نصوص أدبية

دافيد بيلبين: في مكان حار

صالح الرزوقبقلم: دافيد بيلبين

ترجمة: صالح الرزوق


 دفعوك إلى خارج المطار. وغلفوا رأسك بكيس.

سألتهم: "لماذا؟".

لكن لو كان بمقدورهم أن يسمعوا، لم تكن لديهم نية بالرد.

سألت: »أين أصدقائي؟».

كان معك اثنان. وطائرتك ستغادر بغضون ساعة. هل سيعود الصديقان إلى البلاد من غيرك؟. ألقوا بك في مؤخرة شاحنة. سألت:» لماذا لا تفتشوني؟. لم أرتكب أي خطأ. وكنت بعطلة».

لم يردوا. ولكن انتزعوا الكيس واستبدلوه بعصابة للعينين. وألقوا بك في طائرة. وحينما غادرت الطائرة، وجدت نفسك بمكان حار. سألت: »أين نحن؟».. لم يرد أحد. انتزعوا عصابة العينين. ووجدت نفسك في جو مظلم. أعادوا رأسك إلى الكيس، وأصبح التنفس صعبا، ولكن على الأقل لم يمكنهم رؤيتك وأنت تبكي. شعرت بالجوع. ولكن منعتك عزة نفسك من التشكي. وبين حين وآخر كانوا يعطونك قطرات قليلة من ماء في زجاجة. وكان طعم الماء راكدا ومرا. وفم الزجاجة أضر بفمك المتيبس. نقلوك إلى زنزانة. ولم تكن تعلم إن كان الوقت في الليل أو النهار. طوال الوقت كنت تسمع أصوات صياح وصرخات. ولكن لم تفهم معنى الأصوات. فبدأت تصرخ بدورك وتقول:» كنت في رحلة استجمام. ولم أقترف أي خطأ».

لم يظهر أحد.

تابعت تحتج:» لا أحمل قنابل. لماذا قبضتم علي. وليس أصدقائي؟ أم أنهم بقبضتكما أيضا؟».

ومرت الأيام. انتزعوا العصابة عن العينين. وعلى الأقل بدأ الاستجواب.

«لماذا كنت هناك؟ ماذا فعلت؟ من هم معارفك؟ بمن التقيت؟ وماذا طلبوا منك؟».

كانت الغرفة بيضاء. ولكن الجدران مغطاة في الوقت الحالي بالبقع. وكانت بقعا دامية، أو أنها قيء وبول وبما أسوأ. وكانت رائحة الغرفة لا تختلف عن رائحة دورات المياه. وربطوك بكرسي وربطوا معصميك بأغلال من بلاستيك. سألت:»ماذا أفعل هنا؟».

قالوا: »لماذا تسأل؟».

قلت: »لم أرتكب ذنبا».

قالوا: »إذا عليك أن لا تقلق».

قلت:»أنا في الخامسة عشرة فقط. وأريد أن أرى والدي».

«وهل كان والداك معك؟».

«لا. كنت مع أصدقاء. هل صديقاي هنا أيضا؟».

«كلا. هل وافق والداك على سفرك؟».

أخبرتهم تقول:»بل دفعا تكاليف الرحلة».

وكنت تريد أن يعلموا أن ما يجري مجرد خطأ عابر. فأنت كنت في رحلة. كانت مجرد عطلة. وأنت لست إرهابيا. ولا ترغب بالعنف. ولم تقابل إرهابيا في حياتك. ولا تفكر بالانقلاب على أحد. وتريد العودة للبيت فقط.

قالوا:»هل حقا دفع والداك التكاليف؟. ربما علينا أن نحضر أبويك إلى هنا أيضا».

«ولكن ماذا فعلت؟».

«عليك أن تخبرنا أنت ماذا فعلت؟».

لم يكن لديك شيء تقوله. لذلك قلت «ليس عندي شيء». وكان أسوأ جواب ممكن. جاء المزيد من الرجال. وأعادوا غطاء الرأس لمكانه. وبدأ الضرب. ضربوك على كعبي قدميك. وضربوك على رأسك. ولطموك في بطنك. وكانت الضربات على أمكنة لا تترك علامات مرئية. لكنها تؤلم جدا. وتمنيت لو يوجهوا المزيد من الأسئلة. وتوسلت إليهم أن يعيدوا استجوابك. وقلت:»سأقول أي شيء تريدونه». ولكن أحدا لم يصدقك. وكانت الأسئلة مكررة. «أين ذهبت؟ لصالح من تعمل؟ وماذا فعلت؟ وأين كان مكان نشاطك؟ بماذا تؤمن؟ ومن ستقتل حسب الخطة؟ومن هو شريكك؟».

قلت:»لا أريد أن اقتل أحدا».

قالوا:»نحن جميعا نفكر بقتل شخص ما».

«لماذا لا تطلقون سراحي؟ لم أفعل شيئا».

قالوا:»كلنا ارتكبنا شيئا ما».

«أريد محاميا».

ضحكوا قائلين:»ليس لديك أي حقوق هنا».

سألت:»أين أنا؟».

«في مكان مجهول. أخبرنا لصالح من تعمل».

قلت:»لا أعمل لصالح أحد».

ولكن لم يصدقوك. عروك من ثيابك. وربطوك بلوح خشبي. وكان فيه ثقب. صبوا الماء من الثقب. وبدأت تختنق.

قلت:»سأقول أي شيء».

انتزعوا الكيس. واخترعت الحكايات. وأخبرتهم بما أرادوا أن يسمعوا منك حسب تقديراتك. ولكن أيضا لم يصدقوا. فربطوك بلوح آخر. و ثبتوا الكيس مجددا. فقلت:»أنا من فعل ذلك. أي شيء يدور في أذهانكم أنا هو الفاعل. لقد فعلتها».

وجاءت محامية. فأخبرتها بما جرى. قالت: أين الرضوض. قلت: كانوا حريصين على عدم ترك آثار رضوض.

قالت المحامية:»استغرق أهلك عدة شهور ليحددوا مكانك. اعتقدوا أنك ميت. ماذا فعلت؟».

قلت:»لم أفعل شيئا».

قالت المحامية:»الجميع يبرئ نفسه. لكن بالعادة توجد أسباب. ماذا فعلت؟».

لو كنت تعلم الجواب لما ترددت بالاعتراف. فقلت:»لا شيء».

قالت المحامية:»سأحاول أن أحررك».

سألتها:»هل لدي حقوق؟».

قالت المحامية:»لا أحد لديه حقوق في هذا المكان».

انصرفت المحامية. ولم تعد أدراجها. وأودعوك في زنزانة لعدة أسابيع بلا نهاية. ولم تتبادل الكلام مع أي شخص. ولكنك حاولت أن تحلم. انتابتك أحلام بائسة. وكانت أحلامك تناسبهم. فأنت إرهابي. وفي أحلامك أدركت لماذا يصبح الناس إرهابيين. لأنك تكره الناس الآخرين.

كنت على مشارف العام السادس عشر. ولكنك لست متأكدا من التوقيت. لم يكن هناك ساعات ولا تقويم. ثم منحوك هدية عيد ميلاد. وآلمك ذلك كثيرا. فطلبت استشارة الطبيب. ووفروا لك الفرصة.

قال الطبيب:»تبدو لي بصحة جيدة».

«تدعي أن هذا طبيعي؟ أنا لا أستطيع تحريك ذراعي».

«لا تزال عيناك بمكانهما. وقدماك أيضا في نهاية ساقيك».

سألته:»هل أنت طبيب فعلا؟».

ضربوك مجددا. سألوك المزيد من الأسئلة. وآذوك مجددا. وضاعفوا الأسئلة. وكانوا يضربونك بأسئلتهم. ضربوك بمزيد من الأسئلة. كان استجوابهم ضارا. وعاودوا الكرة. وأضرت بك أسئلتهم. كانوا كأنهم يرجمونك بها.

قالوا لك:»أنت لست واحدا منا».

فقلت لهم:»أنا لست واحدا منكم».

بعد فترة طويلة جاء محام آخر. قال:»لديك حقوق إنسانية» لكنك لم تصدقه. وأردف:»وبعض الناس يستفسرون عنك». فسألت من هؤلاء الناس. قال المحامي:»والداك يريدان زيارتك. ولكن لم يسمح لهما».

قلت:»لا أريد لأن يراني أحد وأنا على هذه الحال».

سألني المحامي:»ماذا فعلت ليعتقلوك هكذا؟».

«كنت في رحلة استجمام».

سألني:»أين كنت خلال الرحلة؟».

«لأصدقائي أهل هناك. ومكثنا عندهم».

«هل عانت عائتك أو أصدقاؤك من مشاكل؟».

«لا أعلم. ربما».

قال المحامي:»هذا الجواب غلط. أنت وكل معارفك أبرياء. وإلا فأنتم مذنبون. هكذا يعمل النظام».

قلت:»وكيف يمكنني أن أجزم؟».

قال:»عليك أن تردد ما ألقنه لك».

فكررت أقواله. وانتظرت. وطال الانتظار. ووجهوا لك المزيد من الأسئلة. وأصبح بمقدورك أن تلاحظ أنهم ضجروا.

«هل أنت منهم؟. أم منا؟».

قلت «لا». وبإصرار. وبعد فترة طويلة تعبوا من توجيه الأسئلة لك. ووافقوا على إطلاق سراحك. ما دام لا أحد يبالي بك. وحافظت على هدوئك. وحرروك في النهاية.

شعرت عائلتك بالسعادة لعودتك إلى البيت. وأسعد أصدقاءك رؤيتهم لك. وأسفوا لأنهم تركوك وراءهم. ثم تابع أصدقاؤك حياتهم. أما أنت فقد تبدلت. ولاحظت نفس الشيء على زمرة الأصدقاء.

ذهبت إلى الجامعة لتدارك ما فاتك. وعقدت صداقات جديدة. وشرحت لهم أين كنت. تأثر بعضهم. وآخرون طالبوك بالانضمام للمعركة. قالوا: وأنت تعلم من هو عدوك. وتعلم من ماذا هو خائف. وألحوا عليك قائلين: ساعدنا لننال منهم. رد عليهم الرد الذي يستحقونه. قالوا لك:»ماذا لديك لتخسر؟ هل تريد أن يعتقدوا أنهم ربحوا؟».

لم تكن خائفا. وأخبرتهم أنك ستفكر بالموضوع. وفكرت به. فكرت طويلا. ولم تكن خائفا.

لقد فكرت بالموضوع فعلا.

 ***

...........................

* القصة من مجموعة مختارات بعنوان «قصص جرائم، قصص أشباح»

* دافيد بيلبين David Belbin روائي إنكليزي من مواليد شيفلد. يعيش في نوتنغهام. ويعمل بشكل مؤقت في تدريس الكتابة الإبداعية في جامعة ترينت. من أهم رواياته - الممثل 2008، عظام وقصب 2011، ما لا تعرف 2012، الطالب 2012، الوهم الكبير 2015، وصدرت له مجموعة قصص عام 2016 بعنوان الإثبات  ....

 

 

 

         

 

في نصوص اليوم