نصوص أدبية

لمى ابوالنجا: ملائكة ساقطة (2)

تحسنّت علاقتي مع معلمة مادة الرياضيات بعد الموقف الثوري، وبالتالي تحسنت علاقتي مع جميع المعلمات المتضامنات معها بلا سبب ..

وهذا العيب يغزو المجتمعات النسائية أن تعادي إحداهن أخرى فقط لأنها قالت كلمة عن إبنة خالة صديقة جارتها ..!

المهم أنني فقدت إحترامي لتلك المعلمة رغم التعامل الجيد الذي عاملتني به لاحقاً لم أكن ّ تلك المشاعر التقديسية بيني وبين المعلمات ربمالأنني لم أصادف منهن من تستطيع أن تخرج من كونها مدرسة في الصف..

في ذلك الوقت من السنة كنا نستعد لمهرجان ترتيب الصفوف الدراسية، كان بمثابة تنافس بين الطالبات وبين رائدات الفصول يصل للدرجةالتي تنشب حزازيات وأحزاب وعداوات بين جميع الأطراف إلى أن يحين الإعلان عن جائزة "الصف المثالي" وتكريم الطالبات و رائدتهن من قبل المديرة في الإذاعة الصباحية..

(هذا الأمر لايعرفونه الشباب في مدارس البنين)

كان الفوز بتلك الجائزة يتطلب عدة شروط (الديكور المميز والذي يبرز العناصر الرئيسية من "لوحة الصف بأسماء جميع الطالبات ومكتبة الصف"، السمعة الجيدة،حسن سلوك التلميذات)

وبسبب أن صفنا الدراسي كان يجمعني أنا وشلّتي الثمانية لم تقبل أيا من المعلمات أن تتحمل مسؤولية ريادتنا كان ذلك بمثابة الإهانة لنا

فما كان مني أنا "رئيسة الفصل و رئيسة النظام" إلا الإمساك بزمام الأمرر وترتيب الصف..

أبدلت الطاولات والكراسي بأخرى من مستودع المدرسة لتصبح جميعها بمستوى واحد وغلفتها باللون "البيج" وكذلك الكراسي كانت بلون خشبي فاتح، علقت لوحة بعرض الجدار الخلفي كاملا لمنظر أشجار خريفية وعلى الأوراق المتساقطة علقت أسماء الطالبات

والمكتبة كانت عبارة عن رفوف صغيرة معلقة  في الزاوية الأمامية بجانب السبورة  وتحتها ثلاثة أحجام لطاولات مطلية باللون الخشبي و و ضعت على إحداها  سمكة ذهبية حية في حوض دائري وعلى الطاولة الأخرى حوض زجاجي آخر بداخله بعض الأحجار الملونة اللامعة و شموع صناعية تعمدت إختيار تلك الزاوية لأن أشعة الشمس وقت الظهيرة تسطع في هذا المكان عادة وتنعكس على الأحجار والسمكة..

كانت من ضمن شروط التقييم كان على كل صف عمل إفطار جماعي وعلى المديرة وبقية أعضاء الإدارة المرور لتذوق الأطباق وتقييمنا.

جمعت طاولات الدراسة في منتصف الصف وغطيتها بمفرش حريري أبيض ووضعنا جميع الأطباق في أواني حديدية و حاملات شموع من الكريستال ليبدو و كأنه "بوفيه"، لحفل زفاف راقي واجهت صعوبة بإنجاح كل هذا البروتوكول نظراً لإختلاف الأذواق والبيئة الإجتماعية بين زميلاتي

دخلت المديرة وبقية المعلمات في حالة من الذهول لم  تتوقع أياً منهن أننا سوف ننجز كل ذلك بدون رائدة وبأقل من أسبوع

سألت من قامت بكل هذا و قفزت زميلتي قائلة: هذا إعداد الزعيمة لمى على فكرة  لسنا بحاجة إلى رائدة "من عافنا عفناه لو كان غالي"

كانت إحدى بروتوكولات الإستقبال التي أمرت بها ذلك اليوم أن تقف طالبتين عند الباب بسلالٍ من الخزف ترمي أوراق الورود البرتقالية  والصفراء على المديرة و بقية الضيوف ومن بينهن معلمة الرياضيات، اقتربت مني صديقتي وهي ممسكة بسلة الورد همست بإذني بإستهزاء

"هل نرمي الورود على معلمة الرياضيات؟ نحنا تحت أمرك طال عمرك "

قلت لها:

أنا أشوف نجهز لها سلة ثانية و نرميها بمية ورقة صغيرة مكتوب عليها الشتيمة اللي تطفلت بقراءتها"

ضحكنا ضحة أفسدت كل محافل الإستقبال الراقية.. وبختنا المديرة على هذه الضحكة تم تقييم صفنا على أنه الأجمل من ناحية التنسيق و الأسوأ على مقياس الإحترام وحسن سلوك الطالبات، على كل حال لم أكن أستطيع تقديم شيء لزميلاتي لربح الجائزة أكثر من التنسيق.

***

لمى ابوالنجا – أديبة وكاتبة سعودية

في نصوص اليوم