نصوص أدبية

أنور بن حسين: أجنحة الرّوح

أهَلْ مِــنْ عَلِيمٍ بِالمَكَامِنِ عَالِمُ

وبَيْنَ النّجُومِ السّابِحَاتِ عَوَالِمُ

عَلَى الأَرْضِ أَجْنَاسٌ تَنَامُ جُفُونُهَا

وَرَبِّي بَدِيعُ الخَلقِ للكَوْنِ نَاظِـــمُ

تَجَلّتْ بِأعْتَابِ الفُؤادِ سَوَاكِـــنُ

تَرَاءَتْ مَقَامَاتٍ لهَا القَلبُ قَائِمُ

وتَحْتَارُ نَفْسِي مِنْ عُزُوفٍ ورَغْبَةٍ

فيَنْتَابُهَا حِسٌّ جَمُـــــــــوحٌ ونَاعِمُ

بَدَوْتُ كَأنِّي الضَّوْءُ يَهْفُو لِسَائِلٍ

فبَانَتْ بِأعْمَاقِي شُمُوسٌ تَلَاطَمُ

ومِلتُ بِكُلّي صَوْبَ مَسْجِدِ مَكَّةَ

أصَلّي فَيَرْوِينِي النّدَى والنّسَائِمُ

رَكِبْتُ المُنَى أَرْجُو سَلامًا ورَحْمَةً

وإِنِّي عَلَى كَسْبِ المَعَارِفِ عَازِمُ

بِفَضْلِكَ يَا رَحْمَانُ تَأتِي الفَضَائِلُ

وكَمْ لِي إِلَهِي مِنْ لَدُنْكَ مَكَـــارِمُ

بِبَابِكَ يَرْقَـــى العَابِدُ المُتَعَبِّدُ

ويَفْرَحُ مَنْكُودٌ وتَفْنَى مَظَالِمُ

وكُلُّ جِهَاتِ الرُّوحِ تَصْبُو ِلنُورِكَ

تَسَامَيْتَ رَبَّ العَرْشِ مُلْكُكَ دَائِمُ

وعَلّمْتَ أَسْرَارَ الوُجُــــــودِ لِآدَمَ

وفِي الغَيْبِ أسْرَارٌ لَهَا أَنْتَ عَالِمُ

و هِمْتُ وكَمْ كَادَتْ تَكِيدُ الهَوَاجِسُ

وسِرْتُ بِظِلِّ اللّيْلِ والفِكْرُ هَائِـــمُ

وأَيْقَنْتُ أَنْ لَا شَيْءَ يَسْمُو كَشَأنِكَ

فَأنْتَ الّذِي تُعْطِي ووَحْدَكَ حَاكِمُ

فَلَيْتَكَ تُدْنِينِي إِلَى النّورِ خَالِقِـــــي

دُنُوّا وقَدْ ضَاقَتْ بِنَفْسِي العَوَاصِمُ

أَيَا سَامِعًا سُؤلِي خَفِيًّا بِخَافِقِي

لَدَيْكَ مَفَاتِيحُ الهُدَى والخَوَاتِمُ

فَكَيْفَ بِإصْلَاحٍ سَدِيدٍ لِأَمْـرِنَا

وقَوْمِي نِيَامٌ لَيْسَ مِنْهُمْ مُقَاوِمُ

سَقَتْنَا اللّيَالِي مِنْ دُجَاهَا صَبَابَة

وأعْدَاؤنَا بِالأَرْضِ كُثْرٌ تُسَاوِمُ

وإِذْ أُغْمِضُ العَيْنَ البَصِيرَةَ حَالِمًا

أمُرُّ بسُورِ القُدْسِ والقَلْبُ وَاجِــمُ

أدَارِي وأَرْضُ الشّامِ ضَاعَ شُمُوخُهَا

وكُلُّ المَآسِي لَا تَفِيهَا مَعَاجِــــــــــمُ

وتَبْكِي عَلَى جَفْنِ الفُــرَاتِ قَصَائِدُ

وتَدْمَعُ مِنْ شَهْدِ الحُرُوفِ سَوَاجِمُ

ويَنْزِفُ صَوْتِي مِنْ ثَنَايَا جَوَانِحِي

لِيَكتُبَ أحْزَانًا سَقتْهَا المَلَاحِــــــمُ

أفِيقُوا بَنِي أرْضِي لِدَهْرٍ يُغَالِبُ

أفِيقُوا فَإنَّ الوَقْتَ سَيْفٌ مُلَازِمُ

فَأيْنَ أكَالِيلُ المُلُوكِ وقَيْصَـــــرُ

وكِسْرَى، فَمَنْ ظَنَّ البَقَاءَ لَوَاهِمُ

سَيَنْبُتُ فِي المَجْهُولِ حُلْمٌ لِفَارِسٍ

لِيَرْفَعَ رَايَاتٍ عَفَاهَـــــــا التّقَادُمُ

ويَنْهَجُ نَهْجَ المُصْطَفَى والأوَائِلِ

يَسُلُّ فَلاحًــــــا لَيْسَ فِيهِ هَزَائِمُ

وإِنْ كَانَ لِلأَوْهَامِ بَيْتٌ وعَاقِبُ

سَتَكْبُرُ أَحْلَامٌ تَلِيهَا العَــــــزَائِمُ

***

الشاعر: أنور بن حسين / تونس

في نصوص اليوم