نصوص أدبية
وحيد خيون: يا غربةَ الرّوحِ

يا غُرْبةَ الروحِ ضيقي مثلَما ضاقوا
وشَوِّقيني لمَن للغيْرِ يشتاقُ
*
يا غربةَ الروحِ مثلَ الليلِ مُطْبِقَةٌ
ياليتَها كالسّحابِ الفضِّ تنْساقُ
*
يا شوقَ أعماقِ قلبي يا لهيبَ دَمِي
أنا بهِ شاردُ التفكيرِ مُنْساقُ
*
عيناك تعني غروبَ الشمسِ يا وسطاً
بهِ لكلِّ عيونِ الناسِ إشراقُ
*
يا ليلَ (لندنَ) مالي فيكَ مِن هَدَفٍ
فإنني للعراقِ الطَلْقِ مُشتاقُ
*
كأنَّ كلَّ حياتي في العِراقِ غدَتْ
والموتُ قبلَ أوانِ الموتِ خَفّاقُ
*
حتى الذينَ يُواسيني تقاعُسُهُم
أضحى لهم بعدَ ذاكَ الناي أبواقُ
*
مُشرَّدُ البالِ ليلي كلُّهُ أرَقٌ
ما عادَ بيني وبينَ الصِّدقِ مصداقُ
*
ما نمتُ بالليلِ فيها فَهْي سارقةٌ
وكيفَ أغفو وحولَ الدّارِ سُرّاقُ
*
لا نَخْلَ لي فيكِ كي عيني تَقِرَّ بهِ
يا ظلَّ سَعْفي الذي تعلوهُ أعذاقُ
*
أصابعي فيكِ قد صارتْ سواسِيةً
وطالما ذلَّ للعصفورِ لَقْلاقُ
*
والآنَ والبردُ يُومي لي براحَتِهِ
بحيثُ لا يُسْعِفُ المعشوقَ عُشّاقُ
*
عُودي تَجَرَّدَ مِنْ أغْصانِ موطِنِهِ
فما كَسَتْ عودِيَ المكسورَ أوراقُ
*
أرى بعَيْنِ أسيرٍ كلَّ عابِرَةٍ
ولي أنا مثلُ كلِّ الناسِ أحداقُ
*
مُحاصَرُ القلبِ حتى في مُخاطبتي
لي في خطابكِ أغلالٌ وأطواقُ
*
يا غربةَ الروحِ ما للروحِ من وطنٍ
ولا لسانٍ لهُ في الغربِ إطلاقُ
*
إذا تناقضَ شخصٌ في مقاصِدِهِ
مَشى الفؤادُ بما لا تشتهي الساقُ
*
أسقي بماءِ عيوني نَبْتَ خاطِرِهمْ
وإنني بحديثِ الحُبِّ سَبّاقُ
*
باعُوا جميعَ تفاصيلي بلا ثَمَنٍ
ضاقتْ بمِثلي دكاكينٌ وأسواقُ
*
فقد يبيعونَ ما لا يشتري أحدٌ
لا يشتري الصادقَ المعروفَ أفّاقُ
*
ياغربةَ القلبِ لكني أُرافقُهُم
دوماً وتَحْمِلُهُمْ في القلبِ أعماقُ
*
وقلتُ نبعي سيَجْري في سواحِلِهِمْ
ولم يمُرّوا وعندي الماءُ رَقْراقُ
*
إنْ كانَ لا يجْذِبُ الشلالُ مُكْتَئِباً
فالصوتُ باقٍ ومجرى الماءِ دَفّاقُ
*
ياغربةً لكِ مني ما يُعاصِرُني
وما مضى فأذيقيني الذي ذاقوا
*
لو المصالحُ كانتْ فيكِ طاغيَةً
فما لها قَطُّ في دنيايَ ميثاقُ
*
للهِ مافيكِ شيءٌ أستعيضُ بِهِ
عمّا تولّى وذَلّتْ فيكِ أعْناقُ
*
عَجِبْتُ إذْ أصبَحَ الإنسانُ مِنْ ورَقٍ
رَخْصاً ولا يقرأُ الأوراقَ وَرّاقُ
*
إذا الجمالُ تناهى ليسَ يُبْصِرُهُ
إلا جميلٌ كبيرُ القلبِ ذَوّاقُ
*
ظننتُ أنّ غيابي لا يروقُ لهم
والبعضَ منهم إلى لقيايَ مُشتاقُ
*
أيّامُهُم قاسياتٌ كيفَما ورَدَتْ
كأنّها في رُفوفِ القلبِ أطباقُ
*
ذنبي أنا طيِّبٌ جدّاً ومعصيتي
عندي وإنْ شحَّتِ الأخلاقُ أخلاقُ
*
هذي سمائي بنفسِ اللونِ صافيةٌ
وإنني لعيونِ الناسِ آفاقُ
*
ضاقَتْ على حالي الدنيا فما رجَفَتْ
أقداميَ السُّمْرُ أو زلّتْ بيَ السّاقُ
***
وحيد خيون - لندن
02/12/2015