نصوص أدبية
زهراء لطيفي: الموهبة المقدّرة
بحسن الظّن وبذريعة التّحبِيب يستخدم العديد منّا المقارنة كمُحَرَّكٌ لإزدهار ونمُوّ أداء أبنائنا وتعزيز سلوكياتهم الفرديّة في العديد من المواقف، ويظهر ذلك بشكل خاص في مواقف الدّراسة وكسب الدّرجات العالية، فلا تفارق أفواهنا عبارات مثل:
-" لماذا لا تحصل على درجات ممتازة مثل أختك، متى تصغي لكلامي مثل إخوتك، ما الّذي يردعك من أن تكون إيجابيا مثل ابن خالك...
في الأمس كانت تعج شوارع عبّادان بالمارّة وكما هي العادة ضاعفت عودة الأطفال من المدرسة إلى منازلهم الشّوارع ازدحاما.
وضعت دراجتي أمام بوابة المدرسة الحكوميّة الّتي بت أحفظ أبعادها جيّداً وانتظرت ابني. كان بناء مدرستين بجوار بعضهما البعض، إحداهما حکوميّة والأخرى أهليّة أمرغريب بعض الشّيء بالنسبة لي..
كنت أتساءل من هو الّذي قام بتقسيم الطّلاب إلى ضعيف وقوي والمدارس إلى عامة وخاصة. وماذا كانت نتيجة هذا الانقسام؟
عندما كنت أقوص بين أفكاري، تذكرت كتاب " الموهبة مُبالغ في تقديرها" الّذي نقل عنه المؤلف قوله إننا نقدّر الموهبة الذّاتيّة كثيرا ونبالغ في دورها ولا نسعى أن ندرك إن من خلال التّمارين المحسوبة والمركزة يمكننا أن نصبح أذكياء وأقوياء أكثر.
ارتفعت الشّمس وسط السّماء وبدأ الأطفال يغادرون المدرسة واحدا تلو الآخر حيث كانت نهاية الفصل المدرسي وکان شهر يونيو مرهقاً ومتعباً لجميع الطّلاب وشمس عبّادان الحارقة والملتهبة لا تطاق.
وضعت ساهر في الواجهة الأمامية لدراجتي وسرت أجوب الشّوارع والأَزِقَّة وما أن ابتعدنا قليلا حتّى بدأ يتذمر من صفه الحار والرّطب وعدم وجود برّادة ماء:
-" أبي لا أريد هذه المدرسة، صفوفها تشبه النّفق، دخل أعز أصدقائي مدارس أهلية، حتّى صديقي علي، الّذي كانت درجاته منخفضة.
-" لا بأس، حبيبي ساهر إنها السّنة الأخيرة وسأبحث لك عن مدرسة جيّدة وستحصل على رفقة خيرة.
حدیث ابني جعلني أفكر بجديّة وبدأ كموج بحر يلاطم أفكاري، فلماذا لا يستخدم كلّ الأطفال نفس الإمكانات والخدمات؟!
نازعتني أفكار شتّى وانتابني قلق فقصدت محل الخضراوات الّذي يقطن على رأس شارعنا لأجلب بعض من الفواكه لولدي الصّغير.
حتّى أخذني صياح أبي على النّجار وركلاته واستغاثة ولده علي إلى وسط الشّارع:
-"قلت لك ألف مرّة أن تدرس وتذاكر. ألا ترى ساهر كم هو شاطر وذكي؟
أماتك الله، ألم تطلب منّي العام الماضي أن أسجلك في مدرسة أهلية لتكون من الطّبقة المخمليّة؟! تَبّاً لك يا غبي.
***
زهراء لطيفي