نصوص أدبية

باسم الحسناوي: هذا ضريحي

باسم الحسناوي

 أنتَ نهـــرُ الفراتِ أعْلَمُ هذا

وكذا أنتَ حينَ تجْري النيلُ

أنا والشِّعْرُ والمنايا الصَّبايا

راقصاتٍ نميلُ حيثُ تميلُ

كلُّ حــــــيٍّ فداكَ إنَّ فداءً

لكَ مهما يكن كثيراً قليلُ

لا جليلٌ تراهُ عيني جليلاً

وَحْدَهُ حُزْنُكَ الجليلُ جليلُ

أيُّ نُبْلٍ تحدَّثوا عنهُ؟ دَعْنِي

كلُّهم أحْقَرونَ، أنتَ النَّبيلُ

2-

أنا كلَّما دهستنـــــــي الحياةُ

فشاهدَني الناسُ فيها كسيرا

قبضتُ ترابَ حبيبي متى

سارَ ثمَّ أقبِّلُ ذاكَ المسيرا

وأنفخُ روحي بذاكَ الترابِ

وأنفثُ فيهِ الهيامَ الكبيــــرا

وأسكبُهُ فــــــــوقَ هذا الكيانِ

الكسيرِ كأنْ قد سكبتُ العبيرا

فأنهـــــــــــــــضُ ثانيةً ليسَ فـــيَّ

اعوجاجٌ وأطوي السحابَ الأثيرا

3-

فقدتُكَ كيفَ فقدتُكَ أنتَ

الفؤادُ السحيقُ الذي في فؤادي

فقدتُكَ كيفَ فقدتُكَ أنتَ

البلادُ التي لم تفارِقْ بلادي

صحيحٌ بأنكَ نجمٌ بعيدٌ

ولكنَّني قطبُ سبعٍ شدادِ

فأينَ تدورُ تدورُ هناكَ

وليسَ أمامَكَ إلا احتشادي

فإن شئتَ لا تقترِبْ أنتَ قمحٌ

وإني أنا موسمٌ للحصادِ 

4-

إذا لم تمتلكْ إلا فؤادَكْ

فبِعْ كي تشتري الدُّنيا سُهادَكْ

وأعْلمُ أنَّها نفسٌ أبوها

عنادُكَ فاطَّرِحْ حالاً عنادَكْ

وحاولْ أن تكونَ أخا ذويها

من الأصْهارِ إذْ صاروا بلادَكْ

وأخبرْهم بأنَّكَ عدتَ طيناً

بلا ضوْءٍ ليحتضنوا سوادَكْ

وحدِّثْهم طويلاً عن جهادٍ

بلا معنى فقد نبَذوا جهادَكْ 

5-

لا تسمعوا خطبي البليغةَ إنَّها

صَنَمٌ بفأسِ الأوْلياءِ سيُكسَرُ

لي منبرٌ أعوادُهُ من زُخْرُفٍ

ضلَّت بهِ الدُّنيا فساءَ المنبرُ

لي شهرةٌ أيضاً سأبصقُ فوقَها

فأنا لها واللهِ شَزْراً أنظرُ

إنِّي أصونُ الذَّنبَ من غفرانِهِ

فأحقُّ بالتَّحقيرِ ذنبٌ يُغفَرُ

هذا ضَريحي في الخيالِ مكانُهُ

ودمي بأمرٍ من حنانِكَ يُهْدَرُ

6-

إذا أنا قابلتُ وجهَ المنيَّةِ

فالعشْقُ أجمعُهُ في إهابي

أموتُ وأحيا وأحيا وأحيا

وذا الموتُ سُكْرٌ بفعْلِ الشَّرابِ

أتحسبُ أنَّ العظامَ عظامٌ

ستفقدُ رونقَها في التُّرابِ

فإنَّ دمائي ولحمي وعظمي

من الضَّوءِ فانظُرْ لضَوْءِ شهابي

ألسْتَ ترى أنَّهُ سرمديٌّ

كوحْيِ الإلهِ الذي في الكتابِ 

7-

مكثوا ببطْنِ الأرْضِ في أمْعائِهم

دخلت أفاعٍ أشْبَعت أمعاءَها

وتراقصَ الدّودُ الأكولُ كأنَّما

هيَ حفلةٌ نصَبَ الحِمامُ خباءَها

حتى إذا جفَّت عظامُ جسومِهم

في الأرْضِ صارَ رميمُها بيداءَها

فإذا بهم رملٌ وريحٌ صَرْصَرٌ

وصنوفُ أشْواكٍ تجفِّفُ ماءَها

وتظلُّ أمُّهم التي عقَّتهمو

تعطي الحنانَ لمن يرومُ زِناءَها

8-

قالتِ المرأةُ وَيحي

إنَّني أصْبَحْتُ تلكَ الدّائرَهْ

يطعنُ الأنجمَ رمحي

إنَّما الأنجمُ أنثى نافرَهْ

ما الذي ينفعُ بَوْحي

إنَّ بَوْحي خنجرٌ في الخاصرَهْ

أَحَلالٌ لكَ ذبحي

بسكاكينِ لحاظٍ غادرَهْ

إنَّ فتحاً أيَّ فتحِ

أنتَ لي دنيا بمعنى الآخرَهْ

***

باسم الحسناوي

 

في نصوص اليوم