آراء

هل سيبقى الدور الأمريكي فاعلا في الإنتخابات؟

أي، في توجيه وإدارة العملية السياسية الجديدة في العراق الجديد. وليس خافيا على المراقب السياسي، وغير السياسي أيضا، إن إدعاءات المسؤولين الأمريكان بشكل عام والمسؤولين الأمريكان المكلفين بإدارة الملف العراقي السياسي وفي مقدمتهم (جون بايدن) بشكل خاص، بأن العراقيين يمتلكون السيادة الكاملة لتقرير السياسة التي يرونها مناسبة لبلدهم وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتدخل في الشؤون السياسية للعراق ... إلى آخره، هي إدعاءات مضللة وكاذبة. إن زيارات المسؤولين الأمريكان على كافة المستويات القيادية والحزبية، من جمهوريين وديمقراطيين، للعراق بين حين وآخر وكلما نشبت إزمة سياسية أو حدث خلاف بين القوى السياسية الكبرى المتنافسة على زعامة الحكم والسلطة، وكلما تلكأ البرلمان العراقي في تشريع القوانين التي تصب في مصلحة الأمريكان حاضرا ومستقبلا، كقانون النفط والغاز مثلا، هي خير دليل على رعاية الأمريكان للعملية السياسية الجديدة في العراق رعاية كاملة وغير منقوصة. الأدهى والاوضح من ذلك أنهم يصرحون علانية، إذا لزم الأمر ورأوا ان مصالحهم في العراق سوف تتضرر بسبب أزمة سياسية جديدة نشبت بين القوى السياسية العراقية المتنفذة، أنهم يبدون رأيهم بما يتفق ومصالحهم في العراق، كما حدث في أزمة إستبعاد البعثيين من الإشتراك في الإنتخابات القادمة يوم 7/3/2010 عندما ردوا على من انتقد تدخلهم في الشؤون السياسية العراقية ومنها قضية إستبعاد البعثيين من الإنتخابات.

إن الدور الأمريكي في توجيه العملية السياسية في العراق وإدارتها ومنها عملية الإنتخابات القادمة، سيبقى فاعلا ونشيطا ومهيمنا، من قريب، حيث السفارة الأمريكية في بغداد، ومن بعيد، حيث مركز القرار في واشنطن (دي سي) وليس لأحد توقع ان يتخلص العراق، لا في حاضره ولا في مستقبله، القريب على الأقل، من الهيمنة السياسية والأقتصادية، وربما الأجتماعية أيضا، إضافة إلى الهيمنة العسكرية التي ستخفف من وجودها في الأشهر القليلة القادمة بعد سحب معظم القوات العسكرية العاملة في العراق وتستبدل وجهها بوجه آخر!

فالأمريكان سوف يستبدلون، كما أعلنوا وصرحوا أخيرا، تسمية (عملية تحرير العراق،) واحتلاله في حقيقة الأمر ونهايته، إلى (عملية الفجرالجديد) إيذانا بانتهاء الحرب في العراق أو مع العراق أو على العراق أو ضد العراق،  سمها ما شئت، وبداية عهد جديد في هذا البلد، ولكن، مع إستبقاء آلاف من هذه القوات تحت لافتة قيامهم بمهام التدريب للقوات العراقية!! ماذا يعني هذا؟ يعني ان الأحتلال العسكري الأمريكي للعراق سيستمر ولكن بدرجة أخف من السابق، وأن فصلا  جديدا من الاحتلال السياسي والاقتصادي، وربما الأجتماعي أيضا، أكثر وضوحا وعلانية، سيبدأ بعد إنتهاء الأنتخابات القادمة وظهور نتائجها ووضوح الصورة الجماعية التي سيلتقطها الأمريكان للحكومة العراقية القادمة!

هذا الواقع لا يُفرح بأي حال ولكن لا يدعو إلى الحزن أيضا. فالإنتخابات القادمة ضرورية للعراقيين من أجل المضي في إرساء وتثبيت أُسس الديمقراطية الجديدة في العراق والتي لم يُبن عليها الكثير على مدى السبع سنوات الماضية بعد التغيير في نيسان 2003. والإنتخابات القادمة ضرورية للعراقيين من أجل تأييس وإضعاف همة وحماس وإصرار وعناد المتضررين من الوضع السياسي الجديد من السابقين واللاحقين. والإنتخابات القادمة ضرورية للعراقيي من أجل مغادرة زمن الظلم والأستعباد والخوف والرعب والأبتعاد عنه نهائيا والذي لا زال حيا في ذاكرة الناس العراقيين الذي ذاقوا ويلاته قتلا وسجنا وتشريدا وتعذيبا وتغييبا وقمعا وتكميما للأفواه على مدى أكثر من 35 عاما من حكم الحزب الواحد. والإنتخابات القادمة ضرورية من أجل الحفاظ على الوضع الأمني الهش وتثبيت حالة الأستقرار النسبي الذي تحقق في السنوات الثلاث الأخيرة وتوسيع وزيادة أمكانياته ودعمه وبسطه في كل مكان من العراق والقضاء نهائيا على بؤر الأرهاب الوافد والجماعات المسلحة المتحالفة معه في الداخل من أية جهة جاءت، من الشرق أو الغرب. والإنتخابات القادمة ضرورية للعراقيين من أجل التخلص من جمهرة من الناس دخلوا البرلمان الماضي وهم لا يفهمون شيئا في السياسة ولا يفهمون شيئا أسمه مصلحة الوطن ومصلحة الناس، بل يفهمون شيئا أسمه المصلحة الشخصية والمصلحة الحزبية فقط. وأعتقد ان سمعة هؤلاء الأشخاص ستبقى ملطخة بما قاموا به في البرلمان طوال السنوات الأربع من عمره الذي لا يشرف كثيرا. ولكننا لا ننسى الناس الجيدين، الوطنيين والحريصين الذي عملوا في هذا البرلمان. ان وجوها جديدة لابد ان تأتي إلى هذا المكان التشريعي المهم في مستقبل العراق القادم، وهذه الوجوه، ونتمنى ان لا تكون من أصحاب العمائم، لا الخضراء ولا البيضاء ولا السوداء،  يؤمل منها ان تقدم مصلحة الوطن ومصلحة الناس على مصالحها الشخصية والحزبية. إن هذا لن يتحقق إلا إذا ذهب العراقيون إلى صناديق الأقتراع يوم الإنتخابات ليختاروا الناس الأفضل والأصلح والأكثر نزاهة ونظافة يد وضمير وثقافة ووعي. والأنتخابات القادمة ضرورية للعراقيين من أجل تأسيس رأي عام قوي وضاغط على الحكومات القادمة لتحقيق المطالب المعيشية وتحسين الخدمات الأساسية على المستويين الأقتصادي والأجتماعي، ومراقبة ومعارضة الأداء الحكومي الذي لا يتفق مع مصلحة الناس والبلد فيما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية للعراق عبر الأحتجاجات السلمية بكافة أشكالها من مظاهرات واعتصامات وإضرابات. إن وعي العراقيين السياسي يجب ان يكون بمستوي وعيهم الثقافي والاجتماعي، كما أن زمن (آني شعليه، آني معليه، واللي ياخذ أمي أكله عمي، وخلي نارهم تاكل حطبهم ....) يجب ان ينتهي إلى الأبد!

وأخيرا، فإن الانتخابات القادمة ضرورية للعراقيين من أجل تحقيق سيادة العراق كاملة وانضمامه إلى المجتمع الدولى بلدا ديمقراطيا، حرا، مستقلا، قويا ومسالما. إن على حكام العراق القادمين ان يكونوا صوت العراقيين الوطنيين حتى يتحقق لهم ما يريدون في العيش أحرارا في وطنهم بلا وصاية ولا تعلميات ولا توجيهات أجنبية. أما إذا كان الحكام العراقيين القادمين عبارة عن دمى يحركها الأجنبي كيفما يشاء دون ان يتحركوا معارضين ومخالفين خوفا على مناصبهم وأحزابهم ومصالحهم وأعترافا بفضله عليهم، فإن هذا  لن يتحقق إلا على يد العراقيين الوطنيين، المتحدين، المتعاونين، المطالبين، بالتالي، بحقوقهم الوطنية في السيادة الكاملة والتحرر من ربقة الهيمنة الأجنبية.

 

[email protected]

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تذكر قبل ان تنتخب .. دور الشعب في تقرير مستقبل العراق 03 - 05/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم