نصوص أدبية

نضال البدري: عندما تصمت الالوان

كل ليلة وكالمعتاد كانت تحاول ان تنام او على الاقل هذا ما تفعله امامي عندما كانت ترى اني بدأت بالشعور بالتعب والاعياء، من الواضح انها ترتبط بي برباط روحي مميز وكذلك دميتها وهي على هيئة دب صغير والتي لا تفارقها حتما، حكاية الدب الدمية غريبة نوعا ما فقبل ثلاث سنوات تحديدا وعندما كانت برفقتي في السوق امسكتني من يدي بقوة واشارت الى الدب الدمية وقالت هذا هو صديقي قولي له ان يأتي معنا الى البيت ومنذ تلك اللحظة لم تفارقه ابدا وفي اغلب الاحيان كانت تحادثه عن علاقتها بي او بوالدها وكنت اسمع ذلك واحاول ان اتجاهله، جرحت يدها في احدى المرات وكان الدم يسيل من الجرح عندما وقفت امامي وقالت لقد جرح الدب يده وضمدت لها الجرح بينما قامت هي بلف يد الدمية بالضماد وهي تقول سوف يستغرق وقتا طويلا حتى يشفى .

سألتها عن اسم الدمية الدب فقالت انه يحب ان نقول له دبدوب فقط فقلت لها لعلها انثى ودبدوبه ولكنها اصرت على انه دبدوب وقالت انت لا تعرفين انه بنفس عمري تقريبا وأننا التقينا سابقا في الغابة. لم تكن قد رات غابة من قبل ولانا ايضا ولكني لا اجادلها قطعا واقلعت عن قضية شراء اية دمية لها. مزاجها مضطرب وتميل الى الوحدة والعزلة، لا اعرف متى بدأت تميل الى رسم الاشياء وتلوينها وهي تعطي لونا لكل شيء غير اللون المعتاد في رؤيته فهي ترسم الغيوم خضراء والسماء بلون احمر، الحقيقة أنى لا أتدخل في التفاصيل فانا اوفر لها الالوان التي تريدها ودفاتر الرسم. الوقت المفضل اليها في الرسم كان بعد منتصف الليل فقد كانت تكره الاصوات العالية بشكل كبير وترعبها الأصوات المرتفعة وتختبئ وتبكي عندما نتشاجر لأي سبب في البيت .لا اعرف من اين اتت تسمية ذوي الاحتياجات الخاصة او ما معنى التوحد ولكنني عايشت الامر على مضض واستجبت لكل ما يتعلق بهذه التسميات، بل ان حتى مزاجي هو الاخر اصبح متوافقا مع التوحد الذي تعانيه، كانت تهمس في اذني عندما تريد ان تقول لي شيئا ما وهكذا فعلت عندما سحبتني من يدي وارتني فمها، فيما يبدو انها كانت تعاني من الم في اضراسها التي تسوست وتكسر بعضها وبقي عالقا في الفك، قلت لها اين بالضبط فأشارت الى الجهة اليسرى من اضراسها فقلت لها لا تهتمي للأمر سوف نذهب اليوم الى طبيب الاسنان .

اثناء انتظارنا لطبيبة الاسنان رأيت قلقها وخوفها في حركات يديها وعينيها وحاولت ان أهدئ من روعها وتحدثت معها عن الطبيب التي سوف ترى اسنانها التي اكلها النمل وسوف ترش مادة طعمها طيب لكي تقضي على الالم ويذهب النمل الى الابد، اظن بانها اقتنعت بهذه الفكرة لأننا وعندما دخلنا الى الطبيبة ذهبت الى الكرسي وجلست عليه ثم فتحت فمها .نظرت الطبيب الى فمها وقالت سوف اقتلع ضرسا واحدا في كل جلسة لأني وبصراحة لا اعرف كيفية التعامل ورد فعل هؤلاء الاطفال، وافقنا على ذلك انا وزوجي واشرنا اليها بان تبدا العمل، اريد ان اقول باني ضعيفة ازاء ما يشعر به الاخرون من الالم فكيف يسعني ان اتحمل رؤية ابنتي وهي تتألم ؟ قلت لزوجي سوف انتظرك خارج الغرفة.

كنت انظر من النافذة الى حركة العجلات في الخارج وهي تمر مسرعة ولا اعرف كم استغرق الوقت عندما جاءت سيارة مسرعة جدا لم تقف عند اشارة المرور الحمراء، لان وفيما يبدو ضغط على الفرامل بقوة فأصدرت صوتا عاليا فيما رأيت احد الاشخاص الذين كانوا يعبرون الشارع وهو يطير في الهواء ثم يسقط على الارض بدون حراك وتزامن هذا مع صرخة كبيرة اتت من غرفة الطبيبة شعرت بعدها وكان قلبي قد توقف وانهارت اعصابي فلم اعد اقوى على الحراك ولكني تحاملت على نفسي وحاولت ان اركض باتجاه غرفة الطبيبة وهالني مارايت، فقد كان الدم على فم ابنتي وعيناها شاخصة باتجاه الباب ويد الطبيبة ترتجف كما يبدو وهي تحمل بقايا الضرس بينما رأيت دمعة على وجه زوجي، نظرت اليه فقال: لقد مر الوقت ثقيلا لااريد رؤية هذا الامر ثانية . اردت ان اقول له و انا ايضا ولكني لم استطع الكلام .

***

نضال البدري / العراق

عضو اتحاد الادباء

 

في نصوص اليوم