نصوص أدبية

أريج محمد أحمد: موعدٌ في السّماء

داخل الحلم:

دائماً الساعة الرابعة والنصف مساءً، الشمس وفي ميلان يتسم بالعجلة تعلن اشتياقها الصريح لتقبيل النصف الآخر من وجه العالم فمن حيث المبدأ لكل موعد مكانه في إضبارة العشق وإن تكرر اللقاء، نسمات هادئة تعبر النافذة وفي معيتها بضع قطرات من أشعة الشمس الغاربة نحو شروق آخر، تغتنمها لترى انعكاسها بوضوح على المرآة، جميلة كما ينبغي لفتاة تستعد للقاء حبيبها، تبتسم،رشة اضافية من قارورة العطر الوردية المفضلة عندها.

ثم تشد الحزام أكثر على خصرها بعدها نظرة من الأمام والخلف ثم تنحني لترتدي الحذاء ذو الكعب المدبب في عجلة،تستقيم تعيد ترتيب شعرها الأسود الطويل المقصوص من المقدمة على شكل غرة كثيفة ترسم حدود وجهها بتموجات بديعة ومن الخلف ينساب على ظهرها كالشلال،تخرج تغلق باب غرفتها وبصوتها الذي تميزه بحة محببة تخبر والدتها  انا ذاهبة.

صوت خطواتها كان مصدر قلق بالنسبة لها هكذا كانت تفكر طوال الطريق الذي يأخذ منها سبع دقائق حتى تصل الى مقصدها،يبدو كدقات ساعة ضخمة صوتها كالمطرقة وكلما أسرعت الخطى يزداد صوت الطرق علواً وكأنه ينذر باقتراب حدث رهيب،لن ابطيء المسير حتى لا أتأخر تتلاحق انفاسها من التوتر الصوت يعلو ويعلو تشعر وكأنها تقترب من شيء ما تهز رأسها في حركة لا إرادية وفجأة ينقطع الصوت بصوت اصطدام هائل.

خارج الحلم:

السابعة صباحا وبعد مرور أكثر من شهر على وجودها في المستشفى، تصحو فزعة كعادتها منذ ذلك اليوم وهي تصرخ تأخرت داهمني الوقت كان وكأنه يطاردني وعندما حاولت ان اسبقه توقف وأنهى كل شيء، أين انا، تتوجه بنظراتها التائهة إلى والدتها التي تربت على صدرها بهدوء وتمسح حبات العرق عن جبينها وهي تتمتم ببعض الآيات من القران الكريم اهدئي يا ابنتي لقد تلوع كبدي وماعدت قادرة على الاحتمال أكثر، عودي إلي حبيبتي قاتلة هي تلك الوحدة التي خلفتها منذ ذاك اليوم المشؤوم،تنظر في قلق لوالدتها قلق التأرجح بين النسيان والتذكر بين قرقعة الحذاء وانفاسها المتلاحقة ثم الدوي الهائل كان هو ... نفس الموتوسيكل وخوذته الحمراء لم يمنعه الاصطدام من الوصول في الموعد قذفته الشاحنة بكل عنف ليحلق باتجاهي عجلات الموتوسيكل مازالت تدور في جنون ترسل هواء ساخناً يلفح ساقي وعيناي من بين اصابعي تتلقى الصدمة كالطعنات،راسه قميصه الأزرق يداه أصابعه تتشبث بالأرض التي بخلت علينا بالبقاء معاً،دماء وصرخة أخذت كل قواي اجثو بجانبه،زحام ضجيج يحاولون اخراجه من تحت الموتوسيكل لا افعل شيئاً اودعه على طريقتي قلبي اودعته صدره اصابعي معلقة بذراعه

حلمي في حقيبته روحي صعدت معه وبقى عقلي هنا فارغاً إلا من الرابعة والنصف مساء والسابعة صباحاٌ وتوسلات أمي أن أعود ...

***

أريج محمد أحمد - السودان

 

في نصوص اليوم