آراء

الانتخابات البرلمانية القادمة الامتحان الحقيقي للأمة

تكن خلالها تعرف معنى النظام القيادي بمعناه السياسي إلا أنه أصبح مقادا من الآخرين منذ العصر العباسي أو قبله  ولغاية سنة 1921تاريخ ولادة الدولة العراقية الجديدة، وحتى بعد هذا التاريخ قامت القوى العظمى باستيراد قيادة خارجية لحكم العراق وتحديدا من إحدى البلدان العربية المجاورة، وهي القيادة الملكية التي استمرت في قيادة البلد لغاية سنة 1958 حين دخل العراق عصر التحرر الذي تخلص خلاله من سلسلة الاحتلالات  والحاكميات الأجنبية التي استمرت قرونا طويلة،ولم يستمر عصر التحرر سوى أربعة سنوات وأشهر ليعود العراق إلى التبعية للأجنبي وهو ما شخصه السياسي العراقي علي صالح السعدي أحد قياديي حزب البعث الذي أطاح بالحكم الثوري سنة 1963 في وصفه لهذا الانقلاب بقوله (ثورة 14/رمضان/1963 قطار إنكلوأمريكي مر بالعراق وخرج) السنوات التي تلت هذا الانقلاب ولغاية دخول القوات الأمريكية واحتلالها للعراق في 2003 لم يكن العراق تحت قيادة عراقية مباشرة 100 % بسبب ارتباطات القيادات التي تتابعت على حكمه بالقوى الأجنبية.

وخلال هذا التاريخ الطويل كانت الحاكميات إما أجنبية خالصة مع وجود شبح قيادة عراقية أو عربية كما في أزمنة الاحتلال البويهي والسلجوقي أو  تعيينا من قبل المستعمر كما في الاحتلال العثماني والبريطاني، أو حاكميات تأتي بالانقلاب العسكري على الحكومة القائمة، ولكنها منذ 17 تموز 1968 ولغاية احتلال بغداد كانت نهجا شموليا دكتاتوريا فرديا خالصا، أما بعد الاحتلال فقد تغيرت الصورة وفقدت نمطيتها المعهودة حيث الحاكم الأمريكي ثم مجلس الحكم والدورة النيابية الأولى ونقف اليوم على أعتاب الدورة النيابية الثانية.

بقدر الأخطاء والعثرات التي رافقت حاكميات العصور السالفة كانت عثرات وأخطاء الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد الاحتلال الأمريكي، إذ اتسمت المرحلة الماضية بتصاعد وتيرة الأخطاء الكارثية التي قادت البلاد إلى شفير الحرب الأهلية أكثر من مرة، مع ما رافق تلك المراحل من تخبط وعشوائية  وتنامي العمليات الإرهابية وتصاعد معدلات البطالة وارتفاع الأسعار وتدني الخدمات وتزايد ساعات القطع المبرمج للكهرباء وتفشي الأمراض وتكاثر الأوساخ وحالات الغش  وتقليل مفردات مواد البطاقة التموينية وتفشي ثقافة الإبعاد والعنف الطائفي والفرز الديني والعرقي وتجاوز السياسيين على المال العام من خلال الفساد المالي وتجاوزهم على حقوق المواطنة من خلال الفساد الإداري.

دفعت هذه الإخفاقات المتلاحقة الناس إلى إجراء المقايسة بين النظامين السابق والحالي والمفاضلة بينهما بل دفعت البعض لتفضيل ظلم الحكم السابق على حرية النظام القائم.

في هذه المعمعة الحارة كان الجميع مشغولين بمتابعة الأحداث المتسارعة سواء منهم العسكري أو السياسي أو رجل الدين أو العاطل عن العمل أو المثقف والمفكر والأديب وحتى المواطن البسيط

ونتيجة فسحة الحرية التي أشاعها التبدل أخذ الناس بالتحدث عن الأمور السياسية بشكل متصل وبدون انقطاع وكانت أحاديثهم تنصب عادة على الشخصيات السياسية في الدولة، ولما كان المواطن  طرفا في المعادلة غير العادلة بعد أن أسهم في صعود هؤلاء السياسيين عن طريق صوته الذي أدلى به إلى هذه المناصب القيادية فقد بدا نادما على تصويته في الانتخابات الأولى وعقد أغلب العراقيين العزم على عدم تكرار الخطأ بعدم المشاركة في الانتخابات مرة أخرى.

 

أنتخب ..... لا أنتخب

حتى وقت قريب كنت أنا بالذات مترددا في المشاركة بالانتخابات النيابية القادمة ربما بسبب الإحباط الذي سببه تخاذل وتراخي وتقصير النواب المشاركون في الدورة الحالية، وبعد أن وظف أغلبهم كرسي البرلمان لذبح العراقيين وأستخدم "باجات" البرلمان لنقل الإرهابيين والأعتدة والأسلحة بين المحافظات وداخل بغداد، وعدم إنجاز البعض الآخر لواجباتهم المهنية ومشاركة البعض الآخر في جرائم الفساد وسرقة خيرات العراق وتجشم القسم الآخر عناء نشر الطائفية والفرقة وهرب البعض الآخر للعيش في دول الجوار أو الدول الأوربية للتخلص من الوضع المزري في العراق ووووووو. وبالتالي لم يخلص منهم  سوى قلة قليلة كانت لديها رؤى ومشاريع وطموحات ولكنها عجزت عن تنفيذها بسبب فعال الأعضاء الآخرين قبل غيرهم...

ولكني بعد قراءتي لأسباب كثيرة وملحة ومصيرية ومنها على سبيل المثال تهديدات (أبو عمر البغدادي)  التي تحمل الطابع النمطي البعثي المعجونة بنكهة الخطاب السلفي التكفيري  المتشدد ولاسيما وصفه لأكبر الشرائح المجتمعية العراقية بالقول (إننا اليوم نشهد إعدادا عسكريا وإعلاميا ونفسيا لمسرحية هزلية خطيرة اسمها الانتخابات البرلمانية هدفها الأول والأخير ترسيخ أعوان الصليب الرافضة "الشيعة" على عموم العراق وإذلال أهل السنة إلى الأبد.) أدركت عن يقين أن عدم المشاركة في الانتخابات ولأي سبب كان وتحت أي ذريعة كانت ولأي دافع محتمل يعتبر شرعا وقانونا وعرفا خيانة عظمى للشعب العراقي ورضوخا لتهديدات القاعدة وخوفا من بطشها ودمويتها وبالتالي فرصة لأن ينتصر الشر على الخير وتضيع منا فرصة تاريخية تحاسبنا عليها الأجيال بدون رحمة.

وأيقنت أن المشاركة في الانتخابات القادمة حتى ولو أعادت لنا نفس الوجوه التي وصفناها أعلاه والتي كنا ولا زلنا غير راضين عن أدائها أو معترضين عليه تعني اندحارا للقاعدة ونهجها التخريبي. واندحار لكل المشاريع التخريبية الأخرى.

إن الانتخابات الماضية رغم السلبيات التي رافتها ابتداء من موضوع القائمة المغلقة ومرورا بفشل أداء أكثر النواب في أداء أعمالهم جاءت لحماية الشيعة والسنة من بعضهم ومن أعدائهم ومن المدسوسين والعملاء الذين يبغون السيطرة على بلدنا العزيز وهي رغم كل ما قيل عنها نجحت في فرض النظام وتوفير الأمن بنسبة 90 % وهؤلاء الإرهابيين المشردين الذين فقدوا معاقلهم التي كانوا يحلمون بتحويلها إلى دولة طائفية أصيبوا باليأس وهم يرون أن كل ما يملكونه من فرص للتحرك لا تتجاوز 10 % وأن نجاح الانتخابات القادمة سيسلبها منهم أيضا ويعيدها إلى حضيرة الشعب العراقي المؤمن ولذا نراهم  قد عادوا للعزف على ورقة الطائفية المقيتة التي حققت لهم بعض الإنجازات من قبل فيدعي كبيرهم  أنه (وحماية لأهل السنة ولدينهم ودنياهم وقبل أن تضيع الفرصة ونعض أصابع الندم... قررنا منع الانتخابات بكل السبل المشروعة الممكنة وعلى رأسها السبيل العسكري.)

 

اطراف تمانع اجراء الانتخابات

إن أمريكا لم تكن خائفة من قوة صدام العسكرية يوم طلبت من دول الخليج التي كانت تربطها بحكم البعث علاقات مصالح كثيرة أن تتوسط لإقناعه بالتنازل عن العرش مع تعهدها بالحفاظ على حكم البعث وعدم الاعتراض على بقائه في السلطة، والسبب هو أن أمريكا  كانت ترى في هذا الحزب قوة مميتة لها قدرة تفتيت الأمة العربية وكبح تطلعاتها النضالية والعلمية ووسيلة للتصدي للحركات السياسية والدينية التي لا تتواءم مع النهج الأمريكي مثل الحركات الدينية الشيعية والسنية المعتدلة والحزب الشيوعي، وقوة ردع تقف بوجه تنامي القوة الإيرانية كمعادل موضوعي يوازن درجات هذه القوة، وتقف بوجه التنامي المتسارع للاقتصاد العربي الخليجي الذي من الممكن أن يسهم في تنمية القدرات الاقتصادية والعلمية العربية إذا ما سيطرت عليه قوى وطنية، وأخيرا ترى فيه حدا فاصلا وجدار عزل يحول دون خطر توحد الشيعة في العراق وإيران بما يخلق قوة متنفذة لها قدرة التصدي للمؤامرات الغربية والماسونية. لكل هذه الأسباب كانت أمريكا تتمنى أن يبقى البعث في السلطة بعد إزاحة صدام  الذي بدأ يسبب لها بعض الإزعاج ولكن الرياح لم تأت حسب مشتهاها فاضطرت مرغمة على خوض حرب 2003 كعلاج أخير علها تتمكن من خلالها ومن خلال الفوضى الخلاقة التي بثتها بعد الاحتلال أن تعيد ميزان القوى العراقي إلى الحالة التي تخدم مخططاتها.ولما لم تتطابق حسابات البيدر مع حسابات الحقل بعد أن تمكن السياسيون العراقيون من تشكيل جبهة عريضة بدأت تتحكم في القرارات وتتدخل بصياغتها بل وتمنع التدخل الخارجي في هذه الصياغة سواء كان أمريكيا أم إيرانيا أم سوريا أم خليجيا وجدت أمريكا نفسها في ورطة كبيرة فهي بعد عشرات الألوف من جنودها الذين قدمتهم لمحرقة هذه الحرب القذرة وبعد أن كلفتها هذه المغامرة الخاسرة مليارات الدولارات التي ذهب أكثرها إلى جيوب الشركات الأمريكية العاملة مع القوات العسكرية بفعل الفساد المالي المتفشي والذي نجح المفتش العام الأمريكي في رصد بعض جوانبه، ستخرج خالية الوفاض أو كما يقول المثل المصري (ستخرج من المولد بلا حمص) وتبعا لذلك كان عليها القيام بعمل ما يحفظ لها ماء وجهها الذي لم يبق منه سوى النزر اليسير فبدأت تلعب على حبال كثيرة ونجحت في اللعب على بعضها. ولما نجح السياسيون العراقيون في كشف ألاعيبها ومؤامراتها وأخذوا يتصدون لهذه الأعمال التخريبية التي كان آخرها تدخلهم في قرارات لجنة المسائلة والعدالة وهم الذين كانوا يعتقدون أن الأطراف الحكومية المؤيدة للجنة المسائلة سترتعب وتخاف من تصريحاتهم الفجة وتدخلاتهم السمجة صاروا يشككون في القائمين على هذه اللجنة العراقية المشكلة بموجب الدستور العراقي والمصادق عليها من قبل مجلس النواب لكن مواقف الحكومة الوطنية والقائمين على لجنة المسائلة ومواقفهم الصلبة ورفضهم الانصياع للأوامر الأمريكية واعتبارها خرقا لبنود المعاهدة بين الطرفين دفع القائد العسكري الأمريكي الأعلى في العراق الجنرال (ريموند اوديرنو) ليعلن بكل وقاحة أن كبار موظفوا هيئة المساءلة والعدالة تلقوا أوامر مباشرة من إيران لمنع ترشيح البعثيين واتهام  الموظفين بأنهم  مرتبطان بإيران ويتلقون أوامرهم منها وحضروا اجتماعات مع مسئولين إيرانيين للتنسيق لهذا العمل.ولكي يدفع الناس للتصديق بأقواله ادعى أنه يملك أدلة استخباراتية مباشرة تثبت أن المسئولين في هيئة المساءلة والعدالة العراقية مرتبطان بإيران , مؤكدا انه من الواضح تماما أن اللامي والجلبي واقعان تحت النفوذ الإيراني.ومع أنه لم يقدم ولو بعضا يسيرا من هذه الأدلة المفبركة التي يتحدث عنها إلا أننا نسأله: إذا كنت بهذه القدرة الخارقة لماذا تعجز عن امتلاك أدلة استخباراتية عن تنظيم القاعدة في العراق. ولماذا لم تمتلك معلمات استخباراتية عن الإرهابيين الذين فجروا السيارات يومي الحد والأربعاء الداميين. ولماذا تعجز عن معرفة مكان شيطان القاعدة الأكبر بن لادن ومساعده الشيطان الأصغر ملا أيمن الظواهري؟

إن اللعبة الأمريكية الجديدة تعد تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية العراقية وعلى العراقيين جميعا التصدي لمثل هذا التدخل غير المستساغ والثبات على المواقف الجريئة التي وقفوها سواء ضد الإرادة الأمريكية أو بعدم السماح للمجرمين البعثيين بالدخول إلى البرلمان والاشتراك بالعملية السياسية، أما نحن كشعب فإن الذي تحملناه خلال أكثر من أربعين عاما وبالتحديد منذ عام 1968 ولغاية 2010 قد وطن أنفسنا على حب الشهادة وعلمنا كيف نتصدى لكل المؤامرات الداخلية والخارجية، وإذا ما أجبرتنا الظروف القاهرة من قبل على السكوت فإن أكبر قوة في العالم لن تجبرنا اليوم على تغيير مواقفنا بعد أن تنسمنا عبير الحرية

 

تاثير أموال الدعم الخارجي على سير الانتخابات

لقد جاءت الخطوة الأمريكية متزامنة مع الحديث الدائر عن وجود دعم مالي خارجي ضخم يقدر بمليارات الدولارات مقدم من بعض دول الخليج الغنية وبعض الدول الأخرى إلى رؤساء قوائم انتخابية معروفة  ورؤساء أحزاب وكيانات وكتل دون غيرها، مشفوعا بشروط يجب على قابل الدعم الموافقة عليها وتطبيقها وهي كلها طبعا معادية لتطلعات العراقيين وتريد للحالة الشاذة أن تستمر ولقتال الأخوة أن يتسع ويكبر. ومع أن أغلب المتصدين للعمل السياسي في العراق اليوم كانوا على علم بحقيقة هذا العرض ، إلا أنهم أحجموا عن الحديث عن هذه المعضلة التي تريد تدمير العراق ولاسيما أن هنالك أحاديث عن قيام الممولين أنفسهم بتقديم مبالغ خيالية للعصابات الإرهابية للقيام بأعمال تخريبية تتزامن مع سعي الكيانات القابضة لتقويض العملية السياسية برمتها لأن نجاح الجهد السياسي في قيادة بلد مثل العراق يعني الإيذان بنهاية كل الأنظمة الشمولية والوراثية في المنطقة، والتبشير بعصر عربي جديد.

وكانت صحف محلية وعربية وأجنبية ومواقع الالكترونية قد نشرت أخبارا عن هذا الدعم التخريبي ومقداره والجهات القابضة والهدف من تقديمه،

إن حقيقة هذا الدعم  يؤكدها الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن النائب عن محافظة صلاح الدين ورئيس تيار الشعب السيد علي الصجري المنسحب من قائمة الحركة الوطنية العراقية التي تشكلت من القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي  وجبهة الحوار الوطني برئاسة صالح المطلك عن دعم مالي كبير قدم لزعماء هذه من دولة خليجية وجاء فيه (وحول ما أشار إليه من استلام أياد علاوي وصالح المطك مبالغ مالية تقدر بـ100 مليون دولار من دولة خليجية أوضح الصجري: " أنا على استعداد أن اثبت ما ذكرته وأؤكد ذلك لأني علمت من احد الأخوة في مجلس النواب انه كان حاضرا في إحدى الاجتماعات التي تم الاتفاق فيها على إعطاء أياد علاوي والقيادات في قائمته مبلغ 100 مليون دولار لدعمهم في الانتخابات". وزاد "ثم اخبرني هذا النائب أن أتوقف عن معارضتي في داخل القائمة لأن الإصلاحات التي أطالب بها هي مرفوضة بالمرة من قبل الدولة الخليجية التي مولت مشروع علاوي والمطلك".

ومما قاله في تصريحه لوكالة  كردستان للأنباء (آكانيوز) يوم الخميس 5/11 (هناك شخصيات دخلت في القائمة التي يتزعمها علاوي والمطلك تحاول فرض سيطرتها على الشخصيات والوطنية وفرض أجندتها الخارجية المرتبطة بدول خليجية إذ تريد أن تجعل من الوضع السياسي في العراق مستقرا".

المطلك من جانبه لم يتهم الصجري بالعمالة للأجنبي أو بخيانة الوطن لأنه مثلا قبض مبالغ من دول الجوار وإنما فقط بسبب انسحابه من قائمته ولذا قال: "الصجري خائن للأمة والوطن ولا مكان للخونة في تيارنا الوطني الجديد، كون الصجري صعد إلى البرلمان من خلال جبهة الحوار الوطني وانقلب عليها فهو خائن لا وجود له معنا".)

ولم يكن خبر الصجري وحده من تحدث عن الدعم المالي والتدخل المباشر  حيث نقلت وسائل الإعلام خبرا آخر يؤكد حقيقة الدعم المالي والتدخل المباشر في العملية الانتخابية، والخبر عن "أبو علي القيسي" القيادي في حزب البعث أعلن خلاله من على منبر قناة السومرية العراقية عن مشاركة  (102) بعثي في محافظة الأنبا ر ومئات أخرى من البعثيين في باقي المحافظات في الانتخابات النيابية المقبلة وأعترف خلال حديثه ـ وهذا هو المهم ـ عن تلقيهم دعما بملايين الدولارات من دول الجوار العربي.

يعني هذا أن أموال الدعم الخارجي والتدخل الأمريكي  المباشر بالعملية الانتخابية يراد منه حرفها عن مسارها التصحيحي وتحويلها إلى لعبة لا تختلف كثيرا عن لعبة ما يعرف بـ (يوم الزحف الكبير) والهدف هو دفع وجوه معروفة بولائها للغرب ولأمريكا لاستلام زمام الأمور في العراق وتنفيذ المخطط الأمريكي المعد للمنطقة

 

التهيؤ للانتخابات

لا يخفى أن كل المسئولين الحكوميين العراقيين وصلوا إلى سدة الحكم وهم يملكون أقل قدر من طرق التعامل مع الإرهاب صاحب الخبرة التراكمية المدعومة من قبل النظم الحكومية القطرية والدولية، ولذلك كان يسبقهم بخطوات في كل عملياته، وكان تفكيره متقدما على تفكيرهم بخطوات، لكنهم وخلال سنوات الممارسة والتمرين  الماضية نجحوا بتكوين خزين من الخبرة المكتسبة التي أثمرت جزئيا بالتصدي للإرهاب وإيقاف زحفه ألتدميري بنسب عالية رغم بدائية الطرق والآلات التي كانوا يستخدمونها، حيث بدأت الناس تشعر بالأمان الحذر.

وقد زاد من معاناتهم عدم تعاون شركائهم في العملية السياسية، هؤلاء الشركاء الذين كان قسما كبيرا منهم من قادة الإرهاب الحقيقيين وداعميه الفعليين ورجاله المخلصين، وكان القسم الباقي منهم من مؤيديه والمدافعين عنه والميسرين لاحتياجاته عن طريق الدعم اللوجستي الذي قدموه  له خلال الفترة الماضية، مما أسهم في تصعيب مهمة المسئولين الحكوميين وزاد في معاناتهم.

نعم تمكنت النجاحات التي حققتها الحكومة والأطراف العاملة معها من تحييد بعض الأطراف المناوئة من هؤلاء الشركاء وتسكيت البعض الآخر ولجوء القسم الثالث للعمل السري المبطن والمموه، وهرب القسم الأخير إلى دول الجوار الراعية للإرهاب. وقد شهدنا منذ عام 2008 ولحد الآن هدوء نسبيا مشوبا بالخطر، بل شهدنا تعقلا في مواقف بعض المشاركين ممن كانوا ينتظرون النتائج النهائية وما ستتمخض عنه الأحداث لإعلان مواقفهم الحقيقية. والحكومة من جانبها نجحت في تشخيص هذه الحالة وكانت ولا زالت تنظر إليها بحذر خوفا على النسيج العنكبوتي الهش أن ينفرط عقده بما يجلب الويلات على الجميع.

لكن انشغال الكتل والأحزاب في لم شتاتها وخلق تكتلاتها التي ستدخل بها الانتخابات القادمة جوبه بتأثير مواقفها المعلنة على النتائج المحتملة مما دفعها للبحث عن أعمال دعائية تدعم بها موقفها وتستقطب من خلالها المؤيدين لنهجها وشخوصها، ولما كان دعم الإرهاب والعزف على وتر الطائفية احد أكبر عناصر الحث المجربة والمضمونة، فقد وجدت هذه العناصر نفسها مجبرة على العودة للمربع الأول والتخلي عن هالة الوقار الكاذبة التي أسبغتها على نفسها في الأشهر القليلة الماضية لتعلن صراحة عن نهجها الحقيقي الذي تؤمن به ولا تؤمن بسواه.

وقد جاءت تفجيرات الأربعاء والأحد الداميين لتكون القشة التي قصمت ظهر بعيرهم ولتدفعهم للتخلي عن عقلانيتهم الزائفة والعودة إلى ديماغوجيا الخوف الكامن في النفوس

إن عودة الشركاء إلى مهاترات مرحلة ما بعد التغيير يعني أن المرحلة المقبلة من عمر العراق لن تكون أفضل من سابقتها، وأن تداعيات أحداث الأمس لا زالت فاعلة ومؤثرة

أن عدم تبديل هذه الكتل لقناعتها الفارغة التي دفعت العراق إلى طريق الخراب والدمار طيلة ست سنوات يعني استمرار حالة الفوضى المدمرة التي نعيشها ويعني أنه سيعيد تلك المشاهد المرعبة والنزعات الحيوانية السادية التي قاسى منها العراق.

إن المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق وشعبه اليوم توجب على كل وطني غيور شريف مؤمن بالعراق الواحد الموحد أن يقف إلى جانب الحق ويعمل على وحدة كلمة العراقيين لكي ينجحوا في تجاوز مرحلة الانحطاط ويبدأوا مراحل العمران والبناء

 

من ننتخب

أحدثت الانتخابات الديمقراطية التي شهدها المواطن العراقي بعد التغيير في 2003  تغييرا جذريا في طريقة وصول القادة إلى السلطة بما لا عهد لنا به. وقد يكون لعدم خوضنا تجربة ديمقراطية من قبل ، وتطبعنا على نمط حياة رتيبة يقودها إما الاستعمار الأجنبي أو الحكم الفردي الشمولي دورا في حدوث هذه السلبيات التي ساهمت في إفشال مشاريع كثيرة كان من الممكن لها لو نفذت أن تدفع عجلة التطور في البلاد إلى الأمام.

ولأننا مقبلون على تجربة انتخابات جديدة نضجت خلال السنوات الأربع المنصرمة عقول الناخبين والمرشحين خلالها بعد معاناة مريرة فمن المفروض أن نوظف النضج والمعاناة معا لتأسيس نظام قادر على تلبية احتياجات العراقي، ولكي لا تتكرر السلبيات وتحدث المعاناة سواء بعرقلة المسيرة الديمقراطية، أو الحجر على تطلعات الجماهير، أو العودة لترسيخ الفئوية والطائفية والمذهبية، وتستمر معها مسيرة الفساد المالي والإداري ووصول المفسدين إلى مراكز القرار. من المفروض بنا جميعا أن نتوخى الدقة والحذر في اختيارنا، وأن ندقق بكل مفردة ترد في مشاريع المرشحين تدقيقا علميا متجردا متحررا من إكراهات الصراع والنزاع، ويجب أن نقف طويلا أمام أسماء المرشحين وننظر لخلفياتهم ومسيرة نضالهم وما قدموه من قبل للعراق، ونزن كل ذلك بميزان الوطنية والحكمة دون أن ننخدع ببريق هذه الأسماء أو بريق مشاريعها التي هي في الغالب حبر على ورق الوعود الزائفة. بمعنى أننا معنيون بالبحث عن صدق المرشح وكفاءته الإدارية والعلمية وعقيدته وإيمانه نزاهته، والأهم حجم ومقدار وطنيته. فإذا نجحت هذه المفردات في الامتحان يكون المرشح أهلا للقبول، أما إذا لم تنجح فمن العار أن نسمح للفاشلين بالتسلط على رقابنا وقيادة حياتنا إلى المجهول أو المغامرة بها لتحقيق المكاسب الشخصية.

ثم لا ننسى أننا بعد التجربة المريرة التي عانينا خلالها من استشراء ثقافة الكراهية والإبعاد والمقاطعة ترسخ في داخلنا ميل طائفي يدفعنا بقوة لانتخاب المرشح الذي نجح من قبل في  مناغمة مخاوفنا ووظفها  سواء لكسب الأصوات أو لنصرة معتقده الفئوي على حساب معتقده الوطني. وعلينا كبح جماح هذه الميول وتكبيتها في نفوسنا وتحكيم منطق العقل وتفعيل روح المواطنة والولاء للعراق الواحد.

إن المشاركة في الانتخاب ليست مجرد تأشيرة على ورقة ووضعها في صندوق محكم القفل بما يبدو وكأنه إبراء للذمة بل هو مسئولية جسيمة وفي غاية الخطورة، فأنت عندما تنتخب شخص ما يعني أنك فوضته قيادتك وتدبير شؤونك طواعية وتنازلت له بإرادة ورغبة ووعي عن حقك. والمفروض أن يكون المرشح الذي تنوي انتخابه أهلا لحمل كل ذلك بأمانة وشرف، فإذا ساورك ولو شك يسير في قدرته على تحمل هذه المسئولية فمن الواجب أن لا تنتخبه حتى لو أخضعت لأقسى الظروف.

وأن تنتخب شخص ما يعني أنك اخترته ليحكم بينك وبين الآخر ولذا يجب أن يكون قادرا على التماهي مع كل الارادات وإقناعها لتنضوي تحت جناح شريعة القانون، ولاسيما أن كل فئة منا جاءت خلال الزمن الماضي بقوانين من واقعها تريد إلزام الآخرين بإتباعها والعمل بموجبها والتخلي عن قوانينهم الموروثة وسننهم الماضية، ويعني هذا أننا بحاجة إلى دولة يسود فيها قانون الحياة وليس قانون الغابة، وأن يكون هذا القانون عادلا بين الجميع وممثلا لتطلعات الجميع. ومن يملك من المرشحين ضوابط علمية وأخلاقية تمكنه من التحرك بيسر بين هذا الكم الكبير من القوانين المتعارضة وتضمين الصالح والنافع منها إلى القانون الأول، أعني (الدستور) هو المرشح المؤهل للقبول.

والمرشح الذي يملك رؤية ناضجة لهذه التطلعات التي يراها البعض شرعية، وله قدرة إشراكها مع رؤاه ورؤى السياسيين الآخرين للتوصل إلى فهم جديد لدستور مقبول من الجميع أهل لكي ننتخبه. أما المرشح الذي يسعى للمحافظة على توجهاته الفئوية ويجاهد ليضمنها للدستور فنقول له صراحة: إن قيام أفراد غير منضبطين بتحميل إرادتهم على الآخرين قد ولى وزمن الرموز الفردية الشمولية قد انقضى  ومن يبغي إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والرجوع بالعراق إلى زمن الفردية والشمولية لا مكان له بيننا. بل أن أي حزب أو فئة أو طائفة  تسعى لاختزال العراق في حدود تفكيرها أو تغليب مصلحتها على المصلحة الوطنية ومصلحة المجموع إما أن تبدل نهجها البالي أو تنسحب من الحياة العامة وتتقوقع على نفسها .

ولما كنا قد مررنا خلال التجربة الماضية بهزات وضغوط وأكرا هات وتعسف ومضايقات وتقتيل وتفجير وتهجير فمعنى ذلك أننا نعاني من تراكمات وتعقيدات نفسية كثيرة قد تدفعنا في أي لحظة لارتكاب الحماقات أو الإتيان بأفعال منافية للوطنية. والمرشح القادر على ضبط سلوكيات الناس وأخلاقهم وما يتوقع أن يبدر منهم من أفعال مهما اختلفت طوائفهم هو المرشح الناجح والأجدى بتمثيلك وحمل وصيانة حقوقك التي تنازلت له عنها طواعية، وهو الأجدر بأن تعطيه صوتك.

بقي أن نقول أننا بكل أطيافنا لدينا رغبات مؤجلة وتطلعات مشروعة ومطالب وحاجات، بل أننا لكثرة تسويف ومماطلة النظم السابقة في الاستجابة لمطالبنا أصبحنا نشكو تزاحما في الرغبات. وهمنا الأكبر اليوم أن ننجح بانتخاب من يقدر على تحريرها وتنفيذها لكي نشعر حقيقة بوطنيتنا وعراقيتنا كما يجب أن تكون.

إن الانتخابات القادمة امتحان حقيقي لقدرات العراقيين في التمييز بين الحق والباطل، ومن الواجب علينا أن لا نخذل من ينظر لنا  كما ننظر نحن لأنفسنا، ولا يتم ذلك إلا بانتخاب الصالحين وإبعاد المفسدين والعملاء والمصلحيين والطائفيين.

 

الانتحار والانتحار المقابل

ليس على مستوى الأفراد وحدهم وإنما صعودا إلى المذاهب والأديان، وليس على مستوى الأحزاب وحدها بل صعودا إلى الدول والأمم كانت عبادة الفرد وتمجيد ألذات مرحلة استراتيجية تتوقف عندها هذه المكونات لتنظر من خلالها إلى شخص ما وكأنه هبة السماء وأوحد زمانه وفريد عصره ومالك كل القدرات والقادر على الإتيان بالمعجزات وتحقيق المستحيلات وتجاوز كل المعرقلات والأزمات وصولا إلى تحقيق الأمنيات.

وعلى مر التاريخ كانت البشرية تعاني أصعب أوقاتها وأشد أيامها قتامة وسوداوية وتخلفا وإيلاما عندما يلجأ هذا المكون أو ذاك للعمل بهذه الدستورية المتخلفة والإيمان بهذه القاعدة الفاسدة، فالعمل بها جر الويلات على الشعوب وسلبها حقوقها وصادر حرياتها وبدد ثرواتها وأسهم في سفك دماء أبنائها بلا سبب أو مبرر.

ونحن حينما ثرنا على الحكم الشمولي البعثي  بعد قساوة الحياة التي عشناها على مدى أربعين عاما لسنا مستعدين اليوم لاستبدال مستبد بمستبد آخر أو حكم شمولي فردي بحكم شمولي آخر، إن العراقي الصابر لم يقاسي ويلات القهر والاستلاب ومرارة السجون والترحيل والحروب والحصار والجوع  ليحصل على وعود كاذبة من المتاجرين بالقيم  والمنتهزين للفرص والساعين لتمجيد الذات الأنوية والمركزية الشخصانية، لذا أجدنا على استعداد لخوض مرحلة نضال ثوري جديدة إذا لم تلبى مطالبنا الحتمية فللصبر حدود ونحن بعد كل الذي مر بنا تجاوزنا حدود الصبر .

ومع أن العراقي ثوري بطبيعته ولكنه لا يلجأ للعنف إلا تحت مؤثرات قاهرة تفوق قدراته، ونحن بعد أن شهدنا خلال السنوات الأربع المنصرمة عمليات انتحارية رسمية (برلمانية وحزبية وحكومية) أثارت الاضطراب في حياتنا المضطربة أساسا قد نضطر تحت ضغوط الإكراهات لممارسة الانتحار لا لقتل أنفسنا كما يفعل الإرهابيون عبثا  للتخلص من حياة بائسة بلا معنى وإنما لتدمير البنى المجتمعية كلها التي سنعتبرها السبب في محنتنا.

لذا يجب التعامل مع الحالة التي وصل إليها العراقي اليوم بشيء يتساوق مع مقدار الضغط المسلط عليه ويجب العمل بجد لتجاوز مربعات الموت ودوائر الفرقة التي أنتجها الجهل السياسي خلال السنوات الماضية،إن الجهل السياسي لا  يعفي السياسيين الذين تصدوا لترشيح أنفسهم لشغل المناصب القيادية من تحمل مسئولية ما نمر به، كما أن صراع القوى السياسية مع بعضها لا يعفيها من تحمل هذه المسئولية.

نعم لا يخفى أن الفوضى ترافق كل عمل انقلابي كبير، لكن أن تستمر حالة الفوضى بالشكل الذي هي عليه اليوم يعني أن هناك تقصيرا متعمدا يراد منه تخنيع العراقيين وجرهم للتنازل عن ثوابتهم الدينية والوطنية وتحويلهم إلى أدوات إنتاجية مسخرة لخدمة الأهداف العالمية.

 

ما المطلوب الآن؟

قد يبدو سؤال (ما المطلوب الآن؟) ساذجا  مقارنة بحجم المطالب وتنوعها بله تباينها وتعارضها ولكن لا بأس أن نسأل وأن نبحث عن الجواب مستغلين بدء العمل بأسلوب القائمة المفتوحة التي تنوع أمامنا الخيارات بما يدعونا لأن نغير المعتقدات التي رسخها في أذهاننا  ما حدث خلال السنوات الست الماضية.والمطالب هنا تنقسم إلى قسمين أحدهما يخص القوائم والمرشحين والآخر يخص المواطن نفسه.

بالنسبة للمرشحين مطلوب منهم:

أن يخرجوا من نمطيتهم السابقة ويبداون البحث عن التجديد سواء تجديد الخطاب السياسي أو برامج العمل أو نوع المشاركة. وتجديد صيغ التعامل مع المواطن بالاعتماد والمراهنة على عراقيته وهويته الوطنية الجمعية، لا على قوميته أو دينه أو مذهبه... وأن يتقبل الخاسرون منهم هزيمتهم بروح رياضية ولا يتسببون في عرقلة العملية السياسية... وأن يتخلص الفائزون منهم من عقدة التبعية للقائمة الانتخابية لن ذلك يحد من نشاطهم الجمعي ويظهرهم وكأنهم لا يعملون لصالح العراق وإنما لصالح قائمتهم... وأن يتعاضدوا للحد من التدخل الأمريكي في الشأن العراقي الداخلي والحد من تدخلات دول الجوار التي تريد عرقلة العملية الانتخابية التي تهدد مصالحا بله تهدد بقائها في السلطة.

 

وبالنسبة للمواطنين مطلوب منهم:

الإصرار الفعلي على المشاركة الفاعلة في الانتخابات المصيرية القادمة واعتبارها تكليفا شرعيا ووطنيا...ودقة الاختيار وعدم التأثر بالمؤثرات المذهبية أو الاثنية أو السياسية...اختيار الشخصيات الكفوءة القادرة على تحمل المسئولية...التأكيد على انتخاب التكنوقراط والاختصاصيين والسياسيين المعتدلين حصرا...وعدم السماح للبعثيين والطائفيين والمنفذين لأجندات دول أخرى من بالجلوس تحت قبة البرلمان

لذا هي دعوة عراقية شريفة للسنة قبل الشيعة ولكل الطوائف والأديان والمذاهب العراقية، للمشاركة في الانتخابات القادمة بكثافة ووعي لدحر الإرهاب وإعادة الأمن والأمان لعراقنا العزيز المفدى.

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تذكر قبل ان تنتخب .. دور الشعب في تقرير مستقبل العراق 03 - 05/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم