نصوص أدبية

نضال البدري: المقهى

شعرت بالدفء ونسيت صقيع ستوكهولم، حين التقيت به في المنفى وهو يحمل نفحة من نسيم الوطن بكلماته البغدادية الجميلة. التي تضم بين طياته مفرداتها الأنيقة المعروفة .

كان مستمعا جيدا ومحبا ومتذوقا للشعر، ردة فعله وهو يضرب الطاولة بكفه حين يعجبه بيتا من الشعر، تجعلني انفجر من الضحك، ومما يدفعني لأردفه ببيت شعر اخر ليطلب لي كوبا ساخنا من القهوة واحدا تلو الاخر ويطالبني بالمزيد .

كان الوقت يمر دون ان نشعر به وخصوصا مع شعر الغزل الذي كان يثملنا، مع تصاعد سحب دخان السجائر فوق رؤوسنا. كانت وكأنها تسترق السمع لحديثنا، وكلما اطلنا الجلوس نزيد من بقشيش العامل الذي كان دوما يقف مبتسما في احد اركان المقهى ينظر الينا مع انه لا يفهم من حديثنا شيئا.

انا ايضا كنت اصغي له بل واستمتع كثيرا حين يقص علي مغامراته العاطفية مع النساء وخصوصا الشقراوات منهن، بشرته السمراء وشاربة الغليظ أضاف له سمه جديدة لم تألفها النساء هناك مما جعله زير نساء بامتياز .

الاجواء في ذلك المقهى مختلفة تماما عن اي مقهى اخر، كانت عبارة عن بغداد مصغرة، الصور التراثية القديمة المعلقة بالجدران وصوت الاغاني القديمة، كانت تضفي لنا شعورا مختلفا لحياة تحاكي حقبة جميلة من الزمن تثير فينا اوجاع الوطن. وتكتسح الحديث عن جسد اجمل النساء، وأجمل بيت شعر ممكن ان يكتب، كانت تحول اصوات تلك الضحكات الى صمت مطبق، وعيون تجول بنظراتها فوق جدران ذلك المقهى وصوره التي يخنقها الدمع، سرعان ما تتحول تللك الطاولة الى مقبرة لأعقاب سجائر موحشة.

***

نضال البدري

في نصوص اليوم