نصوص أدبية

عبد القادر رالة: أشجار اللوّز

لو أنك جئتَ معنا يا ميسوم إلى الوادي الباقي لاستمتعتَ بثمار اللوز اللذّيذة، ولتسلقتَ الأشجار بنفسك، وقطفتَ الثمار بنفسك أيضا ...

متعة كبيرة كنت ستدّركها وأنت وسط الأشجار، تنتقل من شجرة إلى أخرى، وقد تتوقف طويلاَ عند هذه أو عند تلك؛ تتريث عن الشجرة ذات الثمار الحلوة، وتُغادر سريعاً ذات الثمار المرّة...

أعرفُ أنك تعودتَ انتظارنا في البيت لكي تحصل على نصيبك من اللوّز مثل أمي وأختي، أما أبي فإننا نُخفي عنه كيس اللّوز،  أو القشور فإن رآها فإنه يُوبّخنا بعنف وأحياناً يقتص منا بالركلات والصفعات، فهو لا يحبذُ أبدا أن يدُق سي شلفي على بابه ويقول له غاضباً أن أولاده يسرقون لوزّه! وعليك أن تشتدّ في تربيتهم...

أنت لم تصحبنا ولو مرّة إلى الوادي الباقي إلا أنك ترهبُ سي شلفي، وبسببه لا تريد أن تُرافقنا. سي شلفي ذاك الكهل النحيل، طويل القامة، حادُ العينين، قليل الكلام الذّي لا يمل أبدا من مطاردة الأطفال في موسم نضوج حبات اللوّز ...

نحن لا نخشاه، أعني نحن مثل باقي الأطفال نهابه لكن نتحايلُ عليه. وفي كل مرّة نذهبُ إلى الوادي الباقي نعينُ طفلاُ يهتم بالحراسة فقط،  وحينما يلمحه من بعيد مقبلاُ، راكضاَ أو مهرولاَ، يصفرُ أو ينادي بصوت عالِ،  نهبطُ من الأشجار، وبسرعة نحملُ أكياس اللوّز ثم نعدو نحو مدينتنا الصغيرة ...

وكثيرة هي المرات التي يجدّ في ملاحقتنا حتى في المدينة، فما علينا إلا أن ندخل بُيوتنا نخبئ أكياس اللوز جيدا ثم نبدل ملابسنا.. من كان يلبس الأحمر يرتدي بدله الأخضر، ومن كان يرتدي سروالا اسودا يبدله بأخر بني..

فسي شلفي لا يعرفنا ولا يعرف أسمائنا، ولا يتذكر ملامحنا وإنما يلمح من بعيد ألوان ملابسنا فأسرع ما نبدلها، ثم نخرج إلى الشارع، وأحيانا نلتقيه ونحييه، فيبتسم لنا ونبتسم له !

ما أسهل أن تستمتع باللوز اللذيذ ...

وما أسهل أن تركض لما تسمع الصفير ...

وما أسهل أيضا أن تخلع قميصك الأزرق وترتدي الأرجواني ....

*** 

عبد القادر رالة

 

في نصوص اليوم