آراء

أنتخبُ أم لا ؟

الدائر حالياً في الصحف والمجلات والمواقع الألكترونية والقنوات الفضائية، أقول ان الحديث عن الانتخابات يجب ان لا يكون حديثاً عابراً نكرر فيه نفس الكلمات والمصطلحات اذ كنا مع الانتخابات او ضدها لان هذا الموضوع خطير وخطير جداً وليس من السهل او الانصاف ان نتحدث ونكتب وننشر بسذاجة وانفعالية ونجعل من عواطفنا واتجاهاتنا او ميولنا السياسية او القومية او الدينية ان تحرك اقلامنا قبل عقولنا وضمائرنا وحياديتنا، لذلك فان الكتابة بتجرد وموضوعية وبالذات في هذا الوقت صعب وعسير. وسأحاول بكل جهدي ان أتناول هذا الموضوع متجرداً من كل شئ إلا من وطنيتي وقد يساعدني على ذلك كوني لا أعمل في السياسة وسوف أحاول ان لا أكرر نفس الكلمات والمصطلحات التي نجدها في معظم المقالات التي تتناول موضوع الانتخابات والتي كثرت هذه الايام على المواقع لا تزاحمها إلا دعايات وصور المرشحين.

قبل كل شئ ينبغي ان يعلم الجميع بان العراق هو أول دولة عربية تجري فيه مثل هذه الانتخابات الحرة بالرغم من كل السلبيات التي قد نجدها هنا وهناك ومهما تكن نتائج هذه الانتخابات سوف تبقى أحسن وأفضل ولا وجه للمقارنة بينها وبين أية انتخابات تجري في البلدان العربية والمحيطة بنا ما عدا تركيا.

والنقطة المهمة الثانية التي قد لا ينتبه لها الآخرون هي اننا لا زلنا في الدور التمهيدي من طريق الديمقراطية وقد نصل الى المرحلة الابتدائية بعد الانتخابات القادمة وعلينا ان لا نقارن بين ما يجري في الدول الديمقراطية الاخرى مثل السويد وهولندا وفرنسا ومن يقارن بهذه الصورة وكأنما يقارن بين قابليات وتصرفات طفل في الروضة او الدور التمهيدي بآخر خريج كلية او جامعة، نحن في بداية الطريق ولا تزال ثقافة الديمقراطية ليست فقط حديثة العهد وانما لم تترسخ بعد في عقول الكثيرين واعتقد بان هذا الشئ بالاضافة الى اسباب اخرى هي التي أوصلت البعض من الكذابين والمزورين وحتى الحشاشة والقتلة الى كراسي البرلمان مع الأخذ بنظر الاعتبار الجو المشحون بالطائفية والقتل على حساب الهوية وفقدان الأمن والقانون والنظام. نعم قد تكون البداية متعثرة ولكن الأهم من هذا كله وحتى من نتائج الانتخابات هو هذا الانعطاف التاريخي للعراق نحو الديمقراطية.

ثقافة الديمقراطية ومنها الانتخابات لا زالت غامضة ومشوشة عند الكثير من المواطنين والأكثر منهم عند السياسيين الذين معظمهم يجهلون معنى الديمقراطية والأكثر جهلاً منهم هم الذين رسخوا في عقل المواطن بان الديمقراطية تعني فقط الكهرباء والماء والمجاري او ان الديمقراطية ارهاب وقتل وتفجيرات، وجهلة الديمقراطية من السياسيين هم الذين أججوا العنف الطائفي وتردي الخدمات المتردية منذ عقود وفكرهم السياسي كان ينصب فقط على ما يحصلون عليه من مناصب او امتيازات وهذا واقع الحال الذي عشناه وما نزال ولا يمكن نكرانه ولا يمكن لاي عاقل ان يتصور بان مثل هذه الامور سوف تنتهي خلال الفترة القادمة من خلال هذه الانتخابات، ابداً سوف تقل نعم... ولكنها لا تنتهي.. لاننا مازلنا في بداية الطريق كما قلت، ونظرة واحدة على شوارعنا ومشاهدة هذه الصور والاعلانات المنتشرة بهذه الصورة غير الحضارية والمقززة تدل على ان معظم المرشحين يجهلون ثقافة الديمقراطية عامة وثقافة الانتخابات بصورة خاصة وهو يتصورون بان الفوز يأتي عن طريق الصورة الكبيرة والملونة والمضحك في هذه الصور ان البعض يحاكي في صوره بعض مشاهير الدكتاتوريات في التاريخ فتجده رافعا يده او مشيراً بيده او منتصباً ونظره الى فوق شامخاً وقد ارتدى آخر الصرعات من الالبسة الفرنسية او الايطالية، واذا ما قارنا بعض الصور لاكثر المرشحين سوف نجد تطابقاً مع الكثير من صور موسوليني او ستالين او هتلر ولم أجد صورة واحدة لمرشح واحد تمثل بغاندي مثلاً، او على الاقل صورة طبيعية بدون بهرجة وتجميل وبالمناسبة ومع كلمة تجميل تذكرت أحد المرشحين فقد نشر الان صوراً جديدة له بعد اجراء عمليات تجميل على وجهه وبالذات على شفتيه وهو يتصور بان جمال الوجه له تأثير خاص على الناخب وهو لا يعرف بانه الان أصبح أقبح من السابق، (هذه ليست نكتة بل حقيقة) ومن الحقيقة ما قتل.

ولو كان هذا المرشح ذكياً وعنده ثقافة الديمقراطية والانتخاب لكان صرف هذه الملايين التي صرفها على صوره ولافتاته قبل أشهر من الانتخابات وليس الآن على بعض العوائل الفقيرة والايتام ومساعدة المحتاجين، أما كان بنصف هذه المبالغ المصروفة على الصور كسب قلوب هؤلاء حتى لو كانت من باب المناورة لغرض انتخابه. انا كمواطن أسأل من أين هذه المبالغ ؟ ولو ان اي شخص يسأل عن قيمة هذه الاعلانات والاموال المصروفة سوف يصل الى أرقام خيالية وكلها من جيوب المواطن وبالرغم من ذلك أقول قد تحدث مثل هذه الامور لاننا في بداية الطريق.

في الانتخابات الاولى انتخبنا القائمة المغلقة والجميع ما عدا القلة انتخب وفق هواه القومي او الديني او المذهبي، لان الجميع في تلك الفترة المشحونة واقول ما عدا القلة تأثر بشكل او بآخر، والان وبعد أربعة سنوات فان الجميع وأقول مرة أخرى ما عدا القلة لعن تلك الساعة السوداء التي انتخب فيها تلك القائمة التي انقلبت عليه وغابت عنه بعد ان حولت ورقة انتخابه الى جيبه او المقربين منه والان وبعد أربعة سنوات يأتي اليه أصحاب القائمة ويطلبون منه ان ينتخبهم، لست أدري باي عقلية يتصرف هؤلاء السياسيين، هل هم الى هذه الدرجة من السذاجة بحيث يتصور ان هذا المواطن الذي كذب عليه يوماً وحصل على صوته سوف يصوت له مرة اخرى ام انه يتصور المواطن ساذجاً الى هذه الدرجة، وفي الحالتين فان هذا التصور هو الغباء بعينه لان المواطن في الانتخابات السابقة ليس هو نفس المواطن في هذه الانتخابات من حيث الوعي والفهم. فقط المجنون سوف ينتخب من خذله اما أنت وأنا والآخرون بالطبع سوف ننتخب من نعتقد به هو الاصلح وخاصة وعندنا مساحة كبيرة جداً من خلال انتخاب الشخص الذي نريده.

الان نحن أحرار، بالرغم من كل ما يجري وعندما يكون الانسان حراً يجب عليه ان يكون حيادياً في تناوله للامور وخاصة في مجال الصحافة والاعلام، نعم قد يساء فهمه، او قد تجيّر كلماته لجهة معينة وهو لم يقصدها او تفسّر بشكل او بآخر ولكن عليه ان يقول ما يعتقده ويؤمن به.

مرة كتبت في افتتاحية جريدة (لارسا اليوم) عن السيد نوري المالكي، لم أكتب عنه لانه من الحزب الفلاني او العلاني او لكونه عربياً او كردياً او شيعياً او سنياً او لانه من هذه الجهة او تلك وقلت فقط بان هذا الرجل قاد العراق في أصعب مرحلة من تاريخ العراق الحديث وخلص العراق من الحرب الطائفية التي كادت ان تؤدي بالعراق الى اقطاعيات ودويلات متنافرة متنازعة، جاءني أحد الاصدقاء ولامني على ما كتبت وقال لي بالحرف الواحد (بالرغم من كل الظلم الذي وقع عليك من حكومة المالكي، انت الان تشيد وتمدح به) قلت له ياسيدي الامر ليس هكذا حكومة السيد المالكي ظلمتني وليس هو، هذا اولاً وأشخاص من حكومة المالكي هي التي ظلمتني وارادت ان تمسح بي الارض لولا الله ولولا المالكي. وحتى لو ان السيد المالكي قام بظلمي شخصياً أقسم بالله لكنت أقول نفس الكلام لان العراق اكبر مني ومن المالكي ومن كل الاشخاص ولو ان شخصاً آخر قام بما قام به المالكي لكتبت عنه نفس الكلمات. اقول يجب على الجميع ان يخرج من انانيته شخصاً وحزباً وكتلتاً، يجب علينا التخلص من انانياتنا، يجب ان تذوب انانياتنا جميعاً في حب العراق ومستقبله وخاصة في هذه الفترة وهو يخطو الخطوة الاولى نحو الديمقراطية وجيلنا الحالي قد لا يتمتع بالكامل من الاجواء الجديدة للديمقراطية ولكن على الاقل نفكر بالاجيال القادمة وبأولادنا.

واعتقد نحن هذا الجيل يكفينا باننا وصلنا الى هذا الجو الذي نستطيع به ان نقول ونكتب ما نشاء بكل حرية بعد سنوات عجاف حيث دقت شفاهنا بمسامير الصمت والخوف.

وبالرغم من كل ما يحدث من حولنا سوف تنتهي يوماً بارادتنا نحن، أنت وأنا والآخرون، المهم المواطن صار هو صاحب القرار وصاحب السلطة الحقيقية بالفترة القادمة. الانتخابات الماضية لم تكن على ما يرام، نعم دعنا نقول ذلك ولكنها ليست نهاية العالم بل بالنسبة لنا نحن العراقيون البداية وان الانتخابات القادمة سوف تكون افضل بدون شك والتي بعدها ستكون افضل بكثير وهكذا فالأمم لا تبنى في أيام والحضارات لا تؤسس في أشهر والديمقراطيات الحالية في بعض الدول عمرها عشرات بل مئات السنين. واعتقد شخصياً بان بعض هذه السوداويات التي تجدها في بعض المقالات والاحاديث التي تتحدث عن الانتخابات القادمة والدعوة الى عدم المشاركة هي محاولات خارجية يائسة لابقاء الوضع على ما هو عليه لاعطاء نظرة للشعوب المحيطة بالعراق بان الديمقراطية وهم والانتخابات لعبة وبان الديمقراطية والانتخابات لا تجلب غير الدمار والقتل والسيارات المفخخة لان الكل يعلم بان استقرار الاوضاع بالعراق وتثبيت النظام الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع بوابة التغير في كل الانظمة الشمولية والاستبدادية في البلدان العربية وغير العربية. 

وأخيرا اقول لكل من يسألني، هل تنتخب؟ وأقول بكل صراحة وعلانية.. نعم.. نعم.. نعم سوف أجعل قلبي يختم على ورقة الانتخاب قبل اصبعي لاني أنتخب العراق ولا أنتخب حزباً او شخصاً او فئة او قومية عن طريق انتخاب مرشح يؤمن بالعراق وينتخب العراق كما احب وانتخب.

انتخبوا من يحب العراق، ايها العراقيون وغيروا الخارطة السياسية للعراق لمحبي العراق والعراقيين.   

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تذكر قبل ان تنتخب .. دور الشعب في تقرير مستقبل العراق 03 - 05/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم