آراء

منامات ابن سيَّا/ المنامة الثامنة والثلاثون .. ابن سيَّا يخوض في الانتخابات

أولا، لابد من الاعتراف بعظمة (العملية الانتخابية) وبعبقرية مكتشفها، ولابدَّ من التأكد بأن البشرية بعد ردح طويلٍ من الزمن والمعاناة والمآسي الحمراء، قد تهيأت لهذا الاكتشاف العظيم!!

وتأتي روعة الانتخابات في أنها أصبحت بديلاً سلمياً من المواجهات الغبية المرعبة الدامية، فهي ببساطة انقلاب (مدني)، يذهب بدولة ورجال ويأتي بدولة ورجال، بلا دماء تراق ولا نقص في الأموال والأنفس، حيث يتحول الحماس للقتل وتصفية الآخر جسدياً ونهائياً إلى حماس لإزالة الآخر مع الاحتفاظ به جسدياً وروحياً.. وهو انجاز عقلاني عظيم. ولعل البشرية بعد ردحٍ آخر أكثر طولاً وعسراً ستقضي على الحماس بالمرة، وتصبح الدولة القديمة تذهب بالروحية نفسها التي أتت بها، وهذا إن حصل في شعب فهو يعني أن هذا الشعب بلغ أقصى رقيه الإنساني..

ولكن في زحمة الوطن المذبوح أبداً، وإرهاصات النهايات المحتملة جداً، عبر أبواق الموت المتصلة بأنين وضجيج الارتحال المستمر.. في ظل هذه العملية النبيلة استرخت أمانٍ، وقامت سوق، وغصَّت فرص.. فأي نقيض وأي مريض؟ إنها (شيزوفرينيا) مؤكدة.

وسرّح النظر في عراق اليوم، المتألم من نواب منتفعين، زائفين ومزيِّفين، فسرح وعبَرَ، وتقمَّصَ الوطن وعنه عبَّر:

إلى أين أمضي والمسافاتُ تهرُبُ

وكلُّ غدٍ أمسٌ عليَّ يكذِّبُ

 

وان النهاياتِ العقيماتِ كلَّها

أراها.. تجولُ العينُ فيها فتتعبُ

 

تناهبني الأبناءُ إلا بقية

سيأتي عليها الآخرونَ فتذهبُ

 

يجيئوني (غَيراً) ويمضونَ (مثلَهُمْ)

أما سُئمتْ من لعبةٍ كمْ ستُلعَبُ؟

 

يلهُّونَ شَعبي بالوعود ليسلبوا

كما ألهِيَتْ محلوبة حينَ تُحلبُ

 

هناك.. سأدعو المخلصين، وإنهم

لقرَّةُ عيني والدواءُ المطبِّبُ

 

هي (الانتخابات!) يراها (المواطن الشريف) حق المواطنة عليه، فيطلبها لإحقاق الحق ونصرة الوطن والشعب، ويراها (المُسَاكِن الدخيل) حقَّه على المساكنة،  فيطلبها قافلة من لحقها ملك، ومن فاتته هلك! فيصرخ في أعماق نفسه (ليتسابق المتسابقون)!! ولابدَّ أن تكون لـ(هذا المرشح) مواصفات يرشحها (الترشيح) لا تحتاج إلى توضيح، فان الله (سبحانه) مذ رفع السماء ووضع الميزان، جعل الحقيقة في تبيان، وان شوِّهت أو موِّهت.

وأضاف وهو يناقش الحالة الانتخابية المثلى:" لكل عراقي ثلاث هويات: عراقية (عامة)، وقومية (خاصة)، ودينية (أخص). أما العراقية فهي التي عليه إبرازها والتعامل بها خارج بيته، وأما القومية فيبرزها في بيته وبين أسرته، وأما الدينية فيبرزها حين يختلي مع ربه؛ فالعراقية جامعة مانعة، ولابدّ أن تحلَّ ثوابت المشكلة لإنقاذ العراق، وإلا فأنت (تصفِّط) الصكوك، وتعبِّي البنوك لتنقذ نفسك! وهو ما حدث كثيراً منذ ذلك (الحدث) إلى هذا (الحادث)، فأعمدة الحل كان يمر منها النواب (إياهم) فيهربون!!

النواب الذين لا يبنون العراق، ينوبون عن أنفسهم وليس عن الشعب، وحتماً سيشرعنون اللاشرعي.. عندئذٍ لم يكن أمام ابن سيَّا إلا أن يقول بحقهم:

نائبة ونائبُ

وجمعُهمْ (نوائبُ)

 

ميكافليَّاتٌ هِيَ الألقابُ والمراتِبُ

وكدواليبِ هواءٍ: ذاهب وآيبُ

 

(مَناصبٌ) لحقنا

(روافِضٌ)( نواصِبُ)

 

ولعبة أودت بلاعبٍ وفاز لاعب

 

(هِيَ).. صناديقُ مُنىً

مِفتاحُهَا ألناخِبُ

 

ولم يعتقد ابن سيَّا يوماً بأن الأمل مفقود وان الخير راح ولن يعود، بل كثيراً ما يردَّد قول شوقي:

وَلا تَقُل لا خَيرَ في الناسِ فَكَم

في الناسِ مِن خَيرٍ عَلى طُولِ المَدى

 

 

ويردد: الانتخابات أمر لابديّ وحل أوحديّ ولا مناص منها شرط تكاملها وصحتها.. وشعبنا العظيم كم أخرج من عظماء، وان عسر مخاضهم أحياناً، بل إن الظروف الصعبة أنجبت خير نجبة وأفضل نخبة.. والنواب المنتفعون على حساب العراق سرَّاق أنفسهم والآخرين، لأنهم أعطوا (دفة الفعل) فأداروها لوجهتهم ولم يوصلوا العراق وشعبهم، وهم الأقدر، إلى بر الأمان، فلا أمان لهم مني".

كان ابن سيَّا يجمِّع نفسه ليقول فيهم ما يستحقونه من شاعر غيور هاج فيه الوطن، وهكذا أطلقها جائحة فاضحة لا تبقي ولا تذر:

منْ حقِّهِمْ

إذا طغَوا

 

وحقهِمْ

إذا بغَوا

 

فكمْ جبَوا

وكم سبَوا

 

كمِ ابتنَوا

وكم بنَوا

 

وكمْ تدَّنوا ودنَوا

 

مِنْ حقهمْ

فقد حوَوا

 

لمَّا ترددتَ بلََوْ

وخفتَ ربَّاً ما خشَوا

باعوا الضمير واشترَوا

والوطنَ اليبكي نسَوا

 

من حقهم

إذا طغَوا

 

ثم علَوا

ثم عتَوا

 

فكم من الناس جَنوا

وكم على الناس جَنوا

هم سارقون قد سطَوا

وسفهاءُ ما انتهَوا

 

فليزعلوا

(زعلة كلَو)

 

عليهُمُ الناسُ (دَعَوا)

ولعنة الله شرَوا

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1336 السبت 06/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم