آراء

رئيس الوزراء في قضاء بلد

amira-albaldawiلأول مرة منذ عام 2003 يطرق باب قضاء بلد مسؤول رفيع المستوى .. قضاء بلد (لمن لايعرفه) يقع شمال بغداد بحوالي 60 كيلومتر وكان في سبعينيات القرن الماضي تابعا الى محافظة بغداد، وقد قارع هذا القضاء نظام صدام وتحمل ابنائه اشد العقوبات بسبب مواقفهم المشرفة في حماية المنتفضين من ابناء الدجيل الذين حاولوا اغتياله ثم هربوا الى بساتين بلد فلاحقوهم ازلام صدام وقاموا بتجريف بساتين بلد العامرة بالنخيل والعنب والحمضيات والمشمش والرمان والتين وغيرها من فاكهة الصيف والشتاء، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بأقتحام البيوت والاقتصاص من العوائل بين نفيهم الى صحراء السماوة او زجهم في غياهب السجون واعدامهم، وقد كانت التهمة الجاهزة هي انتمائهم لحزب الدعوة المحذور (وان لم ينتموا) في حين كان اهالي مدينة بلد يتعاملون بحسهم العربي المشرف وهو توفير الحماية والامان لمن استجار بهم، واستمرت سياسة صدام العقابية لقضاء بلد لحين سقوطه فقد حرم ابناء بلد من كل الامتيازات والوظائف فلم يسمح لأبنائها ان يكونوا ضباطا في القوات المسلحة (الدفاع او الداخلية) ولم يحصلوا على فرص اكمال الدراسات العليا ليكونوا مؤهلين لأي منصب بارز، وامعانا في الانتقام من هذه المدينة وتغيير طبيعتها الديموغرافية فقد تم فصلها عن محافظة بغداد باعادة تشكيل الادارات المحلية حيث قام النظام آنذاك بتجميع الاقضية من كركوك وبغداد وديالى ليشكل محافظة جديدة هي صلاح الدين ولهذا فقد شاء القدر ان تكون مدينة بلد الاصلية التي يسكنها الاهالي الاصليين الشيعة هي مركز القضاء الحالي الذي تحيطه نواحي وقرى سكانها من السنة وقد كانت بلد ترتبط بتلك القرى والنواحي بروابط اقتصادية وتجمعهم مصالح العمل والتجارة والزراعة ولم تظهر بين عشائر مدينة بلد وعشائر النواحي المحيطة كالضلوعية والنباعي وعزيز بلد اي خلافات او اعتداءات   . وقد استمر قضاء بلد على نفس المواقف الاصيلة المشرفة فقد استضاف أبان حرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على العراق لأسقاط نظام صدام في 2003 مئات العوائل التي فرت من بغداد ولجأت الى هذه المدينة الطيبة ففتح الناس بيوتهم وبساتينهم وحتى المحلات سكنت فيها العوائل وكانت قلوبهم تسع الجميع لم يسألوا القادمين من مختلف المناطق التي تعرضت للنيران آنذاك من اي طائفة او قومية انتم . وبعد سقوط النظام كانت قضية الدجيل التي ذهب ضحيتها ابناء بلد هي القضية الاولى التي حكم القاضي فيها على صدام بالاعدام بسبب الفضائع التي ارتكبت بحق ابناء الدجيل وبلد، انتهت تلك الحقبة بكل مافيها وجاءت حقبة مابعد 2003 ولم تنجو بلد منذ ان وضعت قوات التحالف اقدامها في قاعدة بلد الجوية من التهديدات الامنية بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، الا ان هذه المدينة المحبة للحياة والتسامح والسلم الاهلي وبالرغم من الاهمال الذي عانت منه سابقا ومابعد 2003 الا ان اهالي هذا القضاء كانوا اول المبادرين بجهود المصالحة ومنع الفتنة الطائفية من الانتشار خاصة في مدينتهم الصغيرة فلو كان هذا الباب قد فتح لألتهم المدينة بأكملها ولن يتوقف الا بتحويلها الى اثر بعد عين الا ان كبارها وصلحائها من مجلس العشائر ورجال الدين خاصة سدنة مرقد السيد محمد (ع) والادارة المحلية تضافرت جهودهم لتحقيق السلم الاهلي . من ذكرياتي مع هذه المدينة في عام 2005 ضربت بلد ثلاث سيارات مفخخة الواحدة تلو الاخرى وحصدت مئات القتلى والجرحى وكانت كارثة بمعنى الكلمة كنت حينها عضو في الجمعية الوطنية وبدأت الاستغاثات تصلني من الاهالي المذهولين ..وصلت الى المدينة بعد رحلة شاقة بسبب العبوات المزروعة التي تستهدف الارتال الامريكية التي كانت على طول الطريق وصلت الى مستشفى بلد والناس هناك في حالة من الهلع، فيما وصل مبعوث رئيس الوزراء ( الناطق بأسم الحكومة آنذاك الدكتور ليث كبة) بعد ان اكملت جولتي وكدت ان اغادر وكان على متن هيلكوبتر بادرني بالسؤال مستغربا : كيف وصلتي؟ فأجبته : وصلت بسياراتي وحماياتي الخاصة ... وكان هذا المسؤول التنفيذي الوحيد الذي زار بلد زيارة خاطفة، وبالرغم من اهتمام الرجل وتسجيله لكل احتياجاتهم وتعويضاتهم الا ان المدينة لم تحضى بأي أهتمام متميز او تغيير في الخدمات او الاعمار .... وعندما زرت بلد بعد سنتين من ذلك التاريخ في دورة المجلس الاولى لم اجد اي تغير فيها فمازالت بحاراتها وازقتها الفقيرة، كما انها لم تدخل دائرة اهتمام القادة والسياسيين ليعتبروها ضمن المناطق المتنازع عليها والتي لابد من دراسة تطبيع وضعها خاصة بعد احداث سامراء وصعوبة وصول اهالي بلد الى مركز محافظة صلاح الدين (تكريت ) للحصول على مواد البطاقة التموينية او الوقود او انجاز المعاملات الرسمية وغيرها التي بات من الصعب القيام بها في ظل العمليات الارهابية التي تستهدفهم آنذاك سواء على طريق صلاح الدين او طريق بغداد (الطارمية والتاجي ) وكم فقد ابناء بلد على هذين الطريقين من شبابهم بالخطف والذبح والتفجير، وحتى عندما تبنى الائتلاف الشيعي آنذاك قانون لتأسيس الاقاليم لم تبحث مصير بعض الاقضية المتنازع عليها مثل (بلد) و (النخيب) وغيرها مرروا القانون ولم يسالوا اهالي تلك المناطق في حالة من الاهمال المتوارث .. والان وبعد احتلال عصابات داعش لمدينة الموصل ومناطق اخرى من ارض العراق كانت بلد من المناطق المرشحة لدخول داعش فهي كانت ومازالت منطقة رخوة امنيا وهشة اقتصاديا وبالرغم من كل محاولات عقلائها بمنع اي فتنة والتصدي لأي انفلات امني لأسباب طائفية الا ان الوضع العام كان ضاغطا بشدة ولايمكن ان تسلم مدينة صغيرة مثل بلد من الاختراقات هنا وهناك، وكما توقعنا استمرت الضلوعية تقاوم بعشائرها من هجمات الكر والفر للداعشيين كما استمرت الهاونات والقناصين والعبوات تحيط بمركز مدينة بلد وحول مرقد السيد محمد (ع) حتى حصول الهجوم الاخير في آخر شهر من 2014، وبعد طرد الدواعش من محيط بلد والنواحي التابعة لها، عندذاك زار رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي هذه المدينة بعد مسيرة تهميش طويلة ولكنها تبشر ببداية عهد جديد لهذه المدينة التي قدمت الكثير من التضحيات ولم تنل الا القليل من الاهتمام، وبصدد هذه الزيارة المسائية التي جاءت لتفقد احوال الجنود وقطعات الجيش والمناطق المحررة وخلال فترة وجيزة لم يتح الوقت المناسب للتجوال في المدينة نهارا والالتقاء بالمواطنين وسؤالهم عن احتياجاتهم ... زيارة الليل الخاطفة هذه ذكرتني بزيارة ليث كبة قبل (10) سنوات، بلد اليوم تطالب برد الاعتبار والتعويض السريع لسنوات الاهمال والنسيان والاسقاط من خريطة المستقبل السياسي والتخطيط الاستراتيجي ..بلد تطالب بمساحة أهتمام تتناسب مع صمودها وعطائها وتعقل ابنائها ورجالاتها وعدد شهدائها وضحاياها .. ولنتساءل لوسقطت بلد لاسمح الله بيد داعش هل سيمكن الوصول الى سامراء ؟ هل سنسلم مرقد السيد محمد (ع) للتفجير الآن كما فجرت مراقد الانبياء والاولياء في الموصل في بداية صولات داعش والتي لم تجرؤ تلك العصابات على تكرارها بعد الانتصارات التي تحققت لجيشنا وابطال الحشد الشعبي وايقاف زحف داعش ؟ بلد هي منطلق الامان لطريق سامراء ..ولابد ان تنظر الحكومة الى هذه المدن وسكانها بعد الذي كان بعين مختلفة ...فدعمهم وحمايتهم ورعايتهم وخدمتهم هي ضمانة تعويضهم وتغيير احوالهم واستدامة صمودهم وهي المحصلة المتوقعة للزيارة الاولى لرئيس الوزراء

2/1/2015

في المثقف اليوم