نصوص أدبية

نضال البدري: الحلم وفنجان القهوة

لا أحد يدري كم من الايام مضت، وهي تبحث عن عمل يؤمن لها قوتها اليومي. ساورها القلق حين بدأت صحة والدتها تتدهور فما كان عليها سوى القبول باي عمل حتى لو كان تحت مسمى (خادمة).

وعن طريق احدى اقاربها من النساء وافقت على العمل في بيت رجل مسن يسكن في منطقة تقطنها العوائل الثرية والميسورة. كان المنزل يبدو كبيرا جدا من الخارج ربما بقدر منزلهم أربع مرات، توقفت ونظرت الى باب المنزل الكبير ثم طرقته، ففتح لها الباب رجل انيق يبدو انه في منتصف الستينات من العمر، نظر اليها وهو يقول: تفضلي، فقالت بحياء انا العاملة الجديدة رحب بها ثم دعاها الى الدخول.

أخبرها بنوع وطبيعة العمل في المنزل فلا يتعدى الامر سوى تنظيف بعض الاثاث واعداد الطعام لثلاث ايام في الاسبوع مقابل مئة ألف دينار اسبوعيا. شعرت بانه اجر مجزي لذا طلبت منه ان تبدأ بالعمل مباشرة، أشار اليها براسه موافقا. كان الأثاث في الصالة قديم وثقيل يحمل لمسات الزمن الماضي، ذكرها برائحة الأزقة القديمة، الانارة في غرفة الاستقبال خافتة، الا من ضوء ينبعث من شاشة التلفاز حيث يعرض على احدى القنوات فلما عربيا بالأسود والأبيض. لهذا الرجل مهابة واناقة ملفتة للنظر، مع أنه كان يتابعها بعض الاحيان بنظراته من حيث يجلس بمكانه المعتاد في الصالة او الاثير لديه وابدى اعجابه بنشاطها في العمل. في الاسبوع الثاني لها طلب منها ان تعد له فنجان قهوة، واحضار علبه السجائر واشار الى درج المكتب. كان قد تركها هناك منذ زمن، لان الطبيب قد منعه منها، قال لها: لا اعلم لماذا اصبحت لي رغبة في التدخين، نفث دخان سيجارته وتنهد قائلا كل شيء يزورنا كثيرا الا النسيان يأتي متأخرا. لقد توفت زوجتي منذ خمس سنوات، كانت سيدة فاضلة لم تفعل شيئا يعكر مزاجي طيلة سني زواجنا، انجبت لي ولدان هما الان متزوجان ونادرا ما يأتون لزيارتي لأنهما خارج البلاد. اعتدت العيش هنا لوحدي، قبلك عملت في هذا البيت امرأة مسنة تركت العمل لان اولادها لم يسمحوا لها بالعمل لأنها كبرت وتعاني من امراض عدة، كانت امينة وتعمل بإخلاص، رفع سبابته قائلا في المرة القادمة لا تضعي سكرا في القهوة، انا اعاني من مرض السكري، وأحيانا مزاجي يكون متعكرا، قالت: حسنا سأفعل ذلك.

انهت عملها وغادرت المنزل، كانت والدتها بانتظارها اخبرتها كعادتها عن تفاصيل عملها في ذلك المنزل مع الرجل المسن الانيق الذي ينحدر من طبقة ثرية في المجتمع. كان عليها ان تصحوا مبكرة كي تذهب وتعد الفطور لهذا الرجل قبل ان ينهض من النوم. وعليها ايضا ان تقوم بتنظيف غرفة المكتب التي كانت تحوي مكتبة كبيرة تضم المئات من الكتب وعشرات شهادات التكريم المؤطرة التي علقت على جدران الغرفة، قال لها بإمكانك المغادرة عندما تنهين عملك.

لفت نظره جسدها وجمال ضفيرتها السوداء الطويلة وهي تعاكس عجيزتها حين تروح وتجئ. سألها باهتمام: هل انت متزوجة؟ فأجابته نعم. فرد عليها على الفور وكيف يقبل زوجك بان تعملي في البيوت وانت بهذا الجمال. أطرقت بخجل، انا منفصلة، سألها هل لك اولاد، اجابت نعم بنت صغيرة فقط. طلب منها رقم هاتفها لربما يحتاجه لو حدث وجاء لزيارته أحد الضيوف، او حدث طارئ ما.

في اليوم التالي استيقظ مبكرا واخذ حماما ولبس ثيابا انيقة ووضع عطرا ونظر الى الساعة لم يبق على وقت قدومها سوى نصف ساعة، عندما مرت هذه الدقائق ولم تحضر انتابه القلق ولاحظ انه دخن عدة سكائر بينما تركز نظره باتجاه الباب واخيرا وصلت بعد طول انتظار سألها لم تأخرت؟ قالت له ابنتي مريضة وحرارتها مرتفعة ولم أنم ليلة الامس جيدا، اعتذر ولن يتكرر الامر. استغربت حين رأته بهذا المنظر وهو يضع هذا العطر وظنت ربما انه سيخرج لقضاء بعض شؤونه خارج المنزل، طلب منها ان تحضر له قدح ماء ليأخذ علاج للصداع قائلا لها اصابني الصداع بسبب تأخرك، لم تعلق على كلامه، قدمت له الماء ورات انه ينظر الى عينيها وبسرعة امسك يدها التي سحبتها بخجل واسرعت، تتوارى عن ناظريه في المطبخ، أدركت في داخلها بان نظراته لم تكن بريئة، بل انه يخفي في داخله شيئا ما يمكن للمرأة الشعور به فهو في كل الأحوال يبقى رجلا.

سمعت جرس الباب فأسرعت لكي تفتحه ووجدت رجلا في أواسط الخمسينات كما يبدو من هيئته سئل عن الرجل المسن فأخبرته بانه موجود، اتضح لاحقا أنه أحد اقاربه وهو يتردد عليه بين الحين والاخر لكي يطمئن عليه، جلسا معا وتبادلا الحديث وقدمت لهما القهوة، اختلس الضيف النظر اليها ورأى كما يبدو التغيير الذي طرا على المنزل وعلى الرجل المسن. وبعد ان جال بناظريه في ارجاء المنزل قال له: تبدو بخيركما اظن والمنزل ايضا دبت فيه الحياة. قال له نعم هذا بجهود مدبرة المنزل الجديدة انها تعمل وتطهو بشكل رائع، اطمئن لم أعد وحدي في المنزل.

اصبحت تلاحقها الشكوك والمخاوف من ذلك الرجل خصوصا بعد ان امسك بيدها وحدثت والدتها عن مخاوفها، التي قالت لها لا تدعي الغراب ينعق برأسك ولا تسيئي الظن بالأخرين، فربما حصل الامر بالمصادفة ولاشيء غير ذلك، فانت بعمر ابنته، نظرت الى الساعة لتجد انها اصبحت في الثانية بعد منتصف الليل.

عندما دخلت الى المنزل في الصباح كانت رائحة العطر تملا المكان و الرجل المسن في مكانه وبعد ان القت بتحية الصباح طلب منها ان تعد الافطار وتجلس معه على المائدة لكي يتحدث اليها بأمر مهم، فكرت بأمور شتى وذهب بأفكارها بعيدا والتزمت الصمت وعندما جلست كما طلب منها نظر الى وجهها وقال لها: لقد حلمت بالأمس حلما غريبا اود ان تسمعيه بدون تشنج، لقد رأيت أنك تنامين الى جواري تحت غطاء واحد، كانت صامته وتشعر بالذهول لجرأته فأكمل حديثه معها، لم لا يصبح هذا الحلم حقيقة؟ أنت تعرفين بان وجودك بدد وحدتي واعتدت على الحديث معك وتناول الطعام الذي تعديه، لا تفكري بفارق العمر بيننا انه لن يقف عائقا، سأهبك المبلغ الذي تطلبينه، شعرت بالصدمة وتذكرت احدى صديقاتها التي اصبحت ملعبا لعبث الرجال وضاعت الى الابد.

دفعها كلامه الذي لزم الامر مها بقسوته الرد عليه بغضب مبطن بالتهديد. اهل تظن ان حاجتي للعمل تجعلني استسلم لرغباتك المريضة، واموالك ستجعل مني سلعة رخيصة، لست عاهرة أنا امرأة أكسب لقمة عيشي بكدي ؟.

وعموما سأجعل الجميع يعرف حقيقتك ايها المسن. تفاجئ بردة فعلها ونهض من مكانه باتجاهها وقال اسمعيني جيدا يبدو أنك لم تفهميني بشكل جيد وامسكها من يدها بقوة وحاولت الافلات منه فأمسك بقميصها وبحركة سريعة وقوية مزق قميصها فظهر صدرها الذي يختفي خلف ملابسها الداخلية الخفيفة ودفعها في هذه الاثناء بقوة لكي تسقط على اريكة قريبة وسقط فوقها بثقل جسده ورفع تنورتها وهو ينظر الى بياض ساقيها ويلهث وقال لها سأعطيك كل ما تطلبين لا تفكري بالمال ستكونين السيدة في هذا المنزل، لا تخافي، لا تقاومي، قلت لك لا تقاومي، وصفعها بقوة افقدتها تركيزها واتزانها وشعرت بالضعف امام قسوة هذا المجتمع، قال انه سيقول عنها انها حاولت سرقته ويرميها في السجن، الوقت كان يسرقها ويضعف من مقاومتها له، خرجت من البيت منكسرة ومهزومة وباكية تلعن حظها السيء.

تركت العمل لديه وعندما سألتها امها قالت لها انه ذهب لكي يعيش مع احد أولاده، وبعد مرور ثلاثة ايام زارتها المرأة التي وجدت لها العمل وشعرت بالريبة من زيارتها وبعد ان تبادلت معها حديثا قصيرا قالت لها اظن بان العمل في بيت الرجل المسن كان جيدا وبسيطا ولكنه الحظ السيء الذي حرمك منه، شدها كلام المرأة التي واصلت حديثها بالقول رحمه الله كان رجلا نبيلا وشريفا ورحيما فليرحمنا الله، وكما يبدو فان الرجل قد اصيب بنوبة قلبية مفاجئة ولم يجد من يسعفه، ووجده اقاربه الرجل الخمسيني جالسا على مقعده الاثير كما قال حينما كسر الباب ودخل المنزل وقد سقطت يده اليمنى وبدا هادئا وكانه يستمع للموت اخيرا يتلو عليه نهايته.

***

نضال البدري / العراق

في نصوص اليوم