نصوص أدبية

باسم الحسناوي: مسافةُ ما بين البصيرةِ والعمى

باسم الحسناويتلتقي القارتانِ لكنْ خيـــــالاً

كم جميلٌ لقاؤُنا في الخيالِ

يا عناقَ الحبيبِ فــي كلِّ حينٍ

أنتَ وهمٌ فكن رحيبَ المجالِ

وتوغَّلْ بنا بعيـــــداً بعيـــــــــــداً

فوق معنى العناقِ، فوقَ الوصالِ

2-

سماؤُكَ في ذاتِ الفؤادِ فإن نأت

سماؤُكَ عن ذاتِ الفؤادِ.. فربَّما

إذا ما نأت عنكَ السماءُ فلا تقل

سمائي ولكن شئتَ أن تتوهَّما

مسافةُ مــــــا بينَ الفتى وسمائِهِ

مسافةُ ما بينَ البصيرةِ والعَمى

3-

نظرتْ إلى وجهي فقالت إنَّهُ

وجهٌ كما لو أنَّهُ القرآنُ

إيقاعُ أحرفِهِ الجميلةِ غامضٌ

فإذا استمعتَ تفتَّقَ الإيمانُ

فيهِ تجلّى اللهُ فهوَ اللهُ لو

شئتَ السُّجودَ وإنَّهُ الإنسانُ

4-

أموتُ ولكن لا أموتُ مفارقاً

حياتي، كذاكَ الموتُ إن كانَ خارقا

أموتُ وأحيا في الحياةِ مجدَّداً

لتبصرَني رغمَ الخساراتِ عاشقا

بدوتُ أنا المخلوق في نظرِ السِّوى

وفي نظري أبدو لنفسِيَ خالقا

5-

كفُّ هيَ الشَّمْسُ، أخرى ذلكَ القَمَرُ

أمّا ملامحُ وجْهِ العالَمِ البَصَرُ

وليسَ مُسْتَغْرَباً أنْ لا أرى أحَداً

إلاكَ أنْتَ فأنْتَ النّورُ والأثَرُ

وأنْتَ أنْتَ جمالٌ ليسَ ممتزجاً

بعُنْصُرِ الموتِ إنَّ الموتَ مُندَحِرُ

6-

المَجْدُ للمَوْتِ الذي هوَ قامةٌ

شمّاءُ، عاشَ المَوْتُ والعَبَراتُ

المَوْتُ مولانا الجليلُ لوحْدِهِ

أمّا الجميعُ فإنَّهم لَحَظاتُ

المَوْتُ باطنُنا العميقُ وإنَّهُ

تأويلُنا وحياتُنا الحَسَراتُ

7-

يختالُ شِعْري وقد أنشدْتُهُ فيها

وأنَّهُ كانَ حقّاً من أمانيها

قالت أحبُّكَ جدّاً وهيَ هائمةٌ

يكادُ يقطرُ شهْدُ العشْقِ من فيها

إنّا غرقْنا، غرقْنا في متاهتِنا

فلستُ أنجو وإنِّي لستُ أنجيها

8-

وطني غباءٌ كلُّهُ من رأسِهِ

للأَخمصَينِ فبئسَ عيشُ الأَلمعي

أمّا أنا فأنا غبيٌّ مثلُهُ

إذْ لم أهاجِرْ نحو أرْضٍ بلْقَعِ

فالعيشُ ما بينَ الأفاعي فرصةٌ

كبرى قياساً بالألى عاشوا معي

9-

ما قيمةُ الشِّعرِ، شِعْري حينَ أكتبُهُ

يكونُ في نَظَري كلْباً وينبحُني

قد كنْتُ أرْضى بهِ لو أنَّ أحْرُفَهُ

تلكَ السّيوفُ التي في الوهْمِ تذبحُني

بئسَ الحياةُ حياةٌ رحْتُ أخْسَرُها

وغايةُ الفخْرِ أنَّ القبْرَ يربحُني

10-

ماتت عواطفُ قلبي، كنتُ أسْقيها

ماءَ العيونِ لهذا رحْتُ أبْكيها

الآنَ أطلبُ سجْناً كي أقيمَ بهِ

بقيَّةَ العُمْرِ، في سجني سأُطْريها

تبخَّرَتْ هيَ من قَلْبي وأحْسَبُني

من بابِ أنِّي وفيٌّ هائماً فيها

11-

نجمَتي واثقةٌ من أنَّني

ذاتَ يَوْمٍ نحوَها أرتَحِلُ

كلُّ ما فيَّ من النَّقْصِ الذي

أرْهَقَ الرّوحَ بها يكتملُ

نَجْمَتي قَطْعاً جوابٌ حاسمٌ

لا مراءٌ عنْدَها أوْ جَدَلُ

12-

أرى الموتَ يأتيني فيشربُ من دمي

ولستُ أحسُّ الموتَ في شربِهِ الدَّما

ويفصدُ لي من جسمِهِ ودمائِهِ

فأشربُ منها هائماً ومتيَّما

دمي ودماءُ الموتِ خمرةُ عاشقٍ

متى ما شربناها انطلقنا إلى السَّما

13-

لم يخلقِ اللهُ في أكوانِهِ فَلَكاً

إلا لكي تَعْشَقَ الأنْثى بهِ الرَّجلا

وكي نعانقَ حتى لا نَرى أحَداً

في الكَوْنِ إلا هَوانا فارساً بَطَلا

وكي نعدَّ تصاميماً لعالمِنا

من الشِّفاهِ التي ذابت بهِ قُبَلا

14-

وَطَني عَيْناكِ لا غيرَ وذا

وَطَنُ النّاسِ أباطيلُ وزورُ

وطني أنْتِ ومن عاطفتي

نحوَهُ ضدَّ خيالاتي أثورُ

أنا في الحُلْمِ طيورٌ حلَّقت

ثمَّ عادت لم تكُنْ ثَمَّ وكورُ

15-

دَعْني منَ الذِّكرى، أشاؤُكَ حاضراً

في كلِّ آنٍ والحضورُ غيابُ

دَعْني متى قبَّلتُ وجهَكَ خاشعاً

أنْ أشْرَبَ الشَّفتَينِ حينَ أُثابُ

أنا مؤمنٌ حينَ العناقِ وإنَّما

أنا حينَ تنأى كافرٌ مرتابُ

16-

أنا ملكُ الليلِ الذي هوَ ماردٌ

وأحْتاجُ في ليلِ المشاعرِ ماردَهْ

وأحْتاجُ تقبيلَ الشِّفاهِ بنَشْوَةٍ

فلا يكْتَفي التَّقْبيلُ مِنْها بواحدَهْ

أكلتُ من الخدَّينِ كسرةَ قبلةٍ

فصرتُ نبيّاً، كيفَ لو هيَ مائدَهْ

17-

علينا أنْ نحبَّ ولا نحبّا

لأنّا قد شربْنا الحُبَّ عبّا

وأمطرْنا الهوى مطراً غزيراً

غرقْنا فيهِ لمّا صبَّ صبّا

فما عدنا سوى الأشْواقِ فينا

فذي أشواقُنا التمييزَ تأبى

18-

لؤلؤُ البَحْرِ قلبُها فيكونُ

الجسَدُ الباقي بالقياسِ بحارا

يغرقُ العالمُ المتيَّمُ فيها

ثمَّ ينهارُ دهشةً وانبهارا

سرْ إليها مقطَّعاً دونَ رأسٍ

ثمَّ قبِّلْ كيانَها الموّارا

19-

النّاسُ في وطني هباءٌ ناطقٌ

شرُّ الهَباءِ هوَ الهَباءُ النّاطقُ

إصمتْ رجاءً يا هَباءُ فربَّما

في الصَّمْتِ خيرٌ فالكلامُ منافقُ

أنا لم أجدْ شَخْصاً حقيقيَّ الهَوى

إلا وفي جنبَيْهِ حزْنٌ صادقُ

20-

أنا لستُ أدْري، ربَّما كنتُ دارياً

بأنَّكِ أقْصى ما أعاني من الخَطَرْ

لعلَّكِ مثل الكَهْرباءِ مضيئةٌ

ويدنو إليها الرّاغبونَ معَ الحذَرْ

فباللهِ كوني كالهَواءِ رقيقةً

وباللهِ كوني ضفَّةً تَحْضنُ النَّهَرْ

21-

إيّاكَ أنْ تَنْسى بأنَّكَ عاشقٌ

وبأنَّ قبلتكَ الرقيقةَ نارُ

إيّاكَ أنْ تَنْسى بأنَّكَ يا أخي

رجلٌ نبيٌّ مقلتاهُ شَرارُ

إيّاكَ أنْ تَنْسى بأنَّكَ عالمٌ

فذٌّ رحيبٌ والوجودُ حصارُ

22-

مضحكٌ أن تعيشَ فالعيشُ لهوٌ

يعشقُ اللهوَ صبيةٌ أطفالُ

مضحكٌ أن تموتَ فالموتُ مهرٌ

عينُ إدبارِهِ هوَ الإقبالُ

مضحكٌ أن تكونَ لا شيءَ أيضاً

فالمصيرُ الوحيدُ هذا الهزالُ

23-

أريدُ أن أنزوي عن كلِّ عاطفةٍ

عن كلِّ فلسفةٍ، عن كلِّ معتَقَدِ

أريدُ أن أحتفي بالروحِ خاليةً

من أيِّ شيءٍ غريبٍ عن بياضِ يَدي

أريدُ أن أكتبَ الأشعارَ فارعةً

كقامةِ النخلِ، عاشَ النخلُ في بلدي

24-

حتى وإن كنتِ أشلاءً سأجمعُها

لكي أقبِّلَ حتى الموتِ أشلائي

كذلكَ الضوءُ لم يجمع أشعَّتَهُ

إلا وبعثرَها تيّارُ أضواءِ

خذي إليكِ من الأسماءِ أكثرَها

تكسُّراً فهوَ ممهورٌ بأسمائي

***

باسم الحسناوي

 

 

 

في نصوص اليوم