نصوص أدبية

نصوص أدبية

يقولون،

باتوا

على مدخل الحي

يمشون كالأيتام

والناس نيام..

يريدون إيهامهم بالخضوع..

**

يقولون،

آخر الحل هو الكيٌ

بعده يحل الأمان..

ويشفي السلام

ولا حل في الترقيع

والترهيب

وصخب الرهان..

أهذا هو المعنى

بلائحة الدواء..؟

الكيُ،

نعمة للشفاء

وللخلاص من الوباء..

**

يقولون كنا نجربْ

شراب الدعاء من الجذام

عبر أحقاب الزمان

وكان شرابه علقما مراً

اشاع  العقم

في كل دار..

**

يقولون ماذا،

لو ركبنا الموج

من منفى لمنفى

وأبحرنا

نخيم في الصحارى

بلا مأوى

ونأكل زهرة الصبار عند الفجر

لا شكوى

ولا نجوى

كإنا نحمل الدنيا

عذاباً

جمرة السلوى

تجافي همنا الغافي

على أكتافنا بلوى..

**

أيمضي الكي

في ترحاله يحدو..

لجور العصر

في اشكاله يدنو

وما عادت رؤاه

في مزامير الدنا ترنو..

ايبقى الكي

في مشواره يحبو..؟

***

د. جودت صالح

1 / 10 / 2024

 

بداخلي خراب

خراب كبير

جبال من الوحشة

ومعاول  الصمت

تأكلني

أنا السنوات واللا عمر

أنا الترحال والمنفى

أنا صوتك

المشروخ يا جرحي

وملء قصائدي

ملح ونوح

في العالمين سرى

خراب الأرض في لغتي

مسارح للدمى والوقت

وفي شريان أحلامي

نصبت مشانقاً للغيم

فلا وصلت ولا صلت

سماء فوق أوراقي

وكل خزائني سُلبت

ألاقي الليل فارغة

من النور

بعتمته يطوقني

أضيع به

وأشبهه

غريبان

نخاف الشمع

يرسمنا على

الجدران ظلين

وتمحونا عيون الشمس

فلا ندري

هل كنا

وهل مازال في الإمكان

إمكان؟

**

أريج محمد - السودان

 

بـأفـعالِ الــتَّـفاهَةِ كَــمْ تَــبارى

حَــقيرٌ فـي الــنَّذالَةِ لا يُـجارى

*

غَــدا لــلسَّخَفِ عُــنوانٌ عَريضٌ

نَــذالَـتُــهُ يُـمــارِسُها جِـهــارا

*

وَصَــدَّقَ نَــفْسَهُ أَضْــحى حَكِيما

كَـصاحِبِنا الَّــذي دَفَــنَ الحِمارَا

*

وَحَــطَّ عــليهِ ديــباجاً وَشــاشا

فَــأَضْحى الــقَبْرُ لِلْحَمْقى مَزارا

*

وَراحَ يَــطوفُ حَوْلَ القَبْرِ يَبْكي

وَيَــدْعُو اللهَ يَــمْنَحُهُ اصْــطِبـارا

*

عَــلى فَــقْدِ الـعَزيـزِ أَبِي المَعـالِي

أَبِـي الـبَرَكاتِ رَمْزُ الطُّهْرِ صارَا

*

وَأَقْـسَــمَ أَنَّ صـاحِــبَهُ شَــهــيدٌ

بِـجَوْفِ الــلَّيْلِ لِــلْفِرْدَوْسِ طارَا

*

وَقـالُــوا رَمْــسُهُ مِــفْتاحُ خَــيْرٍ

وَمَــنْ يَــهْوَى الجِنانَ إِلَيْهِ سارَا

*

فَــصَدَّقَـهُ رُعــاعُ الــنَّاسِ فَــوْراً

وَراحُــوا يَــخْلَعُونَ لَــهُ النُضارَا

*

وَمــا عَــتَبي عَــلَى الدَّجـالِ لَكِنْ

عَــلَى مَــنْ فــيهِ يَــنْتَفِجُ افْتِخارا

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

قصتان قصيرتان..

هي

تحتضن طفلها وتهرب مسرعة دون ان تفكر بالآخرين من أفراد أسرة زوجها.. خارجة من مبنى للعمارات السكنية التابعة لمنشأة عسكرية.. تضمه بقوة وتهمس له لا تخف يا صغيري لا تخف لأني معك.. تتصاعد أنفاسها وهي تجري في الطرقات بلا هدف معين ودون ان تعرف الوجهة التي عليها ان تقصدها وحين توقفت لتفكر قليلا شعرت بلسعات البرد الحادة تخترق عظامها.. نظرت الى طفلها وهي تقول بصوت مسموع أولاد الكلب.. كيف يتحمل طفلي هذا المأزق في منتصف الليل.. وقد غادرنا أبوه توا الى جبهة القتال المشؤومة التي لا يعرف نهايتها الا الله سبحانه..

انفجار ذخيرة عتاد المنشأة العسكرية قد قيد ضد مجهول كما أعلنته الجهات الرسمية لكنه بذات الوقت اثار الرعب والخوف في نفوس سكان العمارات السكنية القريبة على موقع الحادث.. كانت أصواتا عنيفة ومخيفة بقي صداها يختلط داخل رأسها..

 تقاطرت سيارات الحريق والإسعاف وسيارات أخرى لا تعرف هويتها.. لاذت هي تحت ظل شجرة عملاقة عطوف وكان طفلها يركز نظراته الى وجهها.. ثم يستسلم لإغفاءة مرتبكة..

***

هو

وصل هو لجبهة القتال وأخذ يوزع حلوى العيد (الكليجة) لأصدقائه في الملجأ فقد وجدهم في حالة صمت مطبق.. تدور أعينهم برعب وخوف.. كان أحدهم ينفث دخان سيجارته بأصابع مرتجفة ووجه كالح مغبر طلبوا منه ان يطفأها لكنه جامد لا يتحرك.. اما الاخر فكان يدفع بجسده الى الحائط الترابي حتى كاد ان يلتصق به.. يتقرفص كل منهم بطريقة تشبه حال صاحبه..

صرخ به أحدهم.. لا أرغب بالأكل.. الا تسمع هدير المدافع.. ابتسم وهو يلوك قطع الحلوى الواحدة بعد الاخرى ويردد مع نفسه.. الامر سيان..

مرت دقائق صمت مطبق واستبشروا فيما بينهم ان القصف قد هدأ.. ابتسم الجميع وأخذوا منه قطع الحلوى.. وأخذوا يلكونها

 قال لهم سأحدثكم عن صديقنا (عبد الله) الذي تسرح من الجيش منتدبا وقد التقيته في بغداد وسأل عنكم جميعا وحملني أمانة ان أوصل سلا... وهنا

تناثرت قطع الحلوى ممزوجة بذرات التراب والدم بينما أطبق هو عينيه بهدوء تام..

***

سنية عبد عون رشو – قاصة عراقية

 

قصة  قصيرة جدا

افقت ذات صباح شتائي بارد بعد سماعي نقرات متتالية على زجاج نافذتي وإذ بطائر جميل ينقر على زجاج نافذتي.

قلت له ماذا جاء بك في هذا اليوم الشتائي البارد  إلى نافذتي أيها الطائر الجميل؟

أجابني وهو يرتجف بردا

ألا تعرفني؟

أجبت: شكلك ولون ريشك ليس بغريب علي ولربما

قد رأيتك من قبل

الطير: نعم أنا حفيد الطير الذي أزهقت روحه أيام صباك وها أنا قد جئت اليك

قلت: وماذا تريد مني أيها الطائر الجميل؟

أجابني: لا أريد منك شيئا سوى أن تعتذر لي لإزهاقك روح جدي

أجبته: نعم سأعتذر لك واعتذرت له

ابتسم الطير لي وغرد تغريده الجميلة ومن ثم طار وحط على شجرة

كانت تقف شامخة قبالة نافذتي ناقشا ريشه بادئا حياته الجديدة وبأمل جديد.

***

سالم الياس مدالو

 

"ارتَدّ إلي طرفي وهو حسير، وقد صدمه قبح ما رأى، واقع أليم، وزمن ساخر يتسلى بأوجاع من طالهم جُورَه وَجُورَ بني جلدَتهم من علية القوم

ونخبة النخبة، ممن يستنكفون إلقاء نظرة على من هم دونهم في الوضع والحال، ويسرفون في ذمهم و تحقيرهم دون أن يرِف لهم جفن، أو تتحرك في قلوبهم رجفة رحمة"

دَاهمهُ هذا الشعور الغريب وهو يلج مقهى " برغواطة" كما كان يحلو له أن  يسميه  هو لاعتبارات يراها موضوعية وتاريخية، أو "تامسنا" كما سَمّاهُ مالكوه وهم جاهلون –حسب منطقه-  أنّ برغواطة وتامسنا صنوان لا يجوز ذكر أحدهما دون الأخر.

جلس في ركن قصي بمواجهة فسيقة المياه المزدانة بفسيفساء من زليج فاس، وضع رجلا على أخرى، وطلب كأس شاي كبيرٍ على الطريقة الشمالية، تلذذ برشف جرعاته، وهو يتنقل عبر الصفحات الفاسبوكية ،

مُستجليا أخبار فيضانات شرق البلاد، وأنباء الهروب الكبير لأهل شمال  إفريقيا وجنوبها نحو الثغور المغربية المحتلة من طرف الإسبان، بحثا عن الفردوس المنشود، والحياة الكريمة.

اقترب منه النادل فجأة ووضع أمامه كوبا من عصير الفواكه المشكلة،

نظر إليه مستغربا وقال : " أنا لم أطلب شيئا يا بُنيّ" ابتسم النادل ورفع يده مشيرا إلى شاب تجاوز الأربعين بشارب أسود وملامح مستبشرة،  يرتدي بدلة رسمية لرجال الأمن وقال: " الطلب مُوجّه من الضابط "

التقت نظراته بنظرات الضابط الذي تقدم نحوه بخطوات حثيثة، قبّل رأسه وقال بصوتٍ خافت: " كيف هي أحوالك يا أستاذ"

قام واقفا عانق الضابط بحرارة، وهتف قائلا:

- أنا بخير يا ولدي .. مضى زمن دون أن تجمعنا الظروف.

- سمعت بأنك تمرّ بوعكة صحية.

- الحمد لله يا سعيد، قدّر ولطفَ، لقد استعدت عافيتي

- المسؤولية وضغط العمل يقف بيني وبين السؤال عنكَ يا معلّمي، فأنت صاحب فضل علَيَّ

- العفو يا بنَيّ هذا من كرم أخلاقك.

ودّعَه سعيد، التلميذ النجيب الذي درسَ عنده ذات سنة من سنوات القَرن الماضي.

شرب كأس العصير بفرح طفل، وعاد لصفحات الفايسبوك، يَتتبع الأخبار والمضامين، طالعته فجأة صورة مُرشَّحٍ للهجرة السّريّة قضى غرقا في البحر الأبيض المتوسط، دقّق النظر في الصّورة، كأنه يعرف صاحبها، بل هو يَعرفه حَقَّ المعرفة، إِنّه " علي بلحسين" واحد من أنجب تلاميذه، وأكثرهم حماسة، كان يكتب الشعر ويبدع  في صوغ القصائد، ورغم انتقاله للدراسة بكلية العلوم القانونية ثم تخرجه منها، فقد ظلت علاقته به مستمرة، يستشيره فيما تجود به قريحته من أشعار ويستأنس برأيه، ولا يتردد في إرسال نصوصه الشعرية إليه عبر خاصية الواتساب، لثقته في ذائقته وحسه النقدي، ولم يكن هو كأستاذ سابق له يبخل عليه بالتوجيه والنصيحة المشمولة بالدعم والتشجيع المادي والمعنوي.

قبل أسبوعين أرسل إليه أخر قصائده، كان فيها شَجن وحزن، وشعور بالانكسار، وتتضمن جملا شعرية مفعمة بالوجع والانفعال الدال على أقصى درجات الإحباط، قرأهَا عدة مرات، فأصابه اِنقباض وشعور بالوجل والخوف على "تلميذه السابق" من السقوط في أحضان الاكتئاب.

وها هي اليوم مخاوفه وتَوجُّسَاتِه تتحقق.

فتح تطبيق الواتساب ، وبدأ بقراءة قصيدة " علي بلحسين" وعيناه تفيضان بالدمع الهتون.

يا وطني

شربتُ حزني

غصّتين !!

ونامت فِي كَفّي

جمرة

وتواريت خَلْفَ

غَمَامةٍ يائسة

ألعن زمنا شاردا

بَاعَ أهلهُ

يا وطني

الرّعب يقفز

في الطريق

وليل النذالة ألقى

مراسيه في ربوعنا

وريح السموم

تَعصف بأحلامنا

يا وطني

تكبر غربتي

في حضنك المصقع

ويموت الشموخ

في عيونِ ذاتي

تصفعني ألوان العبث

تعذبني لغة الخشب

وأحترق في آتون

الخواء

يا وطني

الشيطان يرقص في

حدائقنا الخلفية...

وأطياف الخطيئة

تُجلّل شَفَق فَجْرِنَا

الجريح

يا وطني

تعددت المواعيد

ورجع الصدى يَطِنّ

في ذاكرتنا المهترئة

ونحن أشْبَهَ بِدمى

هائمة!

تَحَلّق بلا أجنحة

في فوضى غير خَلّاقَة

فمتى نعانق حقيقة

الحياة؟ !!

" أخْلفتَ الموعدَ أيّها الشَّاعر المُرهَف الحِسّ، الرّقِيق الشُّعور، النّاعم الروح، الجيَّاش الوِجْدان، أخلفتَ الموعدَ، وما اكتفيتَ  بالإبحارِ في بحورِ الخَلِيل السِّتة عشر، وما أشْبَعَتْ نَهَمَك التّفاعيل، ولا أقنعتكَ الأسْبابُ والأوتادُ والفواصلُ، ولا أرضتَ ذائقتك القَوافِي وسِحْر الرَّوِيّ، وإذا بِك تخوضُ غِمار البَحر الأبيضِ المُتوسِّط، وأنتَ تعلمُ أنْ لا حَدَّ لِقرَاره وأَنَّ مَتْنكَ لنْ يَقْوى عَلَى التِّيارِ الشَّدِيد والمَوْج الهَادِر، وإذا بِك تَنْدَفع في مُغَامرةٍ قَادتكَ لِلالتحاقِ بالرَّفِيق الأَعْلى"

رَفَع يَدهُ مشيراً للنَّادِل الَّذي اِقتربَ منه مبتسماً، سألهُ عن ما بذمته، فأخبره بأن الضَّابط دَفع عنه ثَمن مشروباته، حدّق به مليا ثم قال:

- طَيّب .. الضَّابِط سَعيد اِبنٌ بَارٌّ لَمْ ينسَ أنَّنِي كُنْتُ مُدرِّسا سابقاً له

اِنفرجَت شِفاهُ النَّادل عنْ ابتسامةٍ عَريضةٍ وقالَ:

- وأنا أيضا أستاذي العزيز كان لي شَرَفُ الجُلوس في الصَّفّ أمامك

ساد صمتٌ قصير، سرعان ما كسَّره وهو يستوي واقفا:

-  وجودكم يا بنيّ يَنقُص من حِدّة القلق المِيتافزيقي الذِّي يُداهمني، ويخفف ثقل السنين.

عانقه النادل، وقبل رأسه، وشدّ على يديه بقوة وهو يقول:

- أنت قدوة لنا، منكم نتعلم فلسفة الحياة

ردَّ وهو يربت على ظهر النّادل:

- نسأل الله أن يُديم حَبل المودّة.

***

محمد محضار

25شتنبر 2024

 

For only the truth . .

مع ترجمة الدكتور يوسف حنا فلسطين.

***

من أجل الحقيقة وحدها

تلقينا كما هائلا من اللكمات

خسرنا قواربنا في نهر المسلمات

دحضنا قبعة الشماس

عادينا فلاسفة كثرا

تلبستنا لوثة ( فرلان)

فتحنا النار على نيتشة

في حانة يرتادها زرادشت بلباس جنائزي

طاردنا ألبير كامي بسبعة كلاب سلوقية

كان يبدو لنا مثل أرنب (مزدهر القامة)

كان محصنا بصخرته العبثية

مفتونا بتعداد المنتحرين

أهدرنا الكثير من الوقت

عدونا مثل ثعالب وراء قندس الحقيقة

نمنا مثل سحليات في الكهوف مع الوطاويط والدببة.

مدحنا أشباحا بأظافر طويلة.

زرنا مقابر جماعية بهيئة ثعابين مرقطة

كان الأموات قلقين جدا.

ينتظرون صيحة الملاك العظيمة

نمنا مع غيمة ضريرة في مرتفع صخري

أفرغت دورق دموعها في بئر شكرها يوسف قبل أن يهبط مصر

ويرمي شباك التأويل في أعماق النيل

ضربنا في مناكب البراري

وكلما أبصرنا قطاة

قلنا : زرقاء اليمامة قادمة من بعيد بمفاتيح الحقيقة.

من أجل الحقيقة وحدها

حملنا شيخ البحر على أكتافنا

ليدلنا على وردة السيمياء

ليعصر الكرمة بيديه الغامضتين

ويسقينا طوال اليوم

من أجل الحقيقة

صرنا طيور وقواق ومدحنا بوذا

من أجل الحقيقة شربنا سم البوا

من أجل الحقيقة

كنا نجلس مقلوبين على أرؤسنا

ونصغي إلى طنين ذبابة التفكير

قطعنا جميع أصابعنا لنطعم فهد التفكير الأزرق.

من أجل الحقيقة

كان حبل المشنقة لذيذا جدا

بطعم الأناناس

والدم شلال قوس قزح.

***

بقلم فتحي مهذب تونس

..................................

For only the truth

By Fathi Muhadub / Tunisia

From Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

For only the truth

We get many punches

We lost our boats in the river of postulates

We refuted the deacon hat

We were hostile to many philosophers

We were afflicted by Paul Verlaines' light insanity *

We opened fire on Nietzsche

In a tavern frequented by Zarathustra in funeral garb

Albert Camus chased us down with seven greyhounds

He seemed to us like a rabbit (booming stature)

He was fortified by his absurd rock

Fascinated by multiple suicides

We wasted a lot of time

Our enemy is like foxes behind the beaver of truth

We slept like lizards in caves with bats and bears.

We praised ghosts with long nails.

We visited mass graves in the aspect of spotted snakes

The dead were very worried,

Waiting for the great thunderous blast of the angel

We slept with a blind cloud on a rocky ridge

The dead were very worried,

Waiting for the great thunderous blast of the angel

We slept with a blind cloud on a rocky ridge

She emptied her flask of tears into the well of her gratitude; to Joseph, before he landed in Egypt

And threw the nets of interpretation into the depths of the Nile.

We strove the prairie to earn a living

And whenever we see a sandgrouse,

We said: Zarqaa’ Al-Yamamah is coming from afar with the keys to the truth.

For only the truth

We carried The Old Man of the sea on our shoulders

To show us the Rose of Semiotics

To squeeze the vine with his mysterious hands

And pours us all day long

for the truth

We became cuckoo birds and praised Buddha

For the truth, we drank boa poison

for the truth

We were sitting upside down

Listening to the hum of thought fly

We cut all our fingers off to feed the blue thinking leopard.

for the truth

The noose was so delicious

Pineapple flavor

And blood is a rainbow waterfall.

***

......................................

Paul-Marie Verlaine was a French poet associated with the Symbolist movement and the Decadent movement. He is considered one of the greatest representatives of the fin de siècle in international and French poetry.

 

اخرج من مسامات

قصيدة لا تشبهني

ولا تقاسمني

قوافي الهواجس

ولا بحور المتاهات

2

في جيب معطفي القديم

مدية حادة

متقلبة المزاج

لم تكتمل نمو شفرتها

3

بعض القصائد

كأنها نسخة رديئة

من البضائع الصينية المقلدة

4

العالم يتناسل

سوءات وعورات

ينبت فوقها ريش غراب

يأكل من راس الحرباء

5

قناديل العتمة

تلاحق مسافات الظل

أخر شعاع

سينحر نفسه

6

رقع مسروقة

من كفن مستعمل

ليتامى في معتقل "اسرائيلي"

7

وقد فأجتهم غزة

بالحجارة والبندقية

وسيف مسلول

على رقاب الطغاة والخونة

8

في سلة القمامة

منفضة السجائر

تحتضر

حزينة تلك الأعقاب

9

تخرج خيوط الشمس

من فتحات الشفق

وتغازل المصابيح الليزيرية

10

سبعة مليارات انسان

مصابون بمرض عضال

اسمه "اسرائيل"

11

دائما تخشى الغمامة المطر

أن يفض بكارتها

فتصبح سرابا مبللا

12

أكتب الشعر في وقت فراغي

وأملأ قراطيس ودفاتر بخربشات تافهة

وقد ارتقي شهيدا

عندما اقتل قصيدة رديئة

***

بن يونس ماجن

 

خلال دقائق قليلة.. لحظات.. قطعت الطريق من وسط البلدة إلى عمقها البعيد القريب.. توقفت قُبالة شباك الكشك ذي النافذة الزجاجية، أطل من وراء النافذة وجه المرأة المسنة دائمة الابتسام.. وحتى الضحك، ان عمرها في مثل عمري، لم أسالها لماذا ما زلت تعملين رغم أنك وصلت سن التقاعد وبتّ مثلي تتقاضين مخصصات الشيخوخة من مؤسسة التامين الوطني. لم أكن فاضيًا لمثل هكذا سؤال. ابتسمت المرأة المسنة من أعماق زجاجها السميك، لم تسألني ماذا تريد.. وإنما ناولتني رزمة أوراق اليانصيب، وهي تشجّعني على البدء بالقحط.. موحية لي أن الجائزة الكبرى في طريقها اليسير إلي.. تناولت الرُزمة مِن يدها العجوز.. المسنّة.. دون أن أنبس ببنت شفة.. وشرعت بالقحط.. إقحط..اقحط.. اقحط.. لقد اعتادت مُديرة الكشك على الاستماع إلى حفيف القحط.. قحطي المُطرب الرنّان.. منذ سنوات وأنا آتي إلى هنا.. إلى نفس المكان لأواجَه بنفس الزجاج الصلد ونفس الوجه الباسم، مَن يعلم قد تكون جائزتي مواراة في هذا الكشك، الم يقولوا إن حظك يكمن في مكان ما وإنك سوف تحصل عليه في يوم ما أو زمان ما؟.. ألم يقولوا إن النجاح يتطلّب الكثير من الاستمرار والمثابرة؟.. بل ألم يقولوا إن كلّ عباقرة الكون حققوا أحلامهم بضرباتهم المتواصلة على قرمية شجرة الحظ؟؟.. امرأة اليانصيب تعرف أنني سآتي إليها في هذا اليوم تحديدًا، وقد تكون توجّهت إلى المصرف قبلي لسحب مخصصات شيخوختها.. بل مؤكد أنها فعلت مثلما فعلت أنا قبل قليل. لقد تناولت مخصّصاتي من هناك وطرت إليها هنا، وها هي تستقبلني بابتسامتها المؤمّلة.. الموحية لي بألف معنى ومعنى حول الربح بعد خسارة والنجاح بعد فشل..

استغرقت، بل غرقت في القحط، قحطت أوراق الرزمة المُقدّمة لي انهيتها عن بكرة أبيها، أرسلت نظري إلى ذلك الوجه المبتسم الضاحك فلمست فيه إيماءة عبوس.. مددت يدي إلى المرأة الكريمة قُبالتي راجيًا إياها أن تناولني رُزمة أخرى،، فحرّكت رأسها علامة الرفض وأخرجت كلمات، كدت لا اسمعها من فمها، ناطقة إياها بلثغة أعرفها وأود كلّما بلغت مسامعي أن اهرب منها. قالت:

- يكفيك اليوم.. أعرف أنك لا تملك المال الكافي لشراء المزيد من الأوراق.

وصلتني رسالتُها بسرعة، تلك المرأة الرقيقة المرهفة في كلّ بداية الفظّة الغليظة في كلّ نهاية، باتت تعرف كلّ شيء عني وعن مُخصّصات التأمين التي اتقاضاها شهريًا، لذا اعتقد أنها باتت تعرف كم ورقة بإمكاني أن اقحط، ومَن يعلم.. ربّما كانت تُحضّرها لي قبل مجيئي المتوقّع بعد تقاضيها مخصصاتها الخاصة بها من مصرفها ومقر مستودعاتها.. فكانت تُقدّم لي ما يمكنني قحطه من الأوراق.. عارفة أنني لا أستطيع أن أقحط أكثر.. بل رُبّما كانت.. هل يُعقل هذا؟.. هل يمكن أن تقدّم لي الأوراق الخاسرة.. مكتفية بعدد قليل من تلك الرابحة؟.. سألت نفسي وعدت أجيبها، لا هي لا تستطيع أن تفعل ذلك.. فالسرّ عادة ما يكمُن في أعماق الورقة وليس في أعماق تلك المرأة صاحبة كشك بيع أوراق اليانصيب..

رفضُ تلك الحيزبون الممتلئة شبابًا وصبابة، القادرة المقتدرة.. رفضها تقديم رزمة أخرى من الأوراق، دفعني للحظة لأن أقوم بفعلة مجنونة، إلا أنني تراجعت في اللحظة الأخيرة، وقرّرت أن اسلك طريقًا أخرى.. أجل لأسلك تلك الطريق ولأفعل ما خطّطت لفعله.. لأذهب إليه.. إلى صديق العمر.. إلى أبي غالب، فهو مَن يساعدني.. لا غيره.. أما لماذا خطرت لي تلك الخاطرة، فلأنني أعرف أنه لن يردّني خائبًا، أولًا.. ولأنني أعرف وأشعر وأستشعر أن الجائزة الكبرى تكمن في إحدى الرزم المتبقية.. وقد تكون تلك التي رفضت حارسة الكشك، تقديمه لي ثانيًا.

طرقت الباب على أبي غالب.. فتح الباب واغلقه وهو يرحّب بي، اتخذت مجلسي في بيته الكبير الفاره، تركني أجلس وحيدًا وتوجه إلى زاوية غلي القهوة العربية الفلسطينية الاصيلة، وهو يقول لي" دقائق وسوف أعود إليك بأفضل فنجان قهوة"، ما إن قال أبو غالب هذا، حتى خطرت لي فكرة شائعة، فلماذا لا اخجله لأنال مرادي ومبتغاي.. هو أيضًا تقاضى مخصصات شيخوخته السعيدة اليوم من المصرف.. استوقفته وأنا أقول له:

- لن أشرب قهوتك إلا بعد أن تستجيب لطلبي.

توقّف أبو غالب وهو يرسل ابتسامة غامضة نحوي:

-خيرًا إن شاء الله.. تساءل، فرددت عليه: كلّ الخير. بعد ذلك كان لا بدّ من أن ألفّ وأدور و.. أن أطلب منه دينًا بسيطًا متواضعًا، أعيده إليه يوم تقاضي مخصصات التامين في الشهر القريب علنًا، وأعيده إليه حينما أربح الجائزة الكبرى سرًا..

 غرس الرجل قُبالتي عينيه في عيني:

- ما الذي حصل لك حتى تتقدّم إلي بمثل هكذا طلب.. لقد تقاضينا مخصصاتنا اليوم.. هل..

وقبل أن ينطق بكلمة أوراق اليانصيب، ويفتح محضرها الابدي، فكّرت في أن أبادره بفكرة جهنمية أولًا ومقنعة ثانيًا، فماذا بإمكاني أن أقوله له، هل أقول له إنني أعطيت المبلغ لحارس ضريح زوجتي؟.. لا، لا هذا غير مُقنع، أم أقول له إنني أضعت مبلغ المخصّصات وفقدته فلم القه؟.. هذا الكلام أيضًا لا يمرّ لديه بسهولة ويُسر، فهو يعرف أنني طامع محبّ للدنيا ولا يمكن أن أعطي أموالي لحارس مقبرة أو أضيّعه بتلك السهولة.. ماذا يا ترى يمكنني أن أقول له فأقنعه، وجاءت أخيرًا الفكرة الجهنمية، شرعت في سرد رواية ابتكرتُها للحظة والتوّ عن لصّ كان مختبئًا في مكان قريب من المصرف وأنه ظهر لي كما يظهر الشيطان من مكان غير مرئي وغير معروف وانتزع مخصصاتي خلال تعدادي لها وفرّ طائرًا. غرس أبو غالب عينيه في عيني شاكًّا وغير مصدّق:

- ألا يمكن أن يكون اللصّ الذي تتحدّث عنه هو تلك الختيارة اللعينة في كشك اليانصيب؟.. سأل بنوع حافل بالمودة والتعاطف المُضمر، فرددت قائلًا:

- إذا كنت تشكّ بي وبما أقوله إلى هذا الحدّ.. فإنني أسحب طلبي وأرجو أن تعتبره لاغيًا وميتًا وغير قائم..

ما إن سمع أبو غالب كلماتي هذه وما تحفل به من عتب ومحبّة تكاد تمحو الكثير مما عشناه منذ سنوات قصيّة بعيدة، حتى توجّه إلى المطبخ وعاد بيده صينية وعليها غلاية ملأى بالقهوة العربية المُهيّلة الاصيلة وفنجانان من أجود أنواع الفناجين الصينية، اتخذ مقعده قُبالتي، تناول غلاية القهوة وراح يسكب من خيراتها في الفنجانين المباركين، قدّم إلي الفنجان المليء دوكما بيد وتناول الفنجان الآخر وهو يقول:

- إشرب.. طلبك مستجاب. لكن عِدني أن تصرف هذا المبلغ فيما يفيدك ولا.. يضرّك.

خرجت من بيت أبي غالب، وأنا اربّت على جيبي العامر بالأوراق النقدية.. لا أنكر أن كلمات أبي غالب كانت ترنّ في أذني.. فأنا أعرف أنه قلق عليّ وعلى وحدتي وأنه يريدني أن أصرف القليل من الموجود بين يدي من المال فيما ينفعني. أعرف أن أبا غالب يريد لي الخير ويعلم أن ورقة يانصيب واحدة تربح وأن الملايين من الأوراق تخسر.. هو لا يريد أن أواصل الخسارة.. ما إن قلت لنفسي هذه الكلمات حتى هاجمتني الأفكار الوردية الجميلة.. أنا لا بُدّ مِن أن أربح وأفوز بالورقة الرابحة.. مرّة واحدة.. فوز.. مرة واحدة يا أبا غالب يساوي عمرًا بأكمله.. أرجوك لا تردعني.. لا تصدّني ولا تطلب منّي أن أعطيك عهدًا بألا أصرف ما تكرّمت علي به مِن مال فيما يضرّني.. ورقة رابحة واحدة تُمكّنني من أن أعيد إليك ما استلفته منك أضعافًا مُضاعفةً.. ألا تثق بي.. أنا صديق العمر؟.. وانطلقت مندفعًا اندفاعة طائر جائع رأى الطعام فطار إليه.. مُحلّقًا عاليًا.. عاليًا.. ومُخلّفًا وراءه ابتسامة ذات ألف معنى ومعني.. من وجه مُحب آمل ومُتعاطف... وآخر جشع وطامع..

***

قصة: ناجي ظاهر

إلى روح فارس النقد المبدع الَّذي ترجل قبل الآوان، إلى فقيد الأدب والفكر والنقد، الصديق الراحل الدكتور: عاطف الدرابسة أقدم هذا النص.

***

تَدُقُّ السَّاعةُ السَّابعةَ

والصَّمتُ مُطبَقٌ

تَدُقُّ السَّاعةُ الثَّامِنةَ

والسُّكونُ مُخيمٌ

على الأرجاء

وفي التَّاسعةِ أبداً لا تَكُفُّ

عن النِّداء

بلهاءٌ تِلك السَّاعةُ

ما أدركتْ

أنَّك أبداً بعد اليومِ

لن تَحضرَ

كيف نبدأُ من غيرِكَ

بلا دُعابةٍ أو طَرافةِ

ومن دونِ مناوشاتٍ

قُلْ إنَّكَ تُمازِحُنا

وقُلْ إنَّ تلكَ الأنباءَ

تَضليلٌ واِفتراء

أو هو اختبارٌ

كي تعلمَ

مقاييسَ الوَفاءِ

ما كُنتَ يوماً عابرَ سبيلٍ

ولا ورقةً مَطويةً

في دفترٍ قديمٍ

ربَّما تلكَ السَّاعةُ ما كانتْ بلهاءَ

فهي تُدركُ

أنَّ بعضَ الغيابِ حُضورٌ

حتَّى في الغيابِ

وأن بعضَ الحُضورِ

حين الحضورِ غيابٌ

أيُّها الحاضرُ الغائبُ

وإنْ ترحلْ فلا تغيبُ

أوراقٌ مُتعبةٌ أرهقَها

عَبثُ الانتظارِ

لفافةُ تَبغٍ تفتقدُ أصابعَ

ولهبٌ يوقدُ طقوسَ الحنينِ

حين يحينُ زمنُ الِّلقاءِ

سُحبُ الدُّخانِ بالأمسِ

تَصَاعدَتْ وحَلَّقَت بَعيداً

فصارتْ رَفرفةَ أجنحةٍ

وترانيمَ لا تكفُّ عن النَّواحِ

في السَّماءِ

سيجارةٌ مُطفأةٌ

وبقايا رَمادٍ

وأوراقٌ مَطويَّةٌ

على منضدةٍ يتيمةٍ

وخيالاتٌ مَنسيَّةٌ

كيف نبدأُ مِن غيرِ أنْ تظهرَ

كيف نبدأُ

ودخانُ التَّبغِ صامتٌ

لا يطالُ السَّماء

لماذا بقيتْ تلكَ المنفضةُ

خاويةً تفتقدُ الأعقابَ والرَّماد؟

قد أخطأ الحُكماءُ

ومعاجمُ الُّلغةِ، يا سيِّدي

فالرَّحيلُ أبداً لا يعني الغياب

***

بقلمي: جورج عازار

ستوكهولم-السويد

.....................

رابط آرشيف الراحل د. عاطف درابسة في صحيفة المثقف

https://www.almothaqaf.org/component/authors/?view=articles&id=5539&start=0&limit=20

لا منفى،

حينَ يغادرُ جلده

يمشي في الظلِ بعيداً

يتراءى وهمٌ

يسحبُ جثته

ويغني في آخرِ ساعاتِ الليلْ

ويعوي كالذئبِ

ينصتُ للريحِ تغني

تُصْفِرُ

إنذاراً للويلْ..

**

ذاتُ مساءٍ

كانَ العبءُ ثقيلاً،

رَكنَ الوهمُ جثته تعباً

خلفَ الأسوار المهدومة..

لكنْ، هو لا يدري

إنَ منافي العقل

تعبسُ في وجهِ الأمة المهزومة..

باتت تتقيئ سخطاً

من جوفِ المنفى

يحاكي عقولُ المدن المجذومة..

**

ضحكت جثته

عند حدود الأسوار المزعومة..

وتمادت

لا أحداً يسمعُ ضحكتها

غير الموتى

عند تخوم الوجع القابع

في قلب

الكلمات المكلومة..

**

(2)

ما زالت جثته

تسند قامتها

عند السور الطيني

تغني للزمن الرائح والغادي

وترقب عودة " أنكيدو "

يحمل عشبته من جوف اليمْ..

ليقتلع الهمْ..

يداوي جرحاً بالملحِ

ويختصرُ الزمن الغافي

تحتَ ركام المدن المهجورة..

**

لم يبقْ غير رهان للصحو

عندَ الفجرِ

حين تهادى الوهْمُ

يسحب جثته،

يلملمُ مشيتَهُ

يترنحُ بينَ الجنةِ

والنار المسعورة..

**

(3)

لا يدري إن كانَ الوهمُ

يسايرُ

وجه العالم وعبوسه..

لم يبقْ غيرَ عويل

المنفى وطقوسه..

رغم صفير الريح المسحورة..

ما انفكتْ

تتوجسُ خطوته

ومشوار كؤوسه..

يسفكها غضباً

عندَ النوم

وعند اليقظة

في حضرة منفاه

وطقوسه..!!

***

د. جودت العاني

18-5-2024

ترفرف فوق باب الجسر ووالواد الكبير.

تحطّ على طلل ناعورة أبي العافية،

قبل أن تنطلق نحوالصّرح العظيم.

*

الخطوات المُنتعشة بهواء قرطبة النّديّ،

يتردّد صداها في رويّ أزقّتّها الضّيّقة.

بينما تتصطفّ أشجار البرتقال واللّيمون،

صلاة جنازة على زارعها المفقود.

*

داخل الجامع المسلوب،

الأقواس الحمراء والمغرة،

تنظر بشفقة إلى المحراب المذعور.

ينزلق طيف عبد الرّحمان،

من بين سواري اليشب والرّخام.

يدير وجهه نحو الشّرق،

أندلسه الأخر،

يختنق برائحة الخيانات النّتنة.

*

يطوي اللّيل أصداء المعاني،

معرّجا على أطلال الزّهراء،

أين يَسْبُتُ طيف المنصور.

ضحكات ابن زيدون وولاّدة،

تتلاشى بين أ أشجار اللّوز والكروم،

قبل أن ينتحر صداها على وقع سيوف فتنة،

قسمت كلّ الظّهور.

***

نزار فاروق هِرْمَاسْ

أستاذ دراسات الشّرق الأوسط وجنوب آسيا

جامعة فيرجينيا

قصص قصيرة جدًا

الصالح العام

 دخولي العقد الستيني  دقّ أجراس خطر هجوم أمراض الشيخوخة، فقرّرتُ اتّخاذ إجراءات، قيل لي أنّ الركض اليومي أكثرها فائدة.

منذ اليوم الأول، ركض معي عددٌ من مجانين المدينة. اليوم الثاني الكهول أمثالي، لأسبابي نفسها حتماً. اليوم الثالث اللصوص، لربما سَرقتُ مالاً، اليوم الرابع أفراد الشرطة، للقبض على اللصوص، في اليوم الخامس، ناشطو المدينة.. للاقتصاص من السياسيين الفاسدين. اليوم السادس، السياسيون أمامي، خوفا من ثورة الشعب. اليوم السابع أصبح سكان المدينة خارجها، فعيّنتُ نفسي حاكماً على المدينة، فكان مرسومي الأول إعدام أمراض الشيخوخة، كي لا تهدّد صالحي العام.

 **

توافق

لم يتصوّرْ أنّه في يومٍ ما سيكون في عرض البحر، مع مجموعةٍ من المهاجرين في قاربٍ ليس بالمتانة والحجم اللذين يستطيع بهما مقاومة هياج البحر وغضبه، حسبه محاولة الخلاص من أزمات بلده التي لا تنتهي، كأنّها أهوال هذا البحر.

أيقظه التوقّف من حلمٍ غريب، مدّ عنقه إلى أعلى بأقصى ما يستطيع، وإذا به فطن للتوّ إلى عطل الباص الصغير، الذي يستقله مع مجموعةٍ من العابرين، نتيجة غرق الشارع الرئيس المؤدي إلى مكان عمله بمياه الأمطار.

 **

إعتقاد

كانا يجلسان في مقعدين متجاورين في باصٍ صغيرٍ صباحاً. كتبَ لها في «الماسنجر»: أما آن لنا أن نرقي درجة علاقتنا من صداقةٍ إلى حب؟ كتبتْ: ليس قبل أن نلتقي. أين أنتِ الآن؟ في الطريق إلى عملي. وأنا كذلك، هل من الممكن أن نكون في الباص نفسه؟ كلا. لماذا؟ لم أجدكَ. وأنا كذلك. وترجّل هرباً من الزحام كما يعتقد.

 **

مصحّح

كان يمارس تنقيح الأخطاء اللغوية بمتعةٍ ليس لها حدود، في بروفات الصحيفة التي يعملُ فيها، فبحسبه، هو حارسٌ للغة وأمين بوّابة صحيفته من هفوات كتّابها، فينساب دوره إلى تهذيب عباراتهم وتشذيبها من أخطاء المعنى أيضاً. أحدهم كان حانقاً على المرأة في مقالته، ولا يقرنها إلاّ بممارسة السحر وتدبير المكائد، فلا يذكر حوّاء زوجة نبينا آدم، إلاّ ويكرّر أنّ اسمها مشتقٌّ من الحيّة، في محاولة إلصاق الجوهر الشرّير بها، وتناسي الخيّر. أخذ المصحّح يشطبُ الحية أينما ذُكرت، ويضعُ مكانها..(سمّيت حوّاء لأنّها أمٌ لكلّ حي).

في تلك الليلة اضطجع في سريره يفكّر بما نقّحه صباحاً، أخذته إغفاءة مع التحليق في انتصاره لحواء وبنات جنسها وضرورتهن في جعل الحياة قابلةً للعيش، لكنّ أفعى تسلّلت إلى سريره، وأخذت بخناقه آمرةً إياه: أنشر تنويهاً واعتذاراً في الصفحة الأولى عن عدم نشر اسمي وإلاّ…

 ***

باقر صاحب - أديب وناقد عراقي

 

مِنْ شاعرٍ

ألقى...وزُجَّ بأبعـــدِ:

لمْ أعتدي!

*

مِنْ طالبٍ

شَهِدَ الرصيفُ تَخَرُّجي وتَرَدُّدي:

ما بالْيَدِ!

*

مِنْ مُدَّعٍ

بعمامةٍ وبلحيةٍ وبمعْبَدي:

لاتقتدي!

*

مِنْ مُقْعَدٍ

- رِجْلاهُ تحْلُمُ بالغَدِ -

هاكمْ يديْ!

*

مِنْ مُعْدَمٍ

مانام دون تأَوُّهٍ وتَنَهُّدِ:

هاكُمْ غَدِي!

*

ماشِئْتُ هذا والذي

فَطَرَ النجومَ

لِنَهْتَدي!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

24/9/2024

 

غمّيتُ يا بيروتُ عن ألمي

غنيت بالقرطاس والقِلم

إني هنا....مثلك ...بيني وبينك ...حبرُ البيان

من الحكّام  في القممِ

**

غنيتُ صوبَ الماء.....للرّيح للشطآن للأنواء

قال الهوى أبْحرْت

قالت فراج الطّيرِ ما سافرت

خوفا على أبنائي

بيروت ناديهم لقد كبروا

بيروت ماء الوجه يحتضرُ

**

بيروت يا حزني ويا أرجوحةَ الأطفال

نحن كما كنّا .... أعراب مكّةَ جئنا من الأدغال

ونحبّ قبل الحربِ أمنيةً

ونصوغ بعد الموتِ أغنية

تبكي على الأطلال

والموت قرب الباب ينتظر

بيروت ناديهم  لقد كبروا...... بيروت ماء الوجه يحتضرُ

**

بيروت كنّا نحمل الجِسْرَا

ما بيننا والضّفةِ الأخرى

ماذا جرى بيروت

يا صوتنا المكبوت

صرنا نذوق الموت ...... في اليوم كم مرّة

بيروت قولي كيف ننتصر

بيروت ناديهم لقد كبروا

***

المولدي فروج

 

عجبي من حفار القبور

لا يرتدي الصمت

كما ترتديه جموع الحاضرين

فقط سروال "جين"

وقميصا مشبعا بالعرق...

لا يهاب الموت

كل يوم

يغرس ما تيسر

من الجثث...

يسقيهم بماء

يجف قبل

قراءة سورة "العلق"...

كل الموتى

مشاتل

نحوه تدب

حينما ينام على اليمين

كما لو دقت

ساعة النشور...

حديثه ثلاثي الأبعاد

بينه وبين الفأس

كلام المتآمرين

على صمت الصخور....

***

محمد العرجوني

 

طِفلَةٌ

الطّيُورُ

تُسَمّيهَا طائراتٍ

الحدائقُ

تَرسُمُهَا حرائقَ

الكراريسُ

في مِحْفَظتِهَا مَتاريسُ

ليلةً

خبّأتْ قِطعتيْنِ مِنَ الحَلوَى تحتَ المِخدَّةِ

نامتْ تحلمُ بالبحرِ

عندَ الصّباحِ

وَجدُوهَا في المِيناءِ

بِثلاثِ رصاصاتٍ

في رأسِهِا

***

سُوف عبيد

زفراتٌ على ضفةِ المسافَة

تُعاتبُ الرِّيحَ

الغافية في عينيكَ

تمتَطي جناحَ اللَّيل..

تطيرُ إليكَ بغفلةِ الرِّيح

توقظُ صمتَ الهَدير

تنثرُ نرجساًعلى قلبِكَ

ترِدُ على الغَدير

ترتوي من نهدِهِ..

قبلاتٌ مسافرةٌ

بين عناقيدِ الشَّهد

تبتهلُ إلى الرَّحيق

وتُصلِّي مع الفجرِ

ألا يغفو الحنينُ

في أكمامِ الشَّمس

شِفاهٌ مُتمردَةٌ

تبعثرُ الزَّنابقَ السَّوداء

تهدمُ تاريخَ الانتِحار

تزرعُ الضوءَ بين الرِّضاب

إنهُ زمنَ الوِلادَة

***

سلوى فرح - كندا

 

أو نشيد الوداع الأخير

***

أخيرا عدتَ إليكَ

نزعتها كما تنزع قطعة ثيابٍ لم تعد تخفي عريَ روحك أو تحميك من عواصف الفراغِ

*

عدتَ بعد غيابٍ، شرقيا تتنفس الماضي، تمضغُ الحاضر، لا ترى الغد فالعدم مُلك الله وحده

عدتَ إلى طينك الشرقي الأصيل، مؤمنا بالحب، كافرا بالحبيبة

لا أنثى خارج الجسدِ

*

الآن تُدرك الفرق بين الأشواق والأشواك

تدرك أيضا أنّها لم تكن إلاّ رؤيا قصيدة حلّت في الجسدِ ضيفة على الروحِ فإذا اكتمل القصيدُ في المسافة بين الروح والجسدِ تغفو قليلا كأنك في اللامتناهي

خفيفا بلا أوهامٍ، بعد أن رميت المعنى الميّتَ في صحراء أمسٍ ميّتٍ لا يتكرر

*

الآن تعيش خفة الكائن التي تحتمل

ترى الجمال في كل شيء

تشتهي دون خيانة

تعانق دون ذنب

*

الآن فقط تعيش بخفة الكائن التي تُحتملْ

كانت غيمة لا تمطرُ

تحجب عنك الشمس ولا تمطرُ

تحرمك دفء المشاعر... دفء الحياة

تلك التي سجنتك في أوهامها

ووقفت عند جمالها

سدّت الأفقَ

لم تمنحكَ إلا الوهمَ والقلقَ

أشعلتْ ليلكَ فأضاءكَ وأضاءكَ حتّى احترقتَ واحترقَ

*

لم تكن حبّا

كانت فكرة جميلة مؤقتة، تفتحت في الكيانِ ثمّ ذبلت كزهرةٍ في حدائق مهجورة

*

أغتسلُ منكِ لا كمن يتطهر من ذنبٍ

أغتسل منك كمن يكتشف جسدهُ من جديد

أغتسل منك كتائهٍ يعود إلى ذاته بعد غياب

*

كانت الرغبة: احتراق المسافة لا احتراق الروح

لكن المسافة الآن مضاءة بالغياب الجميل

هناك نشوة أن تمتلئ بالحياة لا بإمرأة كل ما فيها مؤقت

***

أحمد عمر زعبار

شاعر وإعلامي تونسي مقيم في لندن

في يَوم مبني للمجهول

قالت بنات الدهر: لعبة الزمن تَبْدأُ عِندَ المَحاق1

وعند التربيع الأول يرتجل العبث قصيدة غَزل خَليعة

ويرتد طرفه إلى الأحدب المتزايد ناثرا ضجيج القطيعة

وعند التربيع الثاني يقرض العمر لامية عَجَل2 قصيرة

ويرفع عقيرته صوب الأحدب المتناقص مكسرا صَمت الوَتِيرة

في يوم مبني للمجهول

أقطع براري الحلم بمشاعر مَهزوزة

في يدي مسكوكات حسنية

أبحث عن سيدة تَبيعُ الوَرْد

وخلفي تلهث سنوات عمري البئيسة

تُنبئنِي بأحداث تلاشت من الذاكرة

بقصص مسها الضيّم ووجع السؤال

عن نذور استحال استيفاؤها

عن تواريخ يصعب استرجاعها

في يوم مبنيّ للمجهول

أرتدي جبة الفقهاء

وأتلو مَتْنَ ابن عاشر الفاسِي3

بصحن القرويين عند العَشِي

وأعبّ كاساتِ العَبير

من حدائق جنان السَّبيل

وأتلو الوِردَ اللازم

عند زاوية الشيخ التِّيجاني4

نهرُ الكلام وجَوهرُ المعاني

في يوم مَبني للمجهول

عند الفجر احْتدّ صِراع بين المشاعر

وتكلمت شغاف القلب عن سَبقِ إصرار

هامسة لضوء القمر بتراتيل صوفية

ورأيت الحياة حمالَة أوجه تناور في وجهي

وتقتادني إلى معابر القهقهات

هناك بين حُدود المبنى والمعنى أشدّ عَضُدَ الكلماتِ

وأستميت في البحث عن التأويل عند صاحب الكتاب5

علّه يسعفني في فهم ألغاز العالم المجنون

عله يُنبِئُني بِجوهر أسرارِ هذا الكون

في يوم مبني للمجهول

أفتح دفتر التَّشْريفات

وأعلن بدء موسم المخاض

وإنْفَاذَ قانون الاِخضرار

كل الضيوف سيشربون نخبَ السلالات الجديدة

ويرقصون على أنغام السَّامْبا

وسأجلس بينهم كحكيم عاقل يدعو إلى المَحجَّة البيضاء

***

محمد محضار

الدار البيضاء: 6 غشت 2024

.......................

1- لمحاق هو غياب ضوء القمر المنعكس بسبب وقوع القمر بين الأرض وامام الشمس

2- لامية عجل يتعلق الأمر بجناس ناقص بين عجل وعجم في تقاطع مع لامية العجم للطغرائي

3- أبو محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي ابن عاشر الأنصاري، اختصارا ابن عاشر (  990 هـ - 1040 هـ) دفين فاس 

4- بو العباس أحمد التيجاني هو أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد سالم التيجاني من عبدة نواحي أسفي، وأمه عائشة بنت محمد بن السنوسي  ولد بعين ماضي ودفن بفاس سنة 1815م

5- المقصود سيبويه صاحب الكتاب إمام النحاة وأول من بسط النحو تتلمذ على الشيخ الفراهيدي ولد سنه 765م وتوفي سنة796م

 

. . مررت كعادتي من الشارع الكبير والرئيسي بالمدينة، مملوء كعادته بالمارة كل يسحب خطواته السريعة والبطيئة إلى حيث يرغب. فلا يوجد شارع آخر في أناقته سواه.  مزين بالمصابيح والأشجار ويريح كل نفس حزينة ومهمومة. على جنبيه أحدثت بنايات عالية تليق بضخامته وأبهته.  وعنه تفرعت أزقة وأحياء متعددة، صغيرة وفقيرة ومهمشة لا تراها العين إلا إذا كنت من المقيمين بها. شارع يحمل تناقضا مروعا لكنه تحول الى واقع عادي يعيش بيننا. فصار يستهويني كثيرا ويجعلني أتيه بين ضجيجه، وأنسى متاعبي اليومية ودموعي الحارة. أحيانا أمشي بخطوات متثاقلة وأشعر بأن الشارع طويل أسكنه لوحدي. فقذفتني في يوم من الأيام التائهة، موجة حرارة غير عادية إلى ساحة غريبة عن نفسي، ليستريح جسدي على إحدى كراسيها الإسمنتية. وجدتها مكتظة بنساء يحملن آثار الوشم البعيد على أجسادهن. لم أكن أعلم بوجود هذا الكم الهائل من النساء. يأتين كل مساء، مع أطفالهن ويتركن أجسادهن تسترخي على أي شيء ويبقين حتى تودعهن الشمس بخجل ويشاهدن استيطان الليل لتلك البقاع الخاصة بهن. استحالت تلك البقعة الصغيرة إلى مجمع نسائي لا ترتاده سوى النساء المحملات والمثقلات بسلاسل المنع الطبيعية وغير الطبيعية. فخلقن مقهى بدون رخصة رسمية. أعجبني هذا التحدي اللاإرادي لكل امرأة الذي ينم عن ثورة نفسية وفكرية. أو هو نتيجة طبيعية لصمت دام زمنا طويلا. امتلأ المقهى النسائي عن آخره حتى اختلطت الأصوات ولست أدري كيف تنصت الواحدة الى الأخرى. صار لهذه المقهى مواعيد محددة، تفتح الأبواب بعد الظهر، عدد كبير منهن يلجن المكان أفواجا. نساء خارج الزمن، ملحفات بغطاء الجدات. حضورهن يكون متقطعا وعلى فترات، يتكلمن كثيرا. كلام صغير وكبير، محزن ومفرح. وعندما ينشر الليل عباءته السوداء ويعلن عن حضر تجول النساء، وكأن بالليل هو أيضا يحمل عصاه الغليظة على رؤوسهن. فيقمن صفوفا كل واحدة تتلمس طريقها بين دروب الليل. من ليست له دراية بهذا المقهى، يعتقد عندما يراهن، بأنها مظاهرة نسائية جريئة تطالب باسترجاع الحقوق المنتزعة.

اعتادت قدماي على المرور بجانب هذا المقهى. أحيانا يكون فضولا لا أفهم سببه ولا أستطيع تبريره. وهذا ما حصل لي في يوم، كنت سائرة بين صفوف النساء الجالسات فكانت المفاجأة عندما رمقت وجها أعرفه، جالسا بين الوجوه النسائية الأخرى. كأنه استنساخ متعمد من طرف الطبيعة والمجتمع. بدا لي حزينا وبئيسا ومنعزلا كأنه يحمل مآسي الدنيا كلها.

"إنها هي" قلت لنفسي. وجف قلبي، وما هي إلا لحظات حتى التحقت بها زميلة أخرى وأفسحت لها مكانا صغيرا بين الأجساد الأخرى.

"ان المقهى غريب في تركيبته. لماذا حضرت سعاد وفاطمة إلى هنا؟ " توقف دماغي عند نقطة الصفر أعدت النظر من جديد إليهما وقررت في النهاية الالتحاق بهما. سأجلس من جديد وسأحاول معرفة اللذة التي يشعرن بها جميعا رغم الحواجز الموجودة بينهن.

اقتربت منهما وفاجأتهما بسلامي المدفوع دفعا، وكانت الحيرة بادية على ملامحهما رغم الابتسامة الصغيرة المترددة. لم أكن أتصور أن كل الكراسي الإسمنتية محجوزة أو مملوءة. جلست بصعوبة وتركت الحرية لحواسي تتجول بين عالم الكلمات المختلفة والمتناثرة هنا وهناك. تحول المكان إلى محكمة على واقع الحال، من يوميات مملة وقاسية ومتعبة، ومن تحكم رجالي غير مقبول. هو لقاء بين النساء للبوح بأسرارهن الممنوعة من التداول وإرسالها في الفضاء الشاسع لكي ترتاح أجسادهن وتستعيد أرواحهن المتعة المفقودة. وأنا مأخوذة بشساعة المكان وقوة الحضور النسائي، فاجأتني زميلتي سعاد صاحبة الصوت المزعج قائلة: -لم أرك مند التحقت بعملك الجديد.  ابتسمت وقلت: -إنها روتينية الحياة تأخذك حتى من نفسك. أنا هنا أمضي وقتي بين العمل والبيت والتجول أحيانا مثل اليوم.

خلال حديثي معها لاحظت أن شعرها الذي كان ينافس الليل في سواده ويسبح بكل حرية، قد غزاه الشيب تماما ونام تحت غطاء يئن من الشيخوخة وغزت ملامح وجهها انكسارات الزمن. فاستحالت لعجوز قبل الأوان. تابعت بقهقهتها المثيرة والمستفزة: - ياه، يا هند أنت كما عهدتك. ألم يغيرك الزواج.

تركت سؤالها يضيع بين الأصوات النسائية والتفت إلى زميلتي الأخرى "فاطمة" التي كانت تبدو تائهة عن حديثنا، وترمقني بين الفينة والأخرى كأنها تبحث عن شيء مفقود. امتلأت الساحة عن آخرها.  كل امرأة تحمل أحقابا من اليأس والبؤس تحاول بطريقتها الخاصة أن تفرغها علها تجد مكانا آخر بين ضلوعها مازال قادرا على التحمل وتعيد ترميمه.  ظلت فاطمة صامتة ومبهمة، تشاركنا ببعض الابتسامات وبعض الحركات الآلية برأسها. اصطحبتني سعاد صاحبة الصوت الجهوري من جديد إلى عالمها الصاخب والمليء بالحكايات العجائبية حتى نسيت في لحظة لماذا أنا هنا. كأنني ارتحت إلى روح المكان وتهت أنا بدوري وسط هده الأكوام البشرية الكبيرة والصغيرة. التفت إلى فاطمة الصامتة وقلت لها: - كيف حال طفلك.؟ أغمضت عينيها كأنها تبحث عمن يسعفها، وقالت بصوت غير مسموع: - إنه بخير. وسكتت من جديد. احترت في أمرها. كانت فاطمة عندما التحقت للعمل معي في نفس المؤسسة، فتاة جد طموحة ومتحررة، تتكلم كثيرا وتدلي برأيها بكل حرية. ماذا جرى لروحها حتى تنكسر هكذا وتحسب على باقي النساء المنكسرات والمثقلات بموانع الأهل والأولياء مند غابر الأزمان؟ أصبت بارتباك مفاجئ، قمت وسلمت على زميلتي. فقالت لي سعاد: - سنلتقي غدا هنا، إذا أردت الانضمام إلينا. ابتسمت وتركتهما. قمت وأنا أحاول أن أجد لي طريقا بين الأطفال المتناثرين وسط الساحة. حتى لعبهم تغزوه الفوارق الجنسية المكتسبة من أعرافنا المتوارثة عبر مئات السنين. ابتعدت عن المقهى وكلي رغبة في زيارته مرة ثانية، المقهى النسائي، عنوان كبير صار يعيش بداخلي. في ذلك اليوم، مضى الليل بهدوء ثقيل كعملاق كبير يمشي الهوينى، أرحت جسدي على سريري الذي يئن من كثرة تمددي عليه، ولم تنعم عيناي بالنوم إلا عند إشراقة أولى خيوط الفجر، محاولة الهرب من أسئلتي المتعبة. عند المساء، كنت على موعد مع المقهى النسائي، دون أن أفكر. جلست بين الجالسات أبحث عن سعاد وفاطمة، لم أجد سوى وجوها يائسة ترسل أصواتا غاضبة أو ضاحكة. باغتني صوت واهن من وراء ظهري يلقي التحية، كانت امرأة هزيلة الجسم، بعينيها ألم وصبر ورضى. بجانبها ولد وبنت، كانا ككل أطفال الدنيا يحملان طاقة خارقة للعب.

أحسست بأنها ترغب في الحديث معي. سرقتني الأصوات النسائية المتناثرة في الفضاء كأنها سجينة الحناجر منذ غابر الأزمان. عادت تكلمني بصوت خجول فقالت: يجب على الحضور باكرا لكي أجد مكانا فارغا.

قلت لها: معك حق. هل تأتين إلى هنا دائما؟ قالت بابتسامة مرتبكة: لا أجد أين أذهب حتى أرتاح من حيطان البيت. هنا أجد من يكلمني وأكلمه. هامت قليلا بنظراتها في الفضاء الواسع أمامها. حاولت اظهار استعدادي للكلام معها فقلت لها: - انتبهي لطفليك، فالشارع مليء بالسيارات. أسندت رأسها على كفها وأطلقت العنان لزفرات متتالية وقالت: - لقد أتعباني كثيرا. أحضر الى هنا لأرتاح من لغطهما المتواصل. ومن أبيهما أيضا. ازداد فضولي فسألتها: - كيف.؟ ربد وجهها قلقا وقوست حاجبيها ثم أعادت النظر إلى الفراغ. كانت لحظة صمت جعلتني أنصت لكل امرأة جالسة، هائمة. عادت تقول: - لقد تزوجت رغما عني وعشت نفس العذاب الذي ذقته في بيتنا. حاولت عدم الإنجاب حتى لا تتكرر مأساتي لكني لم أنجح. وصمتت من جديد.

"انتبه إلى أختك". صرخت بكل أصواتها الداخلية. التفتت إلي صانعة مسحة من الرضى وقالت: - سامحيني، لقد تكلمت كثيرا. ثم فاجأتني بسؤال: - هل أنت متزوجة؟ ابتسمت وقلت: - نعم. قالت ويدها لا تفارق خدها: -الرجال كلهم مثل بعض. لا يعاملونك معاملة طيبة. أجبتها كمن تدافع عن حصنها: - معك حق، ولكن ليس كل الرجال. ردت بثقة كبيرة: - كلهم يا أختي...عدلت من غطاء رأسها وذهبت مع ابنتها لتشرب. عادت الطفلة تسبق أمها الهالكة والابتسامة الحلوة تكسو كل وجهها الصغير. استغربت كيف تتحمل المرأة كل هذا الكم من المتاعب والويلات منذ أن تدرك ذاتها. همست لروحي "هل هذا قدر أم أن المجتمع قسم الأدوار إلى مالك ومملوك حتى استحال الوضع من الأشياء الطبيعية؟". نادت الأم على طفليها بعدما بدأ المقهى النسائي يخلو من زائراته، وقمنا نتبع الصفوف وكلام السيدة لم ينته. كانت أجسامنا تتمايل تحت ستار الليل الدامس وتضيئها مصابيح الشارع الطويل. التفتت إلي وقالت بحزن دفين: - يوم تزوجت يا صاحبتي يوم دفنت. إنني أصارع من أجل طفلي حتى لا تضيع حياتهما.

ودعتني معتذرة عن إزعاجي، دخلت زقاق ضيق به أبواب كثيرة، ابتلعتها ممراته المظلمة وغابت عن ناظري نسيت حتى أن أسألها عن اسمها. أكملت طريقي لوحدي أحمل ثقل الأسئلة وصعوبة الإجابة.

أصابتني لعنة المقهى النسائي، صرت أمر بجانبه كل يوم فتحدوني الرغبة في الجلوس. أجلس وأهيم مع جمال المقهى النسائي واختلاف نسائه رغم قساوته. أفرح أحيانا لكون النساء استطعن بشكل لا إرادي أن يحدثن لهن مكانا خاصا رغم كثرة الموانع والممنوعات المفتعلة، وأحزن أحيانا أخرى على هذا الواقع الذي يفرض على المرأة نظاما عبوديا فقط لكونها امرأة. كنت أتهيأ للذهاب إذ بخيال يحجب عني المرور. كانت "سعاد" ذات الصوت المزعج والهامة الطويلة، سلمت علي بابتسامتها الساكنة وقالت: -هل صرت أنت أيضا زبونة لهذا المكان أو المقهى النسائي كما تسمينه؟ ضحكت بصدق وقلت لها: - فيه راحة غريبة كنت أجهلها.

تكلمنا كثيرا والتحقت بنا "فاطمة"، كانت كعادتها صامتة وحزينة. نظرت إلي وقالت: -هل تعلمين يا هند ماذا حل بي وبسعاد؟ خيم سكون رهيب زاد من دقات قلبي، تابعت: - لقد طلقت سعاد بطفلتين وأنا بطفل.

انفطر لساني عن الكلام واحترت ماذا أقول. أنقذتني ضحكات "سعاد" المجلجلة وقالت: -لا تستغربي يا عزيزتي، الرجال صنف ذئاب، في الأول يكون حملا وديعا وفيما بعد يتحول إلى مصاص دماء.

فاطمة لم تتكلم، ملامحها يائسة، عيناها ذابلتان كأنهما من الأزمنة الغابرة، جسدها هزيل واهن كعجوز أنهت لقاءها مع الزمن. تغيرت سحنتها كثيرا. لم أدرك في السابق هذا التحول الجدري والعميق. أشفقت عليها كثيرا كدت أحضنها وأقول لها بأن تبكي حتى تبرأ من ذاك الداء الخبيث. ففي البكاء دواء للنفس العليلة. لم تحرك شفتيها قالت الخبر المفزع وعادت إلى عالمها. كسرت "سعاد" ذلك السكون المشحون وقالت: -الرجل يا أختي هند، يبحث عن المرأة الموظفة الصامتة، التي لا تفكر ولا تسأل. كنت سأقول لها بأنهم ليسوا كلهم مثل بعض. تابعت بحدة: -الرجل الذي يسأل المرأة عن مالها منذ أول لقاء ماذا تسمين هذا؟ .حاولت أن أدافع عن أفكاري قلت لها: - مسألة عادية لأنك أنت أيضا تسألينه عن إمكانيته المادية. اقتربت مني أكثر وقالت: -المرأة تسأل لكي تشعر بالأمان أما الرجل فيبحث عن الاستغلال.

ظلت "فاطمة "بعيدة عن نقاشنا كأن مصيبة الطلاق قضت على كل ما هو جميل بروحها كما تفعل النار بالهشيم.''إن حياة المرأة بملكها ولا تنتهي بالطلاق‘. قلتها بصمت وتركت سعاد وفاطمة تعيشان لحظات صمت أخرى. كل واحدة تضع يدها على خدها وتغلق عينيها وتفتحهما ببطء. تجرأت أكثر وقلت لهما: - لقد وقع الطلاق، فلا يجب أن ترتميان في أحضان التجاعيد والبؤس، فالحياة مستمرة. نطقت "فاطمة" بقوة وقالت: -لا حياة للمطلقة في مجتمعنا. نطقت وحكمت وأسدلت الستار.

وعادت تحتمي بصمتها الحاد. صارت الشمس في الأفق البعيد تودع المقهى النسائي، فقمنا صفوفا بوجوه مختلفة وأصوات مرتفعة هنا وهناك على أمل اللقاء القادم. ودعت زميلتي وارتميت بين أحضان الليل السجي، يتقاذفني شارع تلو الآخر ورأسي يتزاحم بالأفكار. استيقظت في الصباح الباكر وما زلت متأثرة بتلك الأمسية الممزوجة بشذا الأزهار ووخز الإبر. بعد مدة، خرجت أمشي دون هدف محدد، الشوارع مملوءة عن آخرها وجوه بلهاء صامتة تتحرك بشكل آلي في اتجاه واحد. مشيت حتى آلمتني قدماي وحاولت ألا أدخل المقهى النسائي لكيلا تقتلني مرة أخرى هموم النساء الصامتات. "كم هو ثقيل الزمن على المرأة، لا تستطيع أن ترفع رأسها بخفة كالرجل". باءت محاولتي بالفشل، ودخلت المقهى بخطى مترددة وخائفة، جلست في مكان بعيد عنهن. لكن كـأن لي موعد مع القدر، جاءت إحداهن بصوت يجلجل، تتحرك بصعوبة وتلهث عند كل خطوة، جلست بجانبي والأساور الذهبية تعلو وتنزل كلما حركت يديها. يتصبب العرق من جبينها كأنها جرت أميالا، سمعتها تقول "خديجة تعالي هنا، المكان فسيح. "أقبلت خديجة ضئيلة الحجم، منكسرة، تكاد الدمعة تفر من عينيها. جلست بجانب السيدة الضخمة كأنها تحتمي منها من غضب الطبيعة والمجتمع. ظل الصوت المجلجل يتكلم ويتكلم دون أن يكل واستمرت اليدان تتحركان في الفضاء بقوة وبسرعة كأنهما في مرافعة حاسمة. وما هي إلا لحظات حتى قالت لي السيدة الضخمة بدون مقدمات: -أيعقل هذا يا لالة؟ لم أتكلم لأنني لم أفهم. سمعت صوتا غضا يعلوه الهوان والتردد كأنه آت من جسد على مشارف الموت. أثار انتباهي تدخل السيدة الضخمة العنيف وقالت: -أنت مسؤولة عن كل ما حصل لك. . . لو كنت مكانك لدافعت عن حقي بكل قواي.

قالت السيدة التي تسمى خديجة: لقد كانوا متحدين وأنا وحدي وسطهم لا حول لي ولا قوة. وما هي إلا لحظات حتى فرت الدموع من عينيها تكمل باقي الحديث الحزين.

فركت السيدة الضخمة يديها بعنف وقالت بصوت مسموع: - ماذا ستفعلين الآن بعدما أخذوا منك كل شيء؟

أخذت السيدة خديجة منديلا ومسحت عينيها كأنها تبحث عن نبراس ينير لها طريقها قالت ونظراتها لا تفارق الأرض: - أعتمد على الله وعليك. لن يرد لي حق بناتي إلا أنت. التفتت إلى السيدة الضخمة وقالت لي دون أن تنتظر مني جوابا: - طردوها من بيتها هي وبناتها بعد وفاة زوجها.

سرقتني تجمعات نسائية أخرى ، نقاش حاد وصراخ بالأيدي كأنهن لم يتكلمن منذ زمان.

***

أمينة شرادي - المغرب

 

قِــطَـارُ الــقَهْرِ يَــا جَـدِّي

عَــلَى صَـدْرِ الْـوَرَى جَاثِـمْ

*

بِــلَادُ الــعُـرْبِ مَــسْخَرَةٌ

وَوَاقِـــعُ حَــالِـهَا صَـــادِمْ

*

فـ(زِيـنغُو) ســادَ في بَكْرٍ

وَ(رِيـنغُو) فـي بَـني سَالِمْ

*

أخَـاهُمْ (شَــرْشَبِيلُ) غَــدَا

كَــرَمْــزٍ لِــلْــعَدَا هَـــازِمْ

*

فأضحى مِثلَ (دُنْ كِي شُتْ)

وُجُــــودُهُ لِــلْــوَرَى لازِمْ

*

لَــدَيْـهِ أَلْـــفُ (هَــرْهُورٍ)

لِــنَـعْــلِ حِــذَائِــهِ لَاثِــمْ

*

طــواحــينُ الــهوا سَــبَبٌ

يَـظَــلُّ لِــجَـمْعِنا سَــائِــمْ

*

وَأَكْــبَـرُهُــمْ كَــزُغْــلُــولٍ

أَسِــيــرُ الـــرُّزِّ وَالــطَّاعِمْ

*

رُمُـــوزُ الــعُـرْبِ قَــاطِبَةً

رُوَيْــبِـضَةٌ لَــهَـا شَــاتِــمْ

*

وبَــاتَ الــدِّيكُ فِــي قَوْمِي

يُــقَــالُ لَـــهُ أَبــوجَــاسِمْ

*

وَلَــيْــسَ لِـــعِــزَّةٍ لَـكِــنْ

لِــنُــدْرَةِ فَـــارِسٍ صَــارِمْ

*

فَـــلَا صَــمْــصَامَةٌ بَــقِيَتْ

وَلَا كـــفٌّ بِــهَــا قَــائِــمْ

*

وَلَا الــبَــلْقَاءُ فِـي جَــيْشٍ

لِــنَـجْــدَةِ حُـــرَّةٍ عَـــازِمْ

*

رِيَـــاحٌ فَــجْـأَةً عَــصَــفَتْ

فَــصَــارَ سَــمَــاؤُنَا غَــائِمْ

*

أَتَــانَــا عَـــارِضٌ هَــطِــلٌ

بِــسَــيْلٍ جَــارِفٍ عَـــارِمْ

*

ظَــنَـنْتُ بِــأَنْ سَــيَــتْبَعُهُ

رَبِـــيـعٌ مُــزْهِــرٌ دَائِـــمْ

*

وفِــرْعَـوْنُ الَّــذِي يَـخْشَى

سَــحَـابًــا حَــوْلَهُ حَـائِـمْ

*

فــيَنْـزِلُ مِــنْـهُ مَــوْلُــودٌ

يَــكُونُ لِــعَــرْشِهِ هَـــادِمْ

*

فــصاحَ الــويلُ يَــا هَامَانُ

إِنَّ حِــــسَــابَــنَا قَــــادِمْ

*

إِذَا الــطُّــوفَــانُ أَدْرَكَــنَـا

فَـــإِنَّ مَــصِــيرَنَا قَــاتِــمْ

*

وأنــتَ وُلِـــدْتَ شــيطاناً

بِـــكُــلِّ خَــبَاثَــةٍ عَـالِــمْ

*

ســنَـقْـتُلُ كُـــلَّ مَــوْلُــودٍ

ولا نَــخـشى مــن الــلائمْ

*

ذِئَــابٌ فِــي الحِمَى صَالَتْ

وَشَــيْـخُ رُعَــاتِـنَا نَــائِــمْ

*

فَــأَرْضُ الــعُرْبِ مَــزْرَعَةٌ

لِــدِيــكٍ مُــجْـرِمٍ ظَــالِــمْ

*

إِذَا تَــــأْتِــيـهِ عَـــاهِـــرَةٌ

سَــيُـصْبِحُ قِــطَّهَا الــنَّاعِمْ

*

يُــنَاديــها بِ"مــولاتــي"

يــصيرُ لـها كـما الــخادِمْ

*

وَرَغْـــمَ بَــيَــاضِ فَــوْدَيْهِ

بَــدا كـالــمُغْرَمِ الــهــائِمْ

*

فــيَغْدُو الــزِّيرَ فِـي تِــيهٍ

وَفِـي إِكْــرَامِــهَا حَــاتِــمْ

*

يَــمُوتُ بِــعِــشْقِهَا كَلِــفًا

يَــظَلُّ بِــوَصْـلِهَا حَــالِــمْ

*

يَــبِـيـعُ الـدِّيــنَ وَالـدُّنْـيَا

لِــيَـبْقَى عَـرْشُــهُ عَــائِــمْ

*

يَــقُولُ الــقُـدْسَ نَـفْتَحُهَا

بِــجَيْشٍ مُــتْرَفٍ نَــاعِــمْ

*

نُـشَــجِّعُ أَلْــفَ رَاقِــصَــةٍ

وَأَلْـــفَ مُـخَــنَّثٍ دَاعِـــمْ

*

وَأَلْــــفَ خَلِـيعَةٍ تَــغْــدُو

مِــثَــالًا يُــحْــتَذَى"زَاعِمْ"

*

وَشَــيْـخٌ يُـحْسِنُ الــفُــتْيَا

نَــبِـيـهٌ حَـــاذِقٌ فَــاهِــمْ

*

يُــصـنِّفُ مَــنْ يُــعَارِضُنَـا

لَــــعِـيـنٌ كَـــافِــرٌ آثِــــمْ

*

وَخَــيْـرُ الـنَّــاسِ قَاطِــبَةً

يــموتُ لِــيَـفْدِيَ الْـحَاكِمْ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

تركتُكَ تقولي كلَّ شئ

وذهبتُ أجلسُ في العراءْ

(الى امرأة لا تتحّقق)

***

هذه هي القصيدةُ التي أستحي منها ولا تستحي مني، أفصّلها ثوباً لا يرتديه أحدْ

أرسمُها قبلات لم تخطرْ على شفاه؛ تخيّلتُها مدناً مهجورةً فيها وقع أقدام كثيرة، وأحاديثُ لا تنتهي

قلنسواتٌ تتساقطُ على أرصفةِ لم يمرّ بها أحد

و أنهارٌ أسمعُ خريرَ مياهِها على خارطةِ الحائط

طالما سخرتْ منّي هذه النهاراتُ الحزينة؛ وأنا أرسم ُحبيبةً ملوّنةً في لوحة الحيرة ثمّ اقبّلُها في العراءْ

لم تكوني وحدَكِ في اللوحةِ بل كان الصمتُ الذي يهذي كثيراً يحيطُ بكِ

و كنتُ أنا ذلك السمّاقُ الذي يزيّنُ شفتيّك؛ وكنتِ ذلك العشقُ الذي يستغلنُي

***

أّيّتها الأنا التي تحيطُ بي؛ تركتُكِ تقولي كلَّ شئ وذهبتُ أجلسُ في العراء

أيّتها الفراشاتُ التي أطلقُها كالطائراتِ الورقيّة - - علّك تصلي اليها؟

يا أغصانَ التين التي تسحرُ المآرةَ؛ أيّها الكرزُ الذي يعدنُي بأشياء لم ينفذّها قطْ

وانت يا امرأةً ترممُ أسمَها بأستغلالي تبني مدناً بعظامِ عشقي وتهدّها

دعي صوتَك يمرُّ بي ويطلق ُ العصافير في الغبشْ

لماذا كنتِ لافتةً لا تدلُّ على شئ؟ لوحة بلا ألوان وطريقا لا ينفذّ الى مبتغى؟

لازلتِ لؤما يتدحرجُ من أعلى أنايْ، عشقتُكِ حتى نبت العشب على يدي

حتى تدحرجَ عشقي وأرتطم بنهدك وهو يعبث بأصابعي الناعسة

تبّا للساقية التي أوصلتني اليكِ لذلك العناد الذي بصقَ بوجهي

و أنا أقطفُ التينَ الذي يتساقطُ من أنوثتكِ وهي تسخرُ منّي

و أنا أشيّدُ المدنَ التي لا أسكنُها

***

المتاهةُ وانتِ ضدّان لا يلتيقان بخاطري يا ناقدتي التي يخذلُها الكلام

دعيني أجوسُ أزقّةَ صدركِ المكسوِّ بالكنافة؛ دعيني أرمّمُ الأناقةَ في أنوثتكِ

أسألُ عنك الحروفَ الأبجديّة واللا أبجديّة

علّي أحدّثُ عنك الكرزَ في العراء؛ او طائرَ السنونو حين يحطّ ُعلى نافذتي؛

او حتى أسألُ عنك الأشياءَ التي أحببتُها في شبابي؛ علَّها تقودنُي الى أسمكِ الذي صار

غوايتي وألعابَ الصغارْ

فمن يقودنُي الى ضياعِك الذي لم أجده؟ الى بساتينِك التي هاجمني نحلُها الذي يغار مني

الى الأوراق التي كتبتها لك وتناثرتْ في العراءْ، وأنتِ عذابي الذي لا أشفقُ منه

وأنتِ خيبتي التي كانت أمامي وألمحها في الظلام، يا بقايا عظام أحلامٍ أتى عليها الندمْ

يا بقايا أماني نسيتها على الحائط فأكلتَها الآرضة؛ يا فاكهتي المحرّمة ونكهتني التي لا تطاق؛

عشقتُكِ حتى نبتَ العشبُّ على يدي؛ حتى رهنتُ خاتمي لديك بلا ثمنْ؛ يا نخلتي التي تشهقُ بأنفاسي يا أرضي التي أستباحها سواي؛ مَن لي بمهمازك يجرُّني اليكِ؟ كيف أجرّك من شعرِكِ؟ وأنتِ الغبشُ كلُّه والشمس التي تنأى خلف أوهامي! كيف أرسمُك مستطيلا منْ عشقْ وانا دائرةٌ من ضياع؟ يا أوراق الدفلى التي تكسّرت بين أصابعِ الصغار؛ يا ثيابَ الملكاتِ القديمةِ ورائحةَ الوصائفِ في القصور؛ يا بقايا أماني نسيتها على الحائطِ فأكلتها الآرضة

***

د. رسول عدنان - شاعر وناقد عراقي

 

من يطفئ البركان

إذا البركان إنفجر؟

سعيراً مائجاً

يطوي المخادع

والمضاجع والمساكن..

**

ليس وحده ،

يحرق الكل

إذا الوهج اندلع..

لا يقف عند الأسرة

والشوارع والمآذن..

هكذا ، يبدو نزبف المشهد الدامي

بأروقة النهار..

**

مًنْ يُشْعٍلُ النارَ،

كمنْ يُطلقُ

الشبحَ المخيف على الطريقْ

هل يطفئ الماء الحريقْ ؟

هل ينقذ الصمت روح الغريق؟

**

أبخرة البركان

ترقص في السماء،

وليس في الغيم مطر..

**

من يوقظ البركان

في مضاجع السلام؟

من يمسح الوجوه من تراكم

الرماد والغمام؟

***

د. جودت صالح

21/9/2024

 

حين يخفق القلب.. على المفاهيم ان تتغير

لم يكن بالحسبان ما تعانيه تلك الشابة.. كانت تبتسم للفجر وتغازل أحلام صباها.. لإشراقة شمس جديدة.. تسمع همس السواقي وحفيف الشجر.. ومباركة ملائكة، يحملون ومضة البشرى.. ليبدأ الانسان بإصلاح مكنونات حياته..

تلك الرمانة الملتاعة بوردها الاحمر تخاف عليه من شحة الماء واهمال الزارعين..

تخاف ان ينفد الحب في هذه الأرض ويتوج (هولاكو) جديد فتسجل خسارات أخرى جديدة.. ويعطل النماء..

***

يحتلان ركنا هادئا داخل حديقة عامة مليئة بالأشجار الباسقة والورود النادرة التي تبث روائحا منعشة توحي أجوائها براحة للنفس تطل على شواطئ نهر الفرات.. يتهامسان في حالة من الاندماج الروحي في أمسية نيسانية عذبة.. تتقاذف نسيمات الهواء أطراف شالها الأزرق بلون السماء والمتلائم مع لون قميصها وحقيبتها.. تحمل رياح الشاطئ برودتها المنعشة لروحيهما.. فاللقاء يضفي جماله على المكان والزمان

تهمس مع نفسها لا ندري ما نمر به ان كان حلما أو حقيقة.. ولماذا يحترق العشب الأخضر.. ولماذا تضن الغيمة بالغيث وبالندى..

بدأ الشاب يدير دفة الحديث بينما تخفض الفتاة رأسها وتشعر بخفقان قلبها.. فرحتها تغازل أنجما تتراقص في رحاب مخيلتها الفتية.. فكل شيء يوحي بالهدوء والجمال.. يتسامى حبهما رغم التيار ورغم غضب اهلها ورفضهم القاطع لهذا الشاب منذ سنين وها هما في انتظار ما تؤول اليه العقول المتحجرة

يقلب الشاب بهاتفه النقال لكنه لم يستطع ان يركز على موضوع معين فعاد ينظر اليها وأسئلة كثيرة تدور برأسه لكنه يحاول ان لا ينتزع فرحتها في تلك اللحظة

يحسدان عصفورين يبنيان عشهما وسط شجرة توت عملاقة تتدلى أغصانها على نوافذ الأبنية المجاورة..

لكن الشاب وجد نفسه يتطرق لذات الموضوع الذي يدعوهما للقلق والحيرة في مصير علاقتهما وموقف أهلها المتزمت.. أخذت الفتاة تهز قدمها اليمنى بانفعال دون ان تتلفظ بكلمة واحدة.. وتمسح وجهها بمنديلها الابيض وكأنها تتمنى ان تستدعي زورقا لتبحر فيه مع من تحب بعيدا عن أعين المتسلطين.. كانت تقلب صفحات كتاب دون ان تقرأ منه شيئا..

الفتاة بنبرة حزن عميق وعلينا ان نبذل أقصى الجهود لنجعلهم يعدلون عن أفكارهم الخاطئة لانفصالنا.. وقد لاحظ الشاب محاولتها ان تجعل ملامح وجهها أكثر تفاؤلا.. وقد بدا الجمال الإلهي واضحا على ملامح وجهها الأسمر.. ثم قالت والألم يعتصر روحها.. فعلا انه لأمر فظيع ان أرى بحرا من الجهل يجرف سنابل القمح.. انها بلا ريب قضيتي وقضيتك.. وسنواجه مواقفا صعبة للغاية..

بلهجة حادة قال الشاب.. أتمنى ان أعرف سببا واحدا مقنعا لرفض أسرتك.. لإتمام مراسم الزواج.. ومن المدهش حقا انهم أعلنوا قرارهم الجائر لأسباب لا أعرفها..

اذن بماذا يفكرون.. نعم لم أجرؤ ان أتخيل ذلك المصير الذي يواجهنا.. لذلك أشعر بوحشة الدرب وشلالا من الفوضى في كل الدروب.. !!!

الفتاة.. تتأوه ثم تأخذ نفسا عميقا بحسرة وألم وقد تملكها شيء من الخوف.. أتمنى ان يمنحنا الله الارادة وقوة الحجة حين نحاول الحوار معهم.. ثم أخذت تتمتم بكلمات غير مفهومة فربما تكون دعاء..

وبصوت خفيض قالت.. للأسف أقولها لك انها.. انها (الطائفية المقيتة) التي حمى وطيسها في الآونة الاخيرة.. ونحن قرابينها بلا ثمن.. شئنا أم أبينا لا ذنب لنا سوى وحشية الزمن الذي نعيش..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

القصيدة حالة نسيان

تحاصر الذاكرة

تئن كثيرا ولا تنهزم،

صادقة كجنازة فقير

لم يلتفت إليها أحد،

هي سيرة أجساد العبيد

حول سياط الأسياد،

وما بقي مِن أثار

مَن مروا قبلي

تحت هامش أيامهم،

وآخر مَن يَرثي

عُريَ صحرائنا العاهرة

*

حين أحِب،

أطل علي منكِ

فلا أرى

إلا بقايا خيبتي،

أخبريني عنها

كيف هي الآن؟

أما زالت تحب الأغاني؟

أم أني من بعدها

شِبهُ أسماء متناثرة

*

القصيدة

صعود الحالمين إلى عزلتهم

وليل العشاق بعد النهايات،

لم أكن يوما ما لم أكن،

لكنني غيمة تفضح

ما بداخلها من أسرار،

أحب حيناوحينا أحب،

وأتعب حين أمر

فوق نفسي

ولا تعرف نفسها العابرة

*

نرقص داخلها مع أحزننا

ونختبئ خلف وجوه

ليست لنا،

نضحك، نبكي،

نغني، نصمت،

ننتصر، وننهزم

أمام أعمارنا المسافرة

*

القصيدة

تركض بي إليها

وتنسى

في حزني أشياء جميلة،

صلاة أمي،

عناد حبيبتي،

حديقة بيتنا الخلفية،

وتذكرني

كيف نبتت بعد الحرب عشبا

يلعب فوقه الأطفال

غير آبهين برائحة الغزاة

ولا أقدامهم الغابرة

*

القصيدة أنثى الغياب

أنثى

الغياب

الحاضرة

***

فؤاد ناجيمي

........................

* من المجموعة الشعرية: هذا العالم لا يشبه أمي

 

يا أنت...

أيها المفتتن غرورا

تمهّل

فما ظنّك بسعي أضاع بوصلته

ألا تخشاها

عاقبة غواية

تطيح بآمال

خيوطها عنكبوتية

*

بين منايا اتقنت ابتكارها

ما أنت إلّا هشيما

تأنف عنك

الريح العاصف

وإن توسلتها ندما

لتواري نتانة

آثامك

مذ آثرتها هرولة جنونية

*

مسكينة

أرضنا

خُلِقت لتعمر

وأبى الأراذل

إلّا التنافس

بماراثون الخاسر الأكبر

وبعناد الطفولة الأولى

يصّرون

غير آبهين

لتنسف خريطة هنا

وتمحى خريطة هناك

وبين الهنا والهنالك

تقتل دمعة

عمرها

عمر تلك الخطيئة الأم

لغواية

تفاحة خادعة

*

صرخات

تطلقها

عيونهم الهلعة

والباحثة عن براءة

من ذنب

لا ذنب لهم فيه

لكنهم حمّلوه وزر مع أوزار انشطارية

فآه

لعيون مبتلاة

لم ترمش

بعد

*

لكن، ثمّة ضوء

ينبثق من بين الركام

ليحتضن برعما

يكابد

ويصارع

تشبثا بحياة

مأمولة

وإن تجرّع

مرارة انتظارها

لأنها الحياة

حياتنا

المأمولة

***

إبتسام الحاج زكي

 

غَرْسُ الفصاحةِ مُورِقٌ مِعطاءُ

قد أزْهَرَتْ بعبيره الأرجاءُ

*

وتفاخَرَتْ صيغُ البلاغةِ عندما

طافتْ بِرَحْبِها عِصمَةٌ شَمّاءُ

*

ما كان خُطبةُ زينبٍ ، في بالهِم

حسبوا بأنْ قد هَدَّها الإعياءُ

*

فَتَفاجأ العُنْفُ البذئُ بصَفْعةٍ

مِن لبْوةٍ صدَحَتْ بها الأجواءُ

*

وبها اميةُ سُوَّدَتْ صفحاتُها

بإهانة هَتَفَتْ بها الأنباءُ

*

تتباهى أعلامُ البيان بصيغةٍ

منسوجةٍ يصغي لها الحُكماءُ

*

وبليغُ قولِها صار مدرسةً ،لها

نهْجٌ يوثِّقُ خَطوَه البلغاءُ

*

وَضْعُ النقاطِ على الحروف تأهبٌ

فيه الحقيقةُ سِكّةٌ وبناءُ

*

أعطَتْ لمنهاج السياسة زينبٌ

عن قُدرةٍ دَرساً ، له أصداءُ:

*

ليس الإساءةُ للأسير شجاعةً

العُنفُ في سُوح القتال أداءُ

*

سُمْرُ القَنا ، دونَ البلاغةِ فَتْكُها

كم طعنَةٍ، فُرسانها خُطباءُ

*

يفنى الزمانُ ومَوْقِفٌ لكِ صارِمٌ

ضِدَّ الطغاة ، له صَدًى وبقاءُ

*

إنّ التبرّكَ في صِفاتكِ رافِدٌ

يَهبُ التفوقَ ، والعلاءُ سناءُ

*

يتفاخرُ الحرفُ البليغُ بذكْرِ مَنْ

سادَتْ مواطِنَ سَيرِهِ الآلاءُ

*

العُنْجِهيةُ بعد وقْفَتِكِ ارْتَخَتْ

و شموخُ زهْوِها ناله الإقصاءُ

*

بفَصاحَةٍ ، مَنْ كان يعلمُ أنها

جيشٌ سُيوفُه أحرفٌ عصماءُ

*

لمّا الغُرورُ غَزا نفوسَ أميةٍ

عَمِيتْ بصائرُهم، وسادَ وباءُ

*

والحِقْدُ مهما وظّفوا فتكاتِه

فالحقُ أبلَجُ ، ما عليه غِطاءُ

*

شاءَ الإلهُ بأنْ يعَزِّزَ مَوْقفا

ببلاغةٍ جادَتْ بها الحوراءُ

*

طُوبى لتاريخٍ تقدّسَ شامخا

به يفْخرُ الآباءُ والأبناءُ

***

(من بحر الكامل)

شعر: عدنان عبدالنبي البلداوي

يا سيد الهزائم

لك الحكاية

هدهدها بين شدقيك

حتى انفراج العبارة

لا تكترث للوجع المقيم

في قفص النهاية

قد يعود الرحل

ببداية لم تتنفسها الظهيرة

عطار الوهم كان كاذبا

حين لخص المسافات

في عشبتين ...وديك ذبيح

لم يكتمل الزار

الشيخ ترهل عند المنعطف

قال ....عذريتك قربان

انوثتك ....هدية الارق للتراب

ترجلي عن صهوة المحن

واقتربي....بعيدا

عن هوة الارتعاب

سبقتني خطاي

لوعد الجراح

كان الجسد قد لفه العراء

وانا على شط الخريف

ابحث عن لغة تتفتح

في دورة الذبول

*

بين مرتفعات الصياح

وشط النوى كان السعي

فوق الاهداب

خيط بشرى

قطعه وعل الصحو

عيون الامس اجتاحتها

حمرة الشفق

والمدى كحل

تناثرته الرياح

***

مالكة حبرشيد - المغرب

 

أزهار متعطشة لقطرات الندى

و فيضان زمزم محسور

وليس لدماء القناديل المسفوكة

ها قد أرى جرحي القديم

مقطوعا ذراعه الأيسر

مناديا في الأسواق:

هل من أحد يكفلني؟

وتبحث ندبة مفزوعة

عن أحضان أمها الدافئة

وأخرى عن سيقانها المقطوعة

و يلتئم الجرح

ثم يكمل مشوارها السرمدي..

مذ ذاك الحين

وأنا متعطش

لا أشعر بأطرافي

ولم أذق طعم نوم

*

هكذا حال العواجز

کوابيس وصراخ

تنادي الأزهار الخريف

مع الحلاج: أنا الحق،

دماؤنا أمانة في أعناقكم

والحق ضائع.

هذا ما تلفظته أزهار مفتحة

بين جنبات الأشواك

دون أن يسمع الصم الدعاء

و الجروح لا تفهم شيئا-

من لغة الخرائط والكواليس

كلي ندوب ولا يزال الشعر

يلفظ أنفاسه منهمكا

علـى رفات مكتبات عامرة

ويعلو في أمسيات

وعلـى الهواء مباشرة

ولا أحد  يلقي بالا للكلمات

*

والكلمات عاجزة عن النطق

أنا الازهار والجروح

خلف الحدود الملغومة

والأبواب الموءصدة

أين قصور الحكيم؟

و أزهار حدائقه ذابلة

دون عطور،

وربيعه خال العروش!

***

سوران محمد

تشرين الاول/ ٢٠٢٣

 

أنا لستُ غازي

ولابرجوازي

ولستُ دخيلاً

ولا إبتزازي

أنا لستُ بازٍ

أنا لستُ نازي

أنا لستُ دَولَةْ

بجيشٍ...وعُمْلَةْ

ونَقْشي عليها

أنيق الطِّرازِ  !

*

أنآ لستُ إلا عزيزاً

وحَسْبي بذاكَ اعتِزازي

فكرتي: محوري

وعقلي: ارتكازي

أُدافِعُ عن مبدئي

في انحيازي

فلستُ بحزبٍ عريقٍ...

ولستُ قيادي انتهازي  !

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

 

أيها الحنين

اجمع نجومك من سماء حزني

وعد إلى مروج النسيان.

إياك أن تختبئ في صفحات دفاتري

فقد أثقلتها الرياح بغبار السفر

وبللتها الغيوم بالكدر

**

أيها الحنين  يكفي أن تكون همسة،

تلامس أحلامي الساكنة،

تمر بين خفقات قلبي الهائمة.

يكفي أن تختبئ بين أغصان روحي كعطر زهر البرتقال.

يكفي أن تنساب في الذاكرة،

كاللؤلؤ الفضي،

يبحث عن مأوى في أعماق المحيط،

بين صدفتين ناعمتين،

هناك، حيث تنام الأسرار..

بصمت.

***

طارق الحلفي

 

فقطْ …

عندَما ترقصُ الأُنثى

ترقصُ الانهارْ

ويرقصُ القرنفلْ

ترقصُ الاشجارْ

ويرقصُ السَفَرْجَلْ

وكذا الحياةُ ترقصُ

منْ اوّلِ الفجرِ

لآخِرِ النَهارْ

**

وكُلَّما ترقصُ المرأةُ

يرقصُ اليمامْ

والآسُ والبنفسجْ

ويَصْمتُ الكلامْ

والكونُ يتوهَّجْ

وتسطعُ الأَحلامْ

والناسُ تتجلّى

وترقصُ حالمةً ،

كي تَرفلَ الخليقةْ

بالخِصْبِ والحقيقةْ

ويُزهرُ السلامْ

**

فقطْ …

عندما ترقصينْ

يرقصُ البحرُ

يرقصُ الضوءُ

والعطرُ والياسمينْ

وترقصُ الحقولُ

وترقصُ البساتينْ

وترقصُ الخيولُ

والوعولُ والمجانينْ

وترقصُ الفصولُ

وكوكبُ العاشقينْ

والأرضُ تهتزُ ،

هيمانةً تَمايَلْ

من تحتِ أقدامِكْ

ياامرأةَ الرغبةِ

والشهوةِ واللذّةِ

والعشقِ والحنينْ

**

يا أأأنتِ كُلَّما

وحينَما ترقصينْ

فراشةً تُصْبحينْ

فيفرحُ العالمْ

والشاعرُ الحالمْ

وأَنتِ كلَّ وقتٍ

فرحانةٌ تَضْحَكينْ

لأَنَّكِ بالرقصِ

والفرحِ الكوني

قدْ كُنتِ تَحْلمينْ ،

أَنْ تكوني

وها أَنا مَعكْ

وأَنتِ في وجودي

سيّدةُ الجمالِ والتكوينْ

***

سعد جاسم

 

لا، أنا لستُ طحيناً

في المَتاهاتِ تَذروهُ الرِّياحُ

ولستُ عَجيناً

كما تَبتغي بأصابِعكَ تُشَكِّلُهُ

ولستُ كِسرةَ خُبزٍ تارةً تَجتَرُّها

وتارةً إلى مُملِقٍ

كي يُسكِتَ جوعَ الرُّوحِ

تُهديها

أنا حَبَّةُ قَمحٍ

كَما أبتغي أَصيرُ

أنا زَغرودةُ السَّنابلِ

أُراقِصُ النَّسيمَ في الفَجرِ

وتَغسِلُ وَجهي في فَرحٍ

حَبَّاتُ المَطرِ

وليسَ في هَوانٍ

حينَ تَقسو الزَّوابِعُ

أنحني

وإنَّما بِتواضِعِ المُقتَدرِ أَميلُ

وحَماقةَ الطَّيشِ

أَتَّقي

أضحكُ لِلشَّمسِ

في غُنجٍ

أتَعلَّمُ مِنها

كيف تَبعثُ الدِّفءَ

لِمحرومٍ يَرتَعِشُ

وكيفَ وجوهَ القُساةِ

حين تَغضَبُ

تُحرِقُ

ليسَ هَباءً ما عليه نَشأْتُ

فالأرضُ أُمِّي

وعَرقُ السَّواعِدِ السَّمراءِ

أبي

مِن التُّرابِ أبلغَ الدُّروسِ حَفِظتُ

فيه حياةُ القُوتِ

وفي غَورِهِ

طَعمُ المَوتِ

وفيه نَعيمُ الطَّيباتِ

ومِن أجلِهِ

سَاحاتُ الوَغى تَتَّقِدُ وتَفورُ

تارةً يشرَبُ دَمَاً

وتَارةً يَثورُ

هو قُدسُ الأقداسِ

في النَّأيِ

ووجَعُ الرُّوحِ

حين عنهُ تَبعُدُ

في أعماقِ القَرارِ

كُنوزٌ وأنينٌ

وفيه أباليسُ وجِنٌّ ودُودٌ

فلا عِنادٌ معهُ ينفَعُ

ولا خَطبُ الوِدِّ يُفيدُ

سَتَبقى وحدَها الأرضُ

والكَلُّ سيَرحلُ

ورُغمَ كُلِّ الغَيِّ

إلى حُضنِها ذاتَ يومٍ

كُلُّهُم لابدَّ أنْ يَعودوا

أنا اِبنَةُ الأرضِ

والطِّينِ

بِقَدري لا تَستَهينوا

وشَأني أبداً لا تَستَصغِروا

أنا حَبَّةُ بُرٍّ

في مَيعةِ الصِّبا سِحرٌ

وفي المَشيبِ

جودٌ ويُمنٌ وإِنعامٌ

أنا حَبَّةُ القَمحِ

كُلُّ الأفواهِ تَطلِبُني

ومِنِّي أبداً لا تَشبَعُ

أنا حينَ أغيبُ

لا أموتُ

مِليونُ فينيقٍ

مِن رُفاتِي يَنبُتُ

***

جورج عازار

 

كنت أجلس متكئا على الحاوية المقابلة له، وكان هو يقلب داخل إحدى الحاويات ويختار أجود ما فيها و يضعه في كيس كبير معلق على كتفه ... لا أنكر أنه لفت انتباهي بطريقة تقليبه المميزة، فقد كان يفحص الأشياء بعناية ويقيس قطع الملابس المناسبة له ويترك ما لا يناسبه، قلت في نفسي ...... " لو كنت مكانه لما تركت قطعة واحدة ! .... "   لكنني اليوم متعب قليلا وليست لدي قوة لتقليب الحاويات .... أنهى عمله وتحول الى الحاوية التي أتكأ عليها، فأثار غضبي واقتربت منه وقلت له : ....

- لهذه الحاوية مالك .....

التفت إلي بوجهه الأشعت الأغبر، وشعره المجعد القذر ولم ينبس بكلمة واحدة، فلم أجد بدا  من استعمال بعض العنف والقوة معه، وفرض وجودي عليه لطرده من المكان، فأمسكته من ياقة معطفه الملطخة بصمغ زلق لا أدري ما كان،  فانزلقت يدي ولم أستطع إحكام قبضتي عليه، حينها التفت إلي وقال: ....

- لو كنتُ رجلا لما عاملتني بهذه الطريقة .... !! .....

انتباتني هستيريا من الضحك حتى بدوت كالمجنون ووقعت على الأرض، فلم يسبق أن حدث معي أمر مماثل من قبل، فأنا أستطيع أن أميز  بين المرأة و الرجل من على بعد أميال، لكن هذا الأحمق خدعني حقا، فبدأت أتفحص شكله وأدقق في ملامحه، هل هو امرأة حقا .... ؟ ... عيناها غائرتان لوزيتان، حولهما خطوط في كل الإتجاهات، وأنف كبير تملأه التآليل، أتابع فحصي ولا شيء يوحي أنها امرأة، مررت عيني على كامل جسدها، ثم ركزت بعناية على  منطقة الصدر، لكن حتى لو وجد، فقد كان من المستحيل كشفه بسبب طبقات الملابس الكثيرة التي كانت تغطي بها جسدها، لكن في الحقيقة شيء ما في داخلي كان يقول أنها فعلا امرأة، لا أدري ماهو، لكنه شعور تملكني عندما نظرت إلى عينيها  بسرعة خاطفة ثم حولت نظرها إلى اتجاه آخر ..

أمرتها بالرحيل وعدم العودة إلى هذا المكان، فهو ملك لي، وأشرت بيدي إلى عشة في آخر الشارع وقلت : .....  وذاك منزلي ....

غادرت دون أن تنطق بكلمة واحدة وهي تجر ثيابها تحت أقدامها وكأنها تكنس الشارع، والغبار وبعض الأوراق تلاحق ظل ردائها المهلهل، بينما كنت أراقبها حتى وصلت إلى نهاية الشارع واختفت بين المارة  .

لم أستطع النوم في تلك الليلة، أفكار تدور داخل رأسي وعصافير بطني تزقزق من الجوع، فبسببها لم أتمكن من البحث عن طعامي داخل الحاويات كالمعتاد، لقد اجتاحت رأسي تلك اللعينة، وفي الصباح، كنت قد عزمت البحث عنها، يبدو من هيئتها أنها تعيش في الشارع، حملت عصاي في يدي، وبدأت التجول في المدينة باحثا عنها في الأماكن المخصصة للحاويات وعند عتبات المنازل المهجورة، وفي محطة القطار حتى تعبت قدماي من المشي، ووصل جوعي منتهاه،  فقررت الجلوس وتسول بعض المال أو حتى قطعة خبز يجود بها علي أحدهم، فجلست على الرصيف المقابل للمحطة .. وعلى الفور مددت يدي وبدأت أردد بعض الجمل التي اخترتها بعناية علني أنال بها عطف المارة ... كان أغلبهم من المسافرين، يمرون وهم يجرون حقائبهم ويرفعون رؤوسهم للأعلى، لم يكونوا يلحظون وجودي حتى ، وبينما أنا كذلك لمحتها، لمحت ظالتي التي خرجت أبحث عنها وهي تغادر باب المحطة، كانت تحمل في يدها قطعة خبز وتقضمها بشراهة، قفزت من مكاني وجريت باتجاهها، لكني لم أنتبه لتلك السيارة القادمة باتجاهي فصدمتني، وعندما أفقت وفتحت عيني،  وجدتها تقف عند رأسي وهي تقول : ....

- ها أنت قد انتقم الله لي منك أيها البشع لأنك ظلمت امرأة مسكينة، إبق ممددا هنا إلى أن تموت  .....

حاولت رفع يدي لألطمها  على وجهها القذر، لكني كنت خائر القوى ورأسي يؤلمني بشدة  ... حضرت سيارة إسعاف بعد وقت قصير كانت اللعينة قد غادرت خلاله، لكنها ظلت تلاحق تفكيري .

كنت أعيش حياتي بلا هم ولا تفكير، أقلب حاويات النفايات وأختار مواقعها بعناية، ولدي خارطة لكل أحياء المدينة الراقية التي كنت أرتادها، فحاويات الفقراء ليست مثل حاويات الأغنياء، وكذلك الأحياء والشوارع، وكنت في بعض الأحيان أدعي الإعاقة، إعاقة عقلية تارة، وأخرى بدنية تارة أخرى   لأتمكن من ركوب الحافلات بالمجان، وهكذا كنت أقضي أيامي، إلى أن باغثت حياتي ذات العينين الغائرتين، فأصبت بحمى التفكير فيها حتى هزل جسدي، ولم يعد لحياتي هدف، وصرت أعيش على أمل أن يجمعني بها القدر عند إحدى الحاويات.

***

سلوى ادريسي والي

 

قصة قصيرة جداً..

حمل باقة الورد

ذات الألوان الرائعة،

انفق ما لدية من نقود

ألا من إجرة العودة

**

أوقفت الباص

مفرزة على الطريق،

عند أسوار المدينة

التاريخية القديمة،

الكل كان خائفاً

وبعضهم كان

يرتجف من الخوف،

النساء واجمات

يحتضن اطفالهن،

والمسنون يحدقون

برموش لا تتحرك،

**

حدق اللص في عيون الجميع،

استحوذ على أساور إمرأة

أرادت ان تخفيها،

باقة الورد

في حضن رجل مسن،

قدم المسن باقة الورد إلى اللص

لكي يبتسم،

أمسك اللص بباقة الورد

وسحقها بقدميه،

ظلت ابتسامة الرجل المسن باهتة،

غادر اللص الباص،

بعد أن سحق

بقدميه باقة الورد ،

غادر المسن الباص

عند باب المقبره

ليزور زوجته الراحلة

ولكن ،

بدون باقة الورد.!!

***

د. جودت صالح

16 / 09 / 2024

Gardener

ترجمة: الدكتور يوسف حنا - تونس.

***

صرت بوابا في معبد..

أقشر الكلمات مثل الفستق..

أطعم حمامة جريحة

تئن فوق كتفي تمثال..

كان بوذا يبتسم بطلاقة..

-هل أنت بوذي؟

-أنا بستاني في حديقة اللاوعي..

-أشذب شجر الهواجس..

- أغني في الليل مع ملائكة لا تطير..

***

بقلم فتحي مهذب تونس

...............................

Gardener

Fathi Muhadub / Tunisia

From Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

I became a gatekeeper in a temple.

Peel the words like pistachio.

Feed a wounded pigeon

Moaning over a statue shoulder...

Buddha was smiling fluently.

- Are you a Buddhist?

- I am a gardener in the subconscious garden.

Cutting down the obsession trees.

I sing at night with angels that do not fly

***

إلى: محسنة توفيق

يا بني،

أوصيك حبا بمصر،

بر مصر،

وبحر مصر،

بلاد الله، والأنبياء

*

وإن وطأتها قدماك،

قَبِّل ترابها،

لعل ” يوسف أو موسى ”

مَرَّا من هناك،

ولا تنس

إن حللت بمقام

توضأ،

حفنة من نيلها تكفي،

فالنيل

وماء الجنة سواء

*

وخذ عنها

عشق “النبي”،

وكيف يفنى فيه

“العارفون”، حتى

يضيء قلبك بالسماء

*

وإذ تعبر “الحواري”

خطاك،

أمهل الوقت،

أمهل الوقت

كل ممشاك،

كي لا يفُتك جمال،

إن مصر

ما ستهواه رؤاك

والق محبتي

على “آل البيت”،

وابعث للكنائس ضمة،

وقبلة

على مآذن سيناء،

بين نفحات أمس،

وطيبة بسطاء

*

ولا تُحِدث عن الأُنس

إلا وقل

هو مصر،

سمرة بسمات شماء

ألفة قلوب دافئة

ليلة فرح صعيدي،

وهوى بحر

يحرس التاريخ

ويحضن الصحراء

*

وكن حرا

حين تحبها،

هي لا تحب العبيد،

من ضلع سيد ولِدت،

تصلي،

تمرح،

تكد، وتنشد

الحب كما تشاء

*

يا بني،

أوصيك حبا بمصر،

أ و ص ي ك

ح ب ا

ب م ص ر

أم حضارة،

ومولد نجباء

***

فؤاد ناجيمي

من ديوان: تعرفني هذي الأرض الخافتة

 

هـــــــلْ فاحَ مثلكَ أيّــــــها الوردُ

مِنْ قبْــــــلُ أمْ سيفـــوحُ مِن بعْــدُ

*

أنـا عاشـقٌ يــا ورْدُ أحسبـــــــني

طفـــلا ً ولُطفــــــكَ بِيْ هوَ المهدُ

*

نار الهوى فـــــــي القلـبِ أشعلها

عطــــــرٌ تضوّع َ منكَ يــــا ورْدُ

*

أنـــا فـي لهيبِ الوجْــــدِ مُحتــرقٌ

أوّاهُ ممّـــــــــا يفعــــلُ الوجْــــــدُ

*

صـوتٌ مــن الأعمـاقِ يهمسُ لي

مــــــــا مِنْ هـــواكَ ونـــارهِ بــدّ ُ

*

أنـــتَ الأمـــــــاني كلّهــــا وأنـــا

لهـَــــفٌ كمــــوجِ البحْــرِ يمتــــدُّ

*

لا أبتغــي في الخُلـــــــدِ لي سكنا ً

يكفـــــي رضــــــاكَ فإنّـهُ الخُــلدُ

*

ولـّهـتنـي وجريتَ في نـَفـَســـــي

وجعلـــتَ منّــــي طائرا ً يشـــدو

*

أهفـــــــو إلى لـُقيــــاكَ عذ ّبنـــي

هــــذا الفــــــراقُ المـُـرُّ يا شهْــدُ

*

الروحُ غــــــابتْ فـــي جمالكَ يـا

قمــري وضـــاع َ بحبّــكَ الرشْـدُ

*

مــا لِـي خــــلاصٌ منكَ يا قَـدَري

فلقــــدْ تســـــــاوى القُرْبُ والبُعْـــدُ

*

أعْطـفْ علــــى حـالي وخُذْ بيدي

يــــا سيّــــــــدي قدْ أ ُجهِـــدَ العبــدُ

*

أبحـرتُ زادي الصبْــرُ من زمـنٍ

أقتــــــــاتُهُ وسفينتــــــــــي الوجْــدُ

*

أرنو إلــــى النجْمـــــاتِ فـي قَلـقٍ

فلعـــــــلَّ  وجهــــــكَ بينـــها يبـدو

*

كالشمعِ مِــــنْ شوقـــي أذوبُ ولا

خبَــــــــــــرٌ يُطمئِنُنــــــــي ولا رَدُّ

*

مستوحشٌ بيـــــنَ الصِحـــابِ فما

مِـــــــــنْ مؤنِسٍ إلّاكَ يـــــا فــــرْدُ

*

كيـــــفَ الوصــولُ إليكَ يـا أملـي

والدرْبُ بحـــــــــرٌ ما لـــــهُ حـــدُّ

***

جميل حسين الساعدي

يُحسنُ الظنّ، لمّا يرى عُريَ الخطايا، لعلّهُ من دينٍ آخر، بلا أنبياء، بلا فضاء، يُباركُ الظُنون.

2

مرفوعةٌ يداهُ الى السَماء، المُختَبئةِ وراءَ الأسقُف، يعرف، أن الدُعاءَ، بمُنتَهىٰ الخُشوع، أصدقُ الكَذِب.

3

لم أقلْ كلّ الحَقيقة، أدركتُ رغمَ تأخّري، أنّ ما أُخفيه، لن يُبقيني بينكم، وحيداً.

4

مَجهولٌ ذلك الجَسَد، ربّما من بَلَدٍ مَلعون، لم تتمكنْ من وضعِ علامةٍ ما، في جِسمِها المُلقى، يستَعطِفُ الجُيوب.

5

من يدري، مالذي تراهُ الكلابُ في الرقاد، ربّما تَحلمُ بالعِظام، تماماً، مثل جياعِ البَشر.

6

ذاتَ عٌمر، ظننتُ أنّ كلّ شيءٍ حَولي، كحَجرٍ أُلقيَ في بركة، هوَيتُ الى القاع، أبحثُ عن يَدٍ، غير يَدي.

7

ما يُبقيكَ في المَنفى، دمعةٌ بليدةٌ في عَينَيك، سؤالٌ بَغيض، تبعدُ عنهُ، كالمرَض.

8

لا حربَ مُقدّسة، سوى حَربي معي، الحروبُ الأخرى، يُقدّسُ فيها المَوتىٰ، والقادة.

9

على مقعدِ التَحقيق، عارٍ تماماً، لا جُرمَ لي، سأبتكرُ واحدا، أكرهُ العُري، حينَ أُصفَع.

10

دائي بلا انتهاء، ودَوائي أبَدي، صارا حياةً، لا أعرفُ غيرَها، سأموتُ، إن شُفيت.

11

باهتمامٍ عجيب، أنصَتَ إلى المَوعِظة، أومَأَ الشيخُ إليه، عمّا انتفع، أجاب، لم أقرأ شفاهَك جيداً، أجهلُ لغةَ القرود.

12

ندَمي، تجَنّبتُ امرأةً تُحبُني، لأجلِ امرأةٍ أحبُّها، كيفَ للموجِ أن يأتي بنِصفَين، الى شاطئٍ واحد.

13

المنفى بلَدٌ حُر، خدعةٌ تتردد، يقولون الأشياءَ ذاتها، بأسلوبٍ مُختلف.

14

أمامَ المرآة، تبدّلَت كلُّ معالمي، رأيتُ ظِلّاً، أعرفُ ماضيه، وأنكرُ حاضرَه.

15

عَجوز، أتحدّثُ عنّي، هذا ما تقولهُ التجاعيدُ في وجهي، الجَميعُ يعرفون، إلّا أنا.

***

عادل الحنظل

في نصوص اليوم