياء

على الله أن يصطفي من أراد

من الأغبياء

على تاج هذي البلاد

الذِي حمَل القوْمَ

في يوْم صَحْوٍ

لينْتَظرُوا أن تَجودَ السَّماءُ...

........ بقوْسِ فَرَحْ؟

أنْبَتَ القوسُ ريشاتِه في الظّلامِ

ولوّنهَا حسْبَ طبْعِ الفُصُولْ

واسْتباحَ الكِتابُ مَجَازاتِه

وتدبَّرَ في اللّيلِ أَمْرَ المَعاني

الأسَاطِيرُ صارتْ يقِينًا لها

والصّناديقُ، صارَتْ نُعوشٌا،

شعبُ تونس إذْ يتناسَل من بيْنِ جنْبيهِ

دُودٌ حقُود؟

صار شعبًا

تلبّدَ في حفْنةٍ من غُبارٍ؟

لينفُخَ في جمْرَةِ العَاصِفهْ

فالعَواصفُ تعْرِفُ

كيف تُجنّدُ فرْسانَها

وتُربّي الثَّعابين للرّقْصِ في النّارِ

دون احْتِراقٍ

هي النّار موْعُودَةٌ بالرّمَادِ

لِتَمْسُدَ من فوْقِه الرّيحَ

حتّى تَلِينَ

...

أمَا قيل إنّ الفصولَ

يُؤثثها الانفجارُ

وإنّ الشِّتاءَ إذا ما قسَا

سوْف تَخلعُه الرِّيحُ قبل الرَّبيع

للمَساكِين حِصَّتُهم ....

........من فُصولِ الحساءِ

وللشّهَداءِ ....

نصيبٌ منَ الموْتِ يَأتِي على غَفْلةٍ

من مضِيقِ الزُّجَاجةِ

ـ قَسْرًاـ بكسْرِ الأصَابعِ

ماذا نُسمّي الجراحَ

إذا نَزفتْ لوْنَها

**

ثم ماذا نُسمّي السّماءَ

إذا لم تكنْ تحْتها شفةُ الأرضِ

حتى تُقبِّلَها

يولَدُ الحلْمُ في أُفُق

أملاً فوق سبّابةٍ

تتغيّرُ أكْفانُها مثلما يشْتهي الانْتِخاب

بين قوْسين:

(لا يَتغيَّرُ جسمٌ إذا لم يُغيّرْهُ صاحبُهُ)

ثم لا يتَغيّر طبْعُ القَطيعِ

إذا لم يُعَلِّمْه كلْبُ الحِراسةِ

كيف يُلاعبُ ذيْلَ الرّضا

الأناملُ توَّابةٌ

تتقَاذَفُ أحْجَارَ سِبْحَتها

لتُخَاتِلَ عفْو الإله

والله يعْرفُ كم يتبَقّى

إلى النّاسِ من وَطنٍ

وهو يعْرفُ أن أبْوابَ قرْطَاجَ

لمْ تنْفتِحْ للفِتَنْ

فلماذا إذنْ

ولمُدّةِ خَمْسِينَ جِيلًا

سنحْملُ أوْزارَ فِتْنتِهم

ونُعوشَ الفضائح من فوْقِ أعْناقِنا؟

يا ربُّ،

قد شبِع الموتُ منّا

فهل سوْف يُمْهِلُنا

لنصَارِحَ أيّامَنا البَاقياتْ

ونحُطَّ على الأرْضِ أقْدامَنا؟

يا ربُّ

هذه أرْضُك

كيفَ

........ رميْتَ إلى عرْشِها......

ملكَ الدّودِ

حتى تَعرّتْ هشَاشَتُها للغُزاة؟

أجبْنا... فنحْن نُحبُّك مثل البلادِ

ولم نحتملْ أن تشقَّ الأصَابعُ حنّاءَها

في الضَّبابِ

وقرْطاج لا ترْجُمُ الغَيْبَ

لكنّها تبْتَني قوْسَها

من رموشِ السّحابِ

***

د. المولدي فرّوج / تونس

ثورة 2014

 

في نصوص اليوم