نصوص أدبية

البشير عبيد: الضفة الأخرى من يافا

لم نكن ندري ان في الشرق القديم

بلادا يطير منها الحمام بإتجاه

التلال المتاخم للظلال

ورقات المدى ضاعت منها طقوس

الليالي

واخضرار العشب قبل مجيء العربات

هنا يداي تسأل عن خطاي

وارتماء الجسد العليل في المياه

صامتا تراه الجموع صبيحة الخامس

من ايلول

ليس في الحقيبة ما تتدعيه التقارير

و ليس في ذاكرة الأقاليم  مباهج

للجنود الذين اتوا من الأساطير

من بعيد يصيح الرجل الشريد:

هنا يافا..مهجتي وبوصلتي

لا مكان هنا لاصوات الأنين

بامكان الأيادي ان ترفع الرايات

و تنحني الجباه للنور الطالع من الاسوار

فتيان الحي العتيق على مقربة من العاصفة

وعشاق الشرق القديم

ليس لهم دفاتر ولا موسيقى

قبل مجيء عربات المياه

باغتنا الولد الكسيح بالعناق وحكم الأجداد:

لا تخف من عيون العسس

هذي بلادي ولهم خرف الأساطير

يافا..درة الشرق المتاخم للحنين

ذاكرة الأقاليم

نوارة الروح

الذهب الخالص على شجر السنديان

موسيقى الغجر في عتمة الليل

ذهول الجنود امام الفتيان الجالسبن

على عتبات الثكنات....

هنا التقى النبلاء والسفهاء

اللاهوت والأتباع والأنصار وما تبقى

من صفحات الزمان البعيد

كم يلزمنا من أيام لترميم السور القديم

واسكات القلق المتنامي في الجسد

الأمهات الهاربات من جحيم المرحلة

ليس في أجسادهن سوى دهشة الرؤيا

وارتواء المكان من النبع البهي

في الضفة الأخرى من يافا

تاخذك الخطى إلى مدارات الرؤى

وتسأل العابرين:

أين أصوات غسان ودرويش وصيحات

سميح...؟

لم نكن ندري ان في الأقاليم ذاكرة

للصوت

وعلى جدران المدينة كتبت اسماء النساء

اللواتي عشقنا ضباب الغيوم

وارتباك  الاتين من الشمال والجنوب

هذا التراب لي ولهم ارق الرحيل

هذا السور القديم لي ولاحفاد ناجي

بامكانهم ان يناموا سنوات على عتبات

المدى

و لكن لن ينعموا سوى بالسراب......

***

البشير عبيد/ تونس

28 سبتمبر/ايلول 2022

 

 

في نصوص اليوم