نصوص أدبية

باسم الحسناوي: جنةٌ في قلبها سقر

باسم الحسناويعلى أي حالٍّ أحبُّ العراقَ

وأشربُهُ مسكراً كالسُّلافِ

كتبتُ العراقَ قصيدةَ حبٍّ

بدايةَ عمري بكلِّ احترافِ

وها إنَّ منتصفَ العمرِ يأتــي

فقل كيفَ أقلبُ معنى القوافي

لأمنحَها مثلاً صورةَ القردِ

في غابةِ السَّنواتِ العجافِ

أنا أشعرُ الآنَ بالنصرِ والأمنِ

حدَّ ارتباكي وحدَّ ارتجـــــافي

2-

وقتٌ من التبرِ أم وقتٌ من الطِّينِ

أم انَّهُ العمـــــــرُ ميتاً دونَ تكفينِ

قد متُّ من قبلِ هـــــذا ألفَ قافلةٍ

من الزَّمانِ وشاءَ الموتُ تلحيني

فصـــرتُ أغنيةً ثكلى بلا ولدٍ

فكلُّ أولادِها وحيُ الشياطينِ

ويلي على زُغْبِ أشعاري فقد نفقت

ولــــــــم تعانِقْ جمالَ النسوةِ العينِ

أنعى النَّخيلَ مع العلمِ الأكيدِ بأن

نعتْهُ ذاكـــــــرةُ الزَّيتونِ والتينِ

3-

أتيتُ إليكَ لتغفــــــــــــرَ ذنبي

فقلتَ: بتلكَ الذنوبِ افتخارُكْ

وقلتُ: احترقتُ فأطفِئْ لهيبي

فقلتَ: نعيـــمُ الفراديسِ نارُكْ

وقلتُ: أنا ظامئٌ للمياهِ

أجبتَ: فتلكَ النجومُ جرارُكْ

وقلتُ: الهزيمةُ في الحربِ قد

آلمَتْني كثيراً فأينَ انتصارُكْ

فقلتَ: افتخِرْ بانكسارِكَ ما دامَ

عرشَ الإلهِ العظيمِ انكسارُكْ

4-

قلبي هو البيتُ والأحلامُ نافذةٌ

مكسورةٌ وخيالُ الشعرِ عائلتي

إن كنتَ تطلبُ مني أن أحبَّكَ لا

تهدِمْ بمعولِ هجرٍ بيتَ عاطفتي

أنا أريدُكَ في الدُّنيا سبيلَ هدىً

وأنتَ تملأُ بالخسرانِ آخرَتي

أنا الحضارةُ من يائي إلى ألفي

فكيفَ تزعمُ أني رمْلُ باديةِ

جِئْ بالصَّحارى وحاكِمْها أمامَ فمي

إذْ كلُّ عاصمةٍ بنتٌ لقافيتي

5-

الوجهُ في أنَّهُ صبٌّ ومفتخرُ

أنَّ الفتى جنَّةٌ في قلبها سقَرُ

عاشَ الصَّبابةَ مخموراً بعاطفةٍ

أقلُّ ما قيلَ عنها أنَّها شرَرُ

فما الغَرابةُ لو شوقٌ لفاتنةٍ

أزْرَتْ بلوْعَتِهِ أشْواقُهُ الأخَرُ

الحبُّ في قلبِهِ كونٌ على سعةٍ

فيهِ متى ذاقَ طعْمَ النّارِ ينشطرُ

وليسَ في أيِّ شطْرٍ منْهُ منقصةٌ

فالكلُّ كالحرْبِ لا يبقي ولا يذَرُ

6-

لماذا تقولونَ ماتَ الغرامُ

ولم تعدِ الذكرياتُ نساءا

فقد تعلمونَ بأنَّ الخيالَ

يحثُّ على القبَلِ الشعراءا

فإن لم تكن ثَمَّ إنسانةٌ

يحبّونها صمَّموها فضاءا

فإن ضاقتِ الأرضُ بالشعراءِ

لكونِ الدِّماءِ تريقُ الدِّماءا

فما بينَ شقِّ النهودِ بلادٌ

متى فتحوها غدَوا أنبياءا

7-

أطفْلَةً لم تزل أرضي أهدْهِدُها

أم لم أزل قمراً بالنّورِ أرفدُها

أم القصيدةُ قد أنهيتُها فإذا

هيَ الخجولةُ من أنِّي أردِّدُها

أقنعتُها بعدَما راحت تعنِّفُني

بأنَّني حينَ أشدو لستُ أقصدُها

أم الحبيبةُ صوفيُّ الشعورِ بها

هذا الفؤادُ الذي في الدَّيرِ يعبدُها

حتى إذا جاءَ وقتُ الحشرِ في سقَرٍ

ألقت بنفسي وصارت جمرةً يدُها

8-

عندي فؤادانِ حينَ الحبُّ يكتملُ

الأوَّلُ الكأسُ والثاني هوَ الغزلُ

الشعرُ أعظمُ منكوبٍ بعاطفتي

فما السبيلُ إلى أنثى ستنفعلُ

كلُّ النساءِ عشيقاتٌ لقافيتي

وإنَّ قافيتي في الحالِ تُرتَجَلُ

إني أغازلُ أنثى في فضاءِ دمي

وليسَ تفهمُ ما أعني فترتحلُ

ما قلتُ إني نقصتُ الآن في وجعي

إلا استفضتُ متى فاضت بيَ القُبَلُ

9-

أنا أحدٌ ولكنِّي جميعُ

يضيعُ الكلُّ لو أنِّي أضيعُ

وطبعاً حين أصرَعُ في نزالٍ

فشعبٌ كاملٌ بعدي صريعُ

لديَّ الشعبُ موسيقى وشعرٌ

وإلا فهوَ تفكيرٌ وضيعُ

ومن لم يستطع قتلَ المنايا

بكلِّ الفخرِ إني أستطيعُ

كفاني أنَّ موتي عبقريٌّ

وأنَّ منيَّتي شرفٌ رفيعُ

10-

بلا أيِّ شكٍّ أنتِ أمُّ قصيدتي

وأحفادُنا منها الدُّجى والكواكبُ

فإن طالَ عمرانا بضعفِ سنيِّهِ

فأحفادُنا حدَّ الضَّياعِ الغياهبُ

إذا كانَ قلبي كالشِّراعِ ممزَّقاً

على غرَقٍ أيُّ البحارِ أعاتبُ

وإن كنتُ لا أدري لأيِّ جهنَّمٍ

ستحشرُني الأشواقُ من ذا أصاحبُ

دعيني أوزِّعْ مضغةَ القلبِ هكذا

على الوحشِ إذ خيرُ الصحابِ الثعالبُ

***

باسم الحسناوي

 

 

في نصوص اليوم