آراء

مستوى مشاركة الشعب في الانتخابات

تغنى بها دهاقنة السلطة طيلة السنين السبعة الماضية والتي خلقت دورة إحباط تلهج بها ألسن السواد الاعظم من ابناء هذا الشعب المظلوم بعد ان زحف بمهرجان جماهيري صاخب وصفه البعض بثورة الأصابع البنفسجية في انتخابات عام 2005  مجابهين الرعب الذي كان سمة الحياة العامة وسط بغداد وباقي مدن العراق الأخرى، حالمين بغد أجمل وأفضل لكن جاءتهم النتائج عكسية بسبب جنوح اغلب الساسة الى مصالحهم الفردية والفئوية مع سلب امتيازات هائلة وسط فقر وعوز أبناء البلد .

ويبدو ان هذا الاستنتاج لم يغب عن أذهان رجالات السلطة الذين ينتابهم الفزع من فشل الانتخابات المرتقبة حيث ـ ان تحقق ـ سيفسح المجال لأصوات المناوئين الذين سيطعنون بشرعية الانتخابات وقد ينسحب بدوره للأسرة الدولية أيضا مما يشكل خطر على العملية السياسية بأسرها، وهو توجه مدعوم بدون أدنى شك من دول الجوار العربي الدافع باتجاه إفشال هذه التجربة وإيجاد بديل لا يقل عنفا عن ما جرى في السنين الأخيرة وقد يفتح الباب على مصراعيه في ايقاع مطرقة القضاء على رؤوس الكثير من الرموز الحالية الذين بزوا حقبة البعث بفجورهم وموبقاتهم، لذلك سارعت الحكومة وبإيعاز من رئيس الوزراء نوري المالكي لإصدار أمرا لجميع الوزارات والمؤسسات الحكومية وكادرها الإداري بإلزامية جلب استمارة الناخب لكل موظف مستمر بالخدمة من مسؤولي توزيع الحصة التموينية كضرورة لصرف راتب الموظف الشهري، لذا أصاب بعض الموظفين هوس البحث والتنقيب عن موزعي وموزعات المواد التموينية وسمة البعض من هؤلاء الأمية وبعضهم يقرأ بصعوبة ويحتفظ ببطاقات الناخبين بصورة فوضوية وآخرين ارتحلوا الى مكان اخر دون إشعار عملائهم والبعض الآخر لا يفتتح محل عمله الا لأيام معدودة في الشهر ومحل سكناه مجهول، ومن المبتذل إنفاق سبعة أعوام مع ميزانيات هائلة على ما يسمى جزافا انتخابات لتظهر بهذه الصورة البائسة وتلجأ لهكذا أسلوب بدائي .

ويعد الأمر الحكومي المشار إليه آنفا غير قانوني ومخالف للمادة (37 / ثانيا) من الدستور العراقي اذ يفرض بموجبه على الموظف الاشتراك  في الانتخابات عنوة رغم وجوبية ان تكون المشاركة كيفية تتعلق بإرادة الناخب، والامتناع عن التصويت صورة من صور هذه الإرادة . ونستشرف مما ورد ان غالبية الناخبين يفضل الجلوس في منزله دون ان يتجشم عناء الذهاب الى المركز الانتخابي للإدلاء بصوته حتى لا يشعر بالإثم وتأنيب الضمير مستقبلا كون اغلب الرموز المرشحة للبرلمان القادم هي نفس الوجوه البرلمانية والحكومية الراهنة . والمفارقة المبكية المضحكة في نفس الوقت عزف جميع القوائم الانتخابية على إيقاع التغيير المرتقب ومنها قائمة رئيس الوزراء التي تضم الكثير من وزراءه  ووكلاء وزاراتهم المشهورين بالفشل والفساد فكيف يكون التغيير ؟ وبأي وسيلة؟ اذا كانت المعايير والشخصيات والبرامج نفسها !!!.

ومن الظواهر المستجدة هذه الأيام وهي دليل اخر على تهكم الفرد العراقي وسخريته من الانتخابات ودعاياتها الانتخابية قيام بعض الصبية بسرقة البوسترات الإعلانية والصور الشخصية لمرشحي الانتخابات التي تكلف إحداها قيمة معيشة أسرة عراقية لشهر كامل والاستفادة منها ك (سفرة طعام)، كما من المرتقب ان تحدث حملة واسعة للحدادين في الاستيلاء على قضبان وصفائح الحديد التي ترتكز عليها الصور والبوسترات الإعلانية عقب الانتخابات مباشرة .

من السفه بمكان ان نجد هكذا مستوى من الإنفاق على الحملات الدعائية بالتزامن مع الازدياد المضطرد لقوافل الفقراء والجياع في البلد، اذ ان بعض ميزانيات الإنفاق تجاوزت حدود المعقول، ولو تجنبنا مقدار الهبات والهدايا النقدية والعينية التي تنفقها القوائم الانتخابية لشراء أصوات الوجهاء والمتنفذين وشيوخ العشائر وعرجنا على المبالغ المالية التي زجت لأغراض الدعاية الانتخابية لأصابنا الذهول . ونجد معادلة بديهية مفادها ان جميع من كان يحتل موقعا حكوميا او برلمانيا ازداد مستوى إنفاقه الدعائي ازديادا طرديا وموقعه الحكومي وميزانية وزارته او مؤسسته الحكومية التي يتحكم بها، وبالمقابل نجد العكس تماما مع القوائم الانتخابية الفقيرة التي لا يحتل مرشحوها موقعا مرموقا في البرلمان او في الحكومة، وهذا بدوره يسعّر ظاهرة الامتناع الشعبي عن الانتخابات الذي ربما استعدت له القوائم النافذة  لتجييره لصالح مرشحيها بالتزوير والتدليس .

ان الألم الذي يعانقه أبناء الشعب بارز السجايا والملامح اذ تطغى على الشارع العراقي الآن ثقافة اليأس من التغيير، بل ان الكثير من الناس بدأت تكره صور الدعايات الانتخابية التي تظهر فيها الوجوه المبتسمة او الواعدة او الملوحة بقبضة اليد كونها تمثل مشهدا بائسا وأكذوبة مفضوحة لذؤبان غايتهم السلطة وبريقها فقط وليذهب أبناء الشعب الى الجحيم .

 

المحامي حسن الناصر

[email protected]

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تذكر قبل ان تنتخب .. دور الشعب في تقرير مستقبل العراق 03 - 05/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم