نصوص أدبية

بشرى البستاني: الياقوتة

بشرى البستانيمن جذور الكون

وهو يبدأ اسطورته الخالدة

من دم الشهيدات الملفعات براية الحريةِ

في تلك الهزيمة المظفرة

ومن دمائهن الطالعة ورداً في روابي المحن

كنتُ أستلهم التاريخ الذي لوينا أصابعه

وعلقناه على أعواد المكيدة

إذْ أرنو لياقوتةٍ هجرتني

وهامت وراءكَ مجنونة بشهوة الموت

يرمقها وترٌ ضائع

وسماءٌ ملبدة بالغيوم

ونجمةٌ أثمة

كانت تختال بشالٍ ورديٍّ

وحذاء فيروزيٍّ

ونشيدٍ جبلي

وتغني لعناقيد العنب الريان

في أطراف البستانِ

أطلّ الفرسانُ

وأشرق وجهُ حبيبي

مال الشيحُ، على غصن الرمان

وأغضى .

هناك في سواحل الممالك السعيدة

**

هناك انتظرتك ليلاً طويلا

تجلت سماءٌ

وغامت سماءٌ

صحا الفجرُ في وجنتيكَ

ومال على العشبِ

كان ياقوتُ روحي يضيءُ

وكنت أخططُ في ساعديك هلالاً

وبرقاً وأغنيةً

فلماذا تخافُ وأنت معي

والسماءُ لجينيةٌ

والنوافذ جذلى

الخزامى،الخزامى

عرارُ البوادي

وسعف النخيل سريرٌ

وصدرك متكئي وملاذي

آلضحى يتمرغ بالماء والعشبِ

بالعشب والغيمة الساطعة

منتشياً بنشيد دمي

وعبيرُ النشيد يفوح :

تعالَ ..

سأعطيك مروحتي

وعبيرَ أغنيتي

وضفيرة حزني

انتظرني.. على الضفة الثانية

حيث شمسُ الضحى بانتظاري

آلمواعيدُ مترعةٌ

والمنى آمنة  ..

**

تذوب اللحظاتُ بين صمتك وظلالي

وما يمكنُ أن يقود إلى الجنون ليس الشكُّ

بل هو اليقينُ ذاته.هكذا يؤكد نيتشه

- وأنا أتمرغ في خوفك بطمأنينة الموتِ

ودهشة الحياةْ

نصمتُ منتظرين وحياً لا يجيء

نصمت ملتبسَيْنِ بعبير التجربة

ربِّ أدخلني بابها  كي أبصر علاكَ

وأستسلمَ لمجاري الأقدار

أناديك، لا تسمع ..

أناديكَ، يضيعُ النداء:

لك جناحٌ واحدٌ ولي جناحان

فأين المفرُّ مني

وصمتك ملتبسٌ بأغنيتي

كلما قطعتَها بسطوة عنادكَ

عاودت الهديلَ بجنونٍ سعيد

ولهفةٍ معطوبةٍ بالتمني

نافرةً من حكمة الوصايا

وملغومة بجذوة الوصول

مؤمنة بأن الحكمة شريعةُ الجبناء

وأن اقتحام الموت غاية تُدرك

وهل الموتُ إلا غيابك..!

الحكمة شريعة المهزومين من المبادرة،

المنضوين في الظلال..

تنزوي نجمةُ الصباح بعيدا

تختبئ الياقوتة في عبير أردانك

تتوهج  ..

تأخذني نحو القرى البعيدةِ

حيث .. لا ... قرارَ

إلا بهذا الشغف المتعالي ..

عصياً على المهادنة ..

ومبرءاً من راهنية الموت في الحياة

وهو الحبُّ صراخ الصحارى

وكوكبُ التحدي .. ..

ووجع اللاهثين وراء الإعصار

يطلع في عز النهار ويقارع الشمس

يطلع في عز الليلِ ويتحدى المكيدة

لا تخف مني

لا تخفْ  ..

فأنا لا أرتكب ذنوباً خطيرة

لن أقول لكَ مثلاً ....أحبكَ.

ولن أرسلَ لك رسالة بيد شقيقي الصغيرِ

فتضيعُ في الطريق

وأحرصُ على جهلي بـ.. رقم هاتفك

لئلا أسمع صوتك وأعتاده

ففي السجون تمنع الهواتفُ

وتُحرّمُ الزياراتُ الشخصية

إلا في المناسبات العامة

حيث يضيعُ دمُ الجريمة.

لن أقف على الشرفة بانتظار عودتك ..

ولن أرمي نافذتك بوردتي الحمراء

فأمي رحمها الله تنفذُ بحذرٍ وصايا أبي..

تقفل الأبواب والشبابيك

وتوصد شُرفَ المنزل المطلة على شارعين

وتضع المفاتيح في جيب ثوبها الزاهي

بأجمل ورود الربيع ..

وأنا لا أعصي الأوامر أبداً

بل أجلس في غرفتي العالية

وأداوي بحذرٍ جروحَ قلبيَ العليل.

وأنا .. لن أقول لك اليقينَ

لئلا تهرب ..

لن أخبرك بصهيل الخيول

التي دعست روحي

وتركت أسراريَ الأنيقةَ لخيانة الحنين

للسراب الذي يضحك من يقينك

ويمنح الحرية وسام القيود

أقول لك، لا يقينَ في نعيم المحبة

لا يقين في بؤرة المراكز

فجّرْها لتجدها ألفَ بؤرة

تتشظى على وسع الملكوت

أعنّي عليكَ، أعنّي

على الطفل الصامت في عينيك

القادمِ من عصورٍ جليديةٍ

استعصت على شمسٍ ربيعية

على الشجر الدائر حول أسوارك ..

وعلى الخوف المتربص بمواعيدِ حضورك

لأنك ترى الأرضَ أكبرَ منا ..

وأراها كصبيرة ناتئة

تتمرغُ في خوفك بطمأنينة الموتِ

ودهشة الحياة ..

نصمتُ منتظرين وحياً لا يجيئ

نصمت ملتبسَيْنِ بعبير التجربة

تنسلُّ نجمةُ الصباح من شرفتي

وتنزوي بعيدا

تختبئ في عبير أردانك

تأخذني نحو القرى البعيدة

وتحت مصابيح بلابلي النائمةِ

في ظلال غصونكْ

كان العشبُ يضيء حروفَ المسلات

وكانت الكلمة تذعن لإرادة القناديل

تنجلي مرةً وتعتم أخرى

لتُرضِعَ الجذورَ حليبَ الانتماء

كانت البروق تفزعني

وأنت مأخوذٌ بارتجاف دمي

بدوار الأرض حولي

مردداً.. لا تخافي

وتنسى أنني مخلوقة من خوف

أنتظرك .. وستجيء

على رمل الأماني الفادحة

وزبد بحارها المدلهمة

أنتظركَ تحت مسلات الحرية

وأعمدة الأناشيد المحرمة ..

أنتظرك في غياهب الفتنة

في منعرجات نعيمِ أهل الجنة

يتجددُ ولا ينفد

أقمتَ أعمدة الليل حولي

وأطلقتَ البروق

وقلتَ للشمس أجلي المواعيدْ

فمن يطفئُ فحمة الليل الا مُشعلها

وبدونك عمياءُ أصابعي

وخائفةٌ حصاتي

وموجكَ أعلى من نور الأنوار،

أعلى،

وأكثرُ طمأنينة من الموتْ

**

صمتت لغاتُ الله في عينيكَ

في كفيكَ

في أرجاء قلبي

في نوافذ غربتي واغترابك

مالت عليك قصيدةُ المنفى

وغنت ...

يابهيَّ الطولِ :

مُرَّ بشرفة المشتاقِ ..

مُرَّ بشرفتي .

***

بشرى البستاني

 

 

 

في نصوص اليوم