آراء

ملف: المرجعية الدنيوية وإشكالية الدين والدنيا في العراق (2-2) / ميثم الجنابي

 وإذا كانت هذه الظاهرة تبدو في مظهرها خروجا على المنطق، فلأنها من الناحية الفعلية كانت نتاجا للخروج على التاريخ أو تأخرا عنه أو انحرافا عن مساره الطبيعي.

فالمسار الطبيعي للفكرة السياسية الحديثة يتجه صوب الانتقال من الرؤية الدينية اللاهوتية إلى العقلانية الدنيوية (العلمانية). بينما الذي جرى في العالم العربي كان شيئا معاكسا، بمعنى ظهور وانتشار وهيمنة الفكرة الدنيوية بمختلف تياراتها الأيديولوجية في مراحل ظهور الدولة الحديثة. من هنا فشلها المريع وانسحابها شبه الكلي من مسرح التاريخ أو اضمحلالها أو تلاشيها الجزئي أو الكلي. وفي هذا تكمن صورة "الشبح" الإسلامي المرعب في خيال "اليسار واليمين" "العلمانيين". مع أن الظاهرة لا تخلو من دراما الحياة السياسية والقومية من جهة، ومن مكر التاريخ العربي الحديث من جهة أخرى.

بعبارة أخرى، أن "العدالة" المفقودة في المسار التاريخي بوصفها "منطق" المسار الطبيعي للتطور التاريخي كانت تفترض صعود التيار الديني ومن ثم انحلاله وتلاشيه. وبالتالي لا يعني ظهورها الآن سوى الصيغة المتأخرة "لتعديل" المسار الطبيعي للدولة والمجتمع والثقافة والأمة، بوصفها عملية تاريخية طبيعية وثقافية وقومية. وعادة ما تلازم هذه العملية ما ادعوه "بالمرحلة الدينية" الضرورية والعابرة في الوقت نفسه. وذلك لأنها مرحلة تلازم حالة التطور التلقائي الطبيعي للدول والأمم. بمعنى أن الحركات الدينية (الإسلامية) السياسية المنتصرة سوف تقف بالضرورة أمام مفترق الانتقال الحتمي إلى الدنيوية. وسوف يجري ذلك بالضرورة أما عن طريق النفي الذاتي بفعل نجاح الانتقال أو الاندثار بفعل هزيمة البرامج. وكلاهما من اصل واحد ويؤديان إلى غاية كبرى واحدة. من هنا مهمة تأسيس العلاقة الممكنة والمحتملة بين الدين والدنيا، وعلاقة الديني بالدنيوي، باعتبارها القضية النظرية والعملية الأساسية لبناء النظم الحكومية والسياسية والثقافية في ظروف العالم العربي الحالية والعراق في الحالة المعنية. بمعنى كيفية حل هذه الإشكالية من وجهة نظر المشاركة البناءة للحركات الإسلامية في إعادة تعمير العراق على كافة المستويات، وبما يضمن بناء دولته العصرية ومجمعه المدني ونظامه الديمقراطي والحقوقي الشامل. ولا يمكن حل هذه المهمة نظريا وعمليا بصورة متجانسة دون إعادة تأسيس هذه الثنائية بصورة واقعية تأخذ بنظر الاعتبار ما ادعوه بمعاصرة المستقبل. وذلك لان علاقة الديني بالدنيوي هي علاقة متغيرة ومتنوعة المستويات. كما أنها  مهمة مختلفة من الناحية النظرية بالنسبة للتيار السني والشيعي بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل ما أضعه هنا من أفكار حول "التيار السني" في العراق هو مجرد رؤية محتملة لما يمكن أن تكون عليه الحركة الإسلامية السياسية المتبعة لتقاليد الحركات السنية. وهي حركة كامنة في العراق أكثر مما هي واقعية، كما أنها واقعية أكثر مما هي احتمال. بمعنى أنها جزء عضوي من الظاهرة الإسلامية بشكل عام وفي العالم العربي والعراق بشكل خاص. ولعل أهم ما يخصه بهذا الصدد في العراق هو ضرورة الاهتمام بثلاث قضايا جوهرية وهي:

1.   قضية إعادة تأسيس فكرة "الفرقة الناجية" صوب الاهتمام بفكرة جوهرية الحق وأولويته على الرجال،

2.   قضية إعادة تأسيس "السنة النبوية" التقليدية ضمن الرؤية الواقعية لسنّة التطور التاريخي،

3.   قضية تحويل الفقه الثابت ومدارسه التقليدية إلى فكرة ثبات القانون والاجتهاد فيه حسب متطلبات التطور الاجتماعي والسياسي الديمقراطي والمجتمع المدني.

وفيما يتعلق بالقضية الأولى ("الفرقة الناجية")، فان ذلك يفترض العمل من اجل إلغاء فكرة الفرقة بمعناها النفسي والعقائدي والتنظيمي. بمعنى تحرير فكرة "الفرقة الناجية" من الفرقة والإبقاء على جوهرية النجاة فيها، عبر تحويلها إلى فكرة سياسية. وهو تحويل ممكن من خلال ربط مضمون الفكرة السياسية للنجاة بالعمل النظري والعملي على حل الإشكاليات الواقعية الكبرى بعد إدراكها بمعايير معاصرة المستقبل بشكل عام وفي العراق بشكل خاص. مما يستلزم بدوره العمل من اجل ربط الجانب السياسي للفكرة بأبعادها الحقوقية. وهو أمر ممكن من خلال تأسيس الأبعاد السياسية للنجاة بمعايير الحقوق. وهي عملية ممكنة عبر نفي حق الحديث باسم "الفرقة الناجية" و"أهل السنة"، والعمل بصفة حركة اجتماعية أو سياسية أو كليهما.

إن إعلاء شأن "المصدر الثقافي" في الرؤية السياسية والحقوقية للحركة الاجتماعية والأحزاب السياسية يساهم بصورة فعالة وغير مباشرة في تذليل فكرة ونفسية "الأصول" اللاهوتية. بمعنى المساهمة على جعل معنى ومضمون الاجتهاد فعلا واقعيا ومستقبليا. ولا يعني ذلك إزالة أو تذليل فكرة الأصول بحد ذاتها، بقدر ما يعني أن "الأصول" هي ليست كيانا مستقلا بحد ذاته مقدسا بهيئة "نصوصا" لا تقبل التغير والتبدل. فالنصوص أيا كانت هي "أبدية" ولا "تقبل التغير والتبدل". إلا أن قيمتها "الأبدية" الفعلية تقوم في قدرتها على أن تكون جزءا من "المعاصرة"، أي جزء من معترك تربية العقل النقدي ومساهماته الواقعية في حل الإشكاليات الجوهري الكبرى للتطور الاجتماعي. بعبارة أخرى، إن النصوص لا تقدم حلولا، بل رؤية. وان معيارها "المقدس" هو بقاءها ضمن إطار الرؤية الثقافية، التي يستحيل تأسيسها في العالم المعاصر دون إيجاد الصيغة المناسبة لحل إشكالية الديني والدنيوي.

وفي واقع العراق المعاصر، فإنها ممكنة من خلال حل أربعة حلقات في سلسلة "الدنيوية العراقية"، وهي كل من

1.   تذليل سيطرة الديني على الدنيوي،

2.   تأسيس فكرة الدنيوية المعتدلة بقيم الانتماء الثقافي الذاتي،

3.   ربط فكرة وقواعد الدنيوية بفكرة الحق والحقوق،

4.   تجسيد الدنيوية بوصفها منظومة حقوقية سياسية اجتماعية اقتصادية وثقافية.

وفيما يخص القضية الثانية ("السنة النبوية")، وإعادة تأسيسها ضمن الرؤية الواقعية لسنّة التطور التاريخي، فان ذلك يفترض العمل من اجل عقلنة ماهيتها التاريخية والمجردة. وهي ليست مهمة تأويلية صرف، بقدر ما أنها تنبع من حقيقة السنة النبوية، بوصفها نموذجا تاريخيا ومتساميا للثقافة الإسلامية. إذ لم يعن تقديسها من الناحية الفعلية سوى اغترابها التام عن إشكاليات التاريخ والواقع. من هنا أثرها الكبير، على الأقل من الناحية الفكرية في تجميد وتكلس الإسلام تاريخيا وثقافيا. فقد كان هذا النوع من "السنة النبوية" أحد مصادر وأصول التأخر التاريخي للإسلام والعالم الإسلامي. إذ لم يعن تحويلها إلى أصل أولي وجوهري ومرجعية حياتية شاملة، سوى فرض صيغتها الشكلية المتحجرة على الإنسان والمجتمع والثقافة. بمعنى وضعها بالضد من مصادر وأصول التطور والتغير. بينما المهمة الآن تقوم في إعطائها موقعها الضروري في الرؤية الإسلامية الواقعية من خلال تحويلها إلى نموذج معقول يساهم في قبول سنة التطور غير المحدود وغير المحدد، بمعنى تحويلها إلى نموذج للرؤية العملية الباحثة عن حلول وبدائل. وهو تحويل ممكن في حال الإقرار المنهجي بنظرية الاحتمال الدائم ومعاصرة المستقبل. مما يفترض بدوره "رمي النصوص" والتعلم من محتواها التاريخي – الثقافي. وهي صيغة ممكنة في العالم المعاصر من خلال ربط فكرة "السنّة" أو القانون الكوني للتطور والتغير والتبدل بفكرة الأصول العقلية.

أما بالنسبة للقضية الثالثة المتعلقة بتحويل الفقه الثابت ومدارسه التقليدية إلى فكرة ثبات القانون والاجتهاد فيه حسب متطلبات التطور الاجتماعي والسياسي الديمقراطي والمجتمع المدني، فإنها تفترض في البدء صياغة تحديد جديد لماهية الفقه الإسلامي. وهو تحديد ينبغي أن يتركز حول الفكرة القائلة، بان حقيقة الفقه هي تفنن في اكتشاف وإدراك وتحقيق المعنى في النصوص والأحداث والوقائع والمستقبل. فهو التحديد الذي يحرر الفقه من تكرار النصوص والخوض في غمار مياه آسنة. مما يفترض بدوره جعل الفقه فلسفة الحق الإسلامي وبناءه على أسس منهجها العام، أي منهج البحث عن علل الأشياء وأسلوبها العملي هو الظن العقلي. وبالتالي تأسيس مبدأ النفي العقلي والعقلاني لذهنية ونفسية التحريم فيه عبر تحويل جهود الفقه النظري والعلمي صوب الاهتمام الدائم بقضايا الرؤية العقلية الحقوقية. وبالتالي جعل الفقه في مختلف اجتهاداته جهادا من اجل الحق والحقيقة.

أما التيار الشيعي، فإنه التيار الفعلي والواقعي للظاهرة الإسلامية في العراق. بل انه يتعدى ذلك من حيث اندماجه العضوي في نسيج الصيرورة التاريخية والكينونة الثقافية والروحية للعراق. ومن هذا المنطلق يمكن النظر إليه، باعتباره الحامل الفعلي لفكرة البدائل الإسلامية في العراق. لاسيما وانه كان على امتداد كل تاريخه المعاصر ممثل روح التمرد والدعوة للحرية والنظام الاجتماعي والعدالة. ويضع هذا التاريخ أمامه في الظروف الحالية أكثر من أي اتجاه إسلامي آخر مهمة المساهمة النظرية والعملية في صياغة وتجسيد الرؤية العقلانية والواقعية لآفاق البدائل السياسية الثقافية في العراق.

إن الأثر التاريخي للتيار الشيعي وآفاقه يفترضان مساهمته الفعالة في حل إشكالية الديني والدنيوي انطلاقا من ظروف العراق الحالية. وتفترض هذه المساهمة إعادة النظر، استنادا إلى فكرة ومعايير معاصرة المستقبل، بثلاث قضايا وتأسيسها الجديد، وهي:

1.   قضية "ولاية الفقيه" وذلك عبر تحويلها إلى فكرة ولاية قانون الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني،

2.   قضية تحويل فكرة المرجعية إلى اجتهاد اجتماعي وسياسي يهدف إلى إشراك المجتمع في بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني،

3.   قضية تحويل عقيدة "الإمام المنتظر" إلى نظرية البحث عن بدائل المستقبل الواقعي والعقلاني استنادا إلى جوهرية العدل في التراث الشيعي.

ومع أن فكرة "ولاية الفقيه" ليست جديدة في الفكر الشيعي، إلا أن أبعادها السياسية المعاصرة لم تعد اجترارا أو إعادة مباشرة لفكرة "الإمام" و"الناطق" و"الشيعي الكامل". فقد كانت "ولاية الفقيه"، بما في ذلك في صيغتها التي بلورها وجسدها الخميني، رؤية أولية تحاور بعض قواعد العقيدة الشيعية المتعلقة بمسألة "الغيبة" و"الإمام المنتظر" ودور علماء الدين في التعامل مع إشكاليات الواقع. وهي رؤية كانت تهدف أساسا إلى إشراك علماء الدين الشيعة في السياسة. بمعنى تفعيل الدور السياسي لفكرة الانتظار، التي كانت تعني واقعيا نقل فكرة وممارسة التقية إلى ميدان المسئولية الفردية والتاريخية لعلماء الدين الشيعة. أنها كانت تعيد إنتاج التشيع التقليدي ولكن بصورة فعالة، عبر توجيه شحنة الوجدان ونفسية التمرد على الظلم والجور، دون تقديم رؤية بديلة تستند إلى معاصرة المستقبل. لهذا كانت من الناحية الظاهرية تمثل تجسيدا للفكرة التثويرية، إلا أنها كانت تحتوي في أعماقها على نقيض لها. وهي مفارقة كانت تكمن في عدم حلها لإشكالية الديني والدنيوي بالطريقة التي تذلل بصورة جذرية إمكانية إعادة إنتاج الرؤية الأصولية. وذلك لان مهمتها لم تكن العمل من اجل اشتراك "المؤمنين" في السياسية وعلماء الدين في الحركة الاجتماعية السياسية، بل في "بنائها" بالطريقة "الإسلامية".

وهي مقدمة تأسيس حل القضية الثانية في سلسلة حل إشكاليات علاقة الديني بالدنيوي ضمن التقاليد المميزة للتيار الشيعي في العراق، ألا وهي قضية المرجعية والمرجعة. وهي قضية تفترض في البدء إعادة تأسيس فكرة المرجعية والمرجع الديني في التيار الشيعي المعاصر، بالشكل الذي يحولها إلى جزء من منظومة المرجعيات الثقافية.

فالمرجعية في التشيع هي مؤسسة لها أسسها المذهبية والعقائدية وكيانها التاريخي وأبعادها الروحية، أما المرجع الديني فهم أشخاص ورموز. بينما يفترض البديل أن تكون المرجعية فكرة منظومية تقر بمبادئ الاحتمال والتنوع وتحتوي عليها، وأن يكون المرجع منظومة مبادئ. فهي الصيغة التي يمكنها أن تعيد إنتاج الثبات التاريخي والمؤسسي للمرجعية الشيعية ولكن على أسس ثقافية جديدة مقترنة بمعاصرة المستقبل.

وإذا كانت الجذور العقائدية للمرجعية تكمن في فكرة وتاريخ "الغيبة"، فان المهمة الأولية للفكر النظري ينبغي أن تسير في اتجاه فك هذا الرباط اللاهوتي وإعادة شده بطريقة تجعل منه رابطا وجدانيا بالتراث لا غير. بمعنى التأسيس للقيمة الوجدانية والتراثية للمرجعية في تاريخ "الغيبة" من خلال إعلاء شأنها الروحي باعتبارها رمزا ثقافيا خاصا لمعارضة الظلم والجور والطغيان والاستبداد. فهي الرؤية التي يمكنها أن تكشف عن طبيعة الأبعاد التاريخية للمرجعية. أي النظر إليها باعتبارها كيانا تاريخيا له حدوده الثقافية. وهي حدود ينبغي توسيع مداها من خلال جعلها جزء من معاصرة المستقبل. وهو أمر يترتب عليه حل القضايا الفكرية المتعلقة بنموذج الممارسة السياسية وأسلوبها المنهجي، واقصد بذلك ثنائيات الخواص – العوام والظاهر – الباطن من خلال إدراجهما ضمن معايير ومقاييس الممارسة السياسية العلنية والنظام الديمقراطي. وهي نتيجة ترتبط ارتباطا عضويا بتحويل مؤسسة المرجعية إلى فكرة متسامية، وترقيتها إلى مستوى المرجعية الثقافية. آنذاك يحصل التواصل النوعي الجديد بين التاريخ والمعاصرة، كما يحصل التكامل التاريخي – الروحي بين "الغيبة" و"المستقبل". وهو تواصل يمكن تنفيذه من خلال التأسيس السياسي الفعال لخمس قضايا أساسية كبرى بهذا الصدد وهي:

1.   قضايا الهوية العراقية

2.   والمجتمع المدني

3.   الدولة الشرعية

4.   التعددية السياسية

5.   الانفتاح الفكري.

وهي قضايا محورية في العلم والعمل المتعلق بإمكانية تفعيل المرجعية والمرجع بمعايير معاصرة المستقبل. وهو تفعيل يضع بالضرورة مهمة استكمال الحل المنطقي لعلاقة الديني بالدنيوي في التيار الشيعي العراقي من خلال الرجوع إلى نقطة البداية، أي قضية المهدي. فالمهدي هو ليس "نهاية التاريخ" بل بدايته الرمزية. وهي الصيغة التي تمثل المعادلة المتكونة من التاريخ والعقيدة الإيمانية. وإذا كانت هذه المعادلة إحدى الصيغ الواقعية التي حفظت للشيعة وحدتهم المادية والمعنوية من خلال الدور الذي لعبته المرجعية بوصفها مؤسسة، ورجالها باعتبارهم رموز شخصية وتاريخية، فان معاصرة المستقبل تفترض تحويل عقيدة "الإمام المنتظر" إلى نظرية البحث عن بدائل المستقبل الواقعي والعقلاني. وذلك من خلال التأسيس السياسي والحقوقي لجوهرية العدل في التراث الشيعي. فالمهدي ليس من الهداية فقط، بل والمكون الجوهري لفكرة الانتظار، أي المستقبل. مما يفترض بدوره جعل الحاضر محور الاهتمام العلمي والعملي للحركة الاجتماعية والسياسية الشيعية من اجل توليف الأبعاد الروحية والعقائدية لفكرة "المهدي المنتظر"، بمعنى تحويل راهنيتها العقائدية إلى راهنية سياسية وثقافية. وهو أمر ينبغي نفيه بصورة عقلانية من خلال تحويل "انتظار الأشخاص" إلى "انتظار البدائل"، أي نقل الوعي الاجتماعي من انتظار المعجزات إلى تحقيقها في الفعل الاجتماعي – السياسي. فالبدائل لا تحتمل الانتظار، لأنها تستلزم بالضرورة العمل من اجلها.

وفي تحقيق التيار الإسلامي بشقيه السني والشيعي في العراق للمهمات النظرية والعملية الكبرى المطروحة تكمن أيضا مقدمة اندماجهما التاريخي في حركة اجتماعية سياسية ثقافية في العراق، يمكنها أن تكون نموذجا لما ادعوه بالإسلام الثقافي. وهو إسلام قادر على حل إشكالية الديني والدنيوي بالمعنى السياسي والتاريخي في العراق. بمعنى المساهمة في إرساء الأسس الواقعية لنقل إشكالية الديني والدنيوي من نماذج وتصورات واحتراب العقائد القديمة إلى جهاد المعاصرة والاجتهاد في دروبه الواقعية والعقلانية. أما الحلول الجوهرية والمستقبلية الكبرى، فهي تلك التي تتراكم من تجارب الأمم الواقعية. وهي تجارب تنفي مع كل خطوة حقيقية في ميدان الحرية والنظام، تصورات وأحكام وعقائد الماضي أيا كان نوعها وشكلها وحجمها. ومن ثم تفتح طريق الحرية الفعلية للحداثة بوصفه طريق الاحتمال العقلاني والإمكان الإنساني، أي طريق الدنيوية العقلانية الثقافية. وما عداها مجرد اجترار للزمن وتجارب ميتة سرعان ما تتلاشى وتندثر.

***

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2014الجمعة 27 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم