نصوص أدبية

لطفي شفيق: المسلخ العمومي! (2)

استيقظ جبر العايش من نومه مذعورا على صراخ زوجته وهي تناديه:

(انهض يا رجل لقد مضى على حالتك هذه عدة أيام وأنت معتكف في البيت! قل لي ماذا تشعر هل أنك مريض؟

رد عليها زوجها: لست مريضا أن هناك أمر يشغل بالي.

عادت زوجته لتقول له: لقد لاحظت ذلك منذ أن رجعت آخر مرة إلى بيتك، قل ما الذي شغل بالك؟

قال جبر: (ليس الآن سأبين لك ذلك في وقت آخر.)

غادر جبر داره بعد أن تأكد له بأن الصوت الأجش لم يعد يرن عليه ولم يعاود الاتصال.3486 المسلخ البشري

سلك جبر نفس الطريق التي اعتاد أن يسلكها للذهاب إلى عمله. الطريق التي تؤدي إلى وسط المدينة حيث الساحة العامة تلك الساحة التي كثيرا ما شهدت تجمع أعداد غفيرة من الناس وخلال مناسبات مختلفة منها مفرحة ومنها محزنة وإن عدد أيام الحزن هي أكثر بكثير مقارنة بأيام الفرح!!

ما أن وصل جبر إلى تلك الساحة حتى اجتاحته حالة من الاستغراب! عندما وجد أن الساحة خالية من الناس بعكس ما كان يجدها في مثل هذا الوقت المبكر من النهار حيث تكون مكتظة  وتتعالى أصوات الباعة وضجيج العجلات فيها.

أمضى جبر وقتا في الساحة عله يعثر على واحد من المارة كي يسأله عن سبب هذه الحالة الغريبة!

لمح جبر أحد الأشخاص متجها نحوه:

قال جبر محدثا نفسه: قد يكون سر هذه الحالة لديه فأسأله وليطمئن بالي.

أقترب الرجل منه وعندما أصبح بمحاذاته بادره بالسؤال قائلا:

(لو سمحت يا أخي هل يمكنني أن أطرح عليك سؤلا)؟

أجابه الرجل: (بكل رحابة صدر سل عما بدا لك.)

وأرف قائلا: (عجيب ألا تعرفني يا جبر!؟)

تطلع جبر في وجهه الرجل مستغربا فقد بدا له غريبا! قائلا له معذرة من تكون أنت؟

ضحك الرجل وقال: هل نسيتني يا جبر أنا زميلك في العمل أنا غركان؟

تطلع جبر بوجه غركان وأخذ يدقق بمعالمه عله يتذكره لكنه لم يتوصل إلى نتيجة، وفضل أن يعرف منه أولا سبب خلو ساحة المدينة من الناس في هذا الصباح الباكر.

لقد دار بخلد جبر أن يبين لغركان سبب عدم تذكره وعندها قال له:

بكل أسف فقد تخونني الذاكرة بسبب أحداث صعبة ورهيبة مررت فيها تركت أثرا في نفسي وجعلت أفكاري مشتتة وخاصة بعد حادثة (المسلخ العمومي) وعلك قد سمعت فيها أنت أيضا.

عندها صرخ غركان: (كأن حالة من الجنون قد أصابته)

يا صاحبي أنا أحد ضحايا المسلخ العمومي وكان معي عديد من الناس دخلوا إلى ذلك المكان الرهيب أفواجا لا يمكنني أن أتذكر عددهم ثم أردف قائلا أنت ذكرت (المسلخ العمومي) وهل كنت هناك أيضا؟

قال جبر نعم كنت قد دخلت اليه لكنني نفذت بجلدي وتركت المسلخ هاربا عندما بدأت عملية سلخ الأجساد حيث إنني لم أخلع ملابسي ولم اتعر عند سماعي أمر صاحب الصوت الأجش وعليه لا أعرف ما لذي جرى من بعدي؟

قال غركان: هنالك في الركن مسطبة لنذهب ونجلس عليها وسأقص عليك ما جرى بالتفاصيل. بدأ غركان يسرد ما دار في ذلك المكان الرهيب قائلا: الغريب إن أعدادا غفيرة أخذت تتدفق داخل المكان وذلك بفعل نداءآت وشعارات مغرية كانت تتطلق من مكبرات صوت تم نصبها فوق المسلخ تدعو الناس للقدوم إلى المسلخ لينالوا حصتهم!!

كان غركان عندما يتحدث يصاحب كلامه صفير أشبه بصفير البلبل كما أن جبر قد لاحظ تغيرا كبيرا قد طرأ على وجه غركان بحيث لم يتمكن من معرفته للآن ,حتى بدا اليه خاليا من أي أثر للشعر فقد أختفى من رأسه وحاجبيه وأهدابه وذقنه وشاربه والناظر اليه يظن أنه قد أخذ جرعات من الكيمياوي بسبب أصابته بداء السرطان!

شعر غركان أن جبر ينظر إلى وجهه باستغراب عندها قال له: لا تستغرب يا صاحبي مما تراه سابين لك ما حدث لي ولكل من بقي مدة طويلة في ذلك المسلخ المشؤوم.

خلال حديثهما مر واحد من الأشخاص من أمامهما عندها أصيب جبر بالذهول مما شاهده فقد وجد أن شكل الرجل الذي مر من امامهم يشبه بالضبط نفس وجه غركان!!

لم يدم استغراب جبر فترة طويلة حتى مر أمامه اثنان وثلاثة وأربعة اشخاص ثم تضاعف عددهم وكان الجميع متشابهين وبنفس الوجوه والقسمات!!

انتبه جبر لحركة عيني غركان فوجدهما اشبه بالبلور جامدة الجفون كما أن هذا الشيء ينطبق على الآخرين أيضا من الذين مروا أمامه!!

قال جبر في قرارة نفسه: عجبا كيف حصل هذا التشابه وما هي الإجراءات والعمليات التي قام فيها أصحاب الصوت الأجش ليظهر كل هؤلاء الناس متشابهي وبوجه واحد؟

شعر غركان بحيرة واستغراب صاحبه فقال له من أجل أن يخرجه من حيرته:

قلت لك أنني سأروي لك كل ما جرى وحدث في ذلك المسلخ وبما أنك قد تركته فبل أن يقع ما وقع لنا ثم بدأ يسرد تلك الأحداث المثيرة:

بعد أن أتمت الماكنة سلخ جلودنا وتعليقها بالخطافات أصدر ذو الصوت الأجش أمرا جديدا لا يختلف غرابة ورهبة عن سابقته من الأوامر!!

وهو:(على جميع المسلوخة جلودهم أن يتقدموا للدخول لحوض التطهير!)

باشر جماعة الصوت الأجش المسلحون والمقنعة وجوههم بأخذنا واحدا تلو الآخر إلى حوض ما أطلق عليه التطهير!

عند ذاك طلب غركان من صاحبه أن يمهله بعض الوقت ليروي ظمأه لأنه شعر بالدوار بسبب تذكر تلك المواقف الرهيبة قائلا له أنه سيباشر حديثه بالتفاصيل.

***

لطفي شفيق سعيد

مدينة رالي 27 شباط 2024

كتابة ما بعد التسعين

 

في نصوص اليوم