نصوص أدبية

عقيل العبود: إفادة الطرف الثالث

عقيل العبودصارَ للمشهدِ لغة أخرى، أخذ المتظاهرون يتحركون عبر سطوة مجهولة، ثمة اصرار مشاكس راح يشده، يدفعه لأن يفعل شيئًا ما، انبعثت الحياة في داخله عبر قوة مؤثرة.

ولدت حقائق، وأفكار جديدة في رأسه، أحس أن خطواته تدنو صوب شاطئ، كأنما وقع الاعتراض على أمواجه، ليركن عند بقعة نائية من بقاع الأرض.

راح يسمع لغطًا يتحدث عن ملاذ آمن، استأنفت العاصفة بقايا عنفوانها، استيقظت في مشاعره ألوان جديدة من الصور، والخيالات، لم يتح المجال له لأن يعلن ما بحوزته على شاشات التلفاز.

اقترب من النافذة على نحو حذر، تفاعل مع عنفوان المكان، بات الزمان أشبه بفضاء هش، أو إمتداد لا علاقة له بحركة الأشياء، أضحى يعالج صمته عبر شرفة استدل بها على حقيقة وجوده، أيقن تمامًا أنه ضمن قائمة المستهدفين.

لم يعلن عن ذلك، لازمه الصمت مثل طائر قلق، ابتعد عن الكلام، تفاعلت الموضوعات في مداركه، أمسى القاتل قريبًا، واضح الملامح، لكنه لم يسمح لأحد أن يلوح بأصابع الإتهام التزامًا بقانون الحصانة.

تزاحمت في ذاكرته إيقاعات امتزج الذعر فيها مع العنف المصحوب بصراخ براءة وقع اغتصابها قبل أيام مضت.

اندلع دوي عيارات نارية وسط المبنى المزدحم بالعابرين ، بقيت إفادات الشهود تحتاج إلى تدوين، بينما أعلن الجمهور عن استيائه.

حاول أن يغادر البيت بعد هدوء مسكون بالريبة، دون أن يفلح، راح يشعر أنه صار قريبًا من مرماهم، أكتشف سرًا خطيرًا، حاول أن يدون شيئًا ما في صفحات هاتفه النقال، استنطق المشهد، دون الإشارة إلى حقيقة ما جرى التوصل إليه.

أُعيد بث المقابلة التلفازية، التي أجريت معه على شاشات إحدى الفضائيات ، أعقبها خبر عن مجموعة متظاهرين.

استذكر عددًا من الذين وقعت تصفيتهم، ممن تساقطت أوراقهم ذات يوم في ساحة التحرير؛ ذلك على غرار أغنية تحقق انتشارها.

غدا على يقين بأنه سيفارق الحياة على أيديهم، أسوة بغيره، سمع صخبًا هائلًا عند نافذة بيته القائم في حي من احياء بغداد، تساقطت الكتب المرصوفة، اهتزت جدران المبنى، عجت الرفوف، ترك منزله منطلقًا إلى سيارته، صارت خطواته ينتابها التثاقل، أحس أن عاصفة تقتلعه، تجهض أنفاسه، تلقي به عند أكتاف بركة من الدم، تهشم الزجاج أمام عينيه، احترقت أغصان الأشجار القريبة مع إطلاقات نارية عنيفة.

رسم أمواج النهر الذي أطل عليه في منامه قبل أيام، تذكر الشابة التي اُختطِفَتْ، أعاد تصوير اللقطة في ذهنه-كانت السيارة السوداء مسرعة بعد أن سيقت الضحية بقوة إلى الصندوق الخلفي.

دنت منه ، أهدته وردة امتزج عطرها مع رائحة البنفسج، تنفس الصعداء مع ابتسامة راحت تلتف حوله لتسافر صوب مساحات تنتشر فيها زقزقات النوارس بعيدًا في السماء الصافية.

لم يتحقق التصريح بإسم مرتكب الجريمة، رغم أن ملامحه باتت واضحة بحسب كاميرات التصوير، لذلك حصل الاكتفاء بإحالة أوراق التحقيق إلى جهة مجهولة، على شاكلة تسمية حصل تداولها بحسب إتفاق ما، كأنما لإخفاء أمر لا يعرفه أحد.

 

عقيل العبود/ كاليفورنيا

......................

* إشارة إلى حالات الاغتيال المتكررة في العراق على أيدي ما تم تسميته بالطرف الثالث.

 

في نصوص اليوم