آراء

هل تتحقق المواطنة الحقيقية في العراق؟

emad aliبعد التعقديات التي حدثت في كيان العراق والتغييرات الجذرية التي حصلت في نمط معيشة الفرد ونظرته الى الوطن بعدما مر به طوال تاريخه القديم والحديث ومنذ انبثاقه. كيف يمكن ان نعتقد بان المواطنة تتحق في ظل هذه الظروف ويمكن توفر شروطها الحقيقية المطلوبة والمفروض وجودها مسبقا.

هناك معوقات خارج اطار امكانية السلطات التي توالت على العراق منذ الملكية ولحد الان. والعراقيل ليست مصطنعة وانما نابعة من الظروف الموضوعية والذاتية للشعب العراقي. انبثق العراق بامر فوقي وفرضت حدوده وزجت المكونات فيه وفق مصالح الاستعمار وهدفه واستراتيجيته بعيدة المدى، اي عدم ولادة دولة بشكل طبيعي، وباعتراف الجميع، وهذا ما فرض عدم وجود شعب يتميز بسمات خاصة للشعب ويمكن ان يسمى شعبا بمعنى الكلمة، بل هو مجموعة من المكونات المختلفة عن البعض جذريا ومن ثم وجود تكتلات غير منسجمة في المكونات ذاتها، وبوجود الفوارق التي تمنع الوصول الى حال يمكن ان يسمى شعبا كالاخرين.

فان كان البلد لم يحوي في كيانه وتركيبته شعبا في الاساس، فكيف واين ولمن يمكن ان تُبنى المواطنة بحقوق وواجبات خاصة بها. المواطن الحقيقي الذي يحس بوجود وطن منتمي اليه وبعيد جدا عن الاغتراب ويحس بوجوده وحقوقه وواجباته من ذاته، ويكن في داخله حب للوطن ومستعد الدفاع عنه بدوافع ذاتية ومن ايمانه بانتمائه ووجوده ونظرته الى الملكية العامة والحقوق العامة والمصالح العليا وتقيمه للبنية والكيان الذي يعيش فيه.

فان كان الانتماء الاول والاخير هو الانغماس في الحس بالجزئيات التي لم تصل لتركيب يمكن ان يسمى وطنا، والايمان بالعرق والدين والمذهب قبل الوطن، فاين ومتى وكيف يمكن ان ينبت الاحساس بالسمة التي تكون فوق الجزئيات المسيطرة في العقول والسلوك، فهل يمكن ان يبنى ويثبت مفهوم المواطنة في مثل هذه الخصائص والصفات المسيطرة وفي ظل عدم وجود بنية الدولة والشعب الفوقي والتحتي.

تاريخ العراق مليء بالمراحل التي حاولت السلطات دوما فرض مفهوم المواطنة قسرا وبالتحكم بالفرد ولم تنجح في اية منها، ومن غير الممكن ولا يصح ان تفرض المواطنة دون توفر شروطها وارضيتها المادية والمعنوية، وفي بلد كما هو العراق بهذه الصفات والبنيان والانبثاق.

طالما كان الانتماء والايمان بمفهوم جزئي وهو اقل حجما واعتبارا من المواطنة اكبر، وكان اقوى واثبت لدى الفرد، ولم يتمكن الخروج منه بسهولة، فكيف يمكن الانتقال الى مفهوم اكبر واهم وانفع له، وهو لم يتوصل الى ما هو اهم له بعد، في ظل الثقافة والوعي المعلوم وما فرضه التاريخ وتراكماته على عقليته ونظرته الى البلد والمفاهيم المغروسة في عقله وفكره.

ان الخطوة والمرحلة الاولى الرئيسية للبدء في التوجه نحو امكانية بناء بلد تثبت فيه المواطنة بحرية وايمان دون فرض فوقي، يتطلب توفر شروطها ومقدماتها الواجبة توفيرها، اولها؛ هو الايمان بالبلد وحبه وعفوية الانتماء اليه، وهذا غير ممكن طالما بقت الانتماءات على ما هي عليه لحد اليوم ولم ترتق لحد ادنى مستوى مطلوب من الايمان بالوطن كوحدة متكاملة، وفي ظل استمرار القلق وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي من جهة اخرى ستبقى المعرقلات فارضة نفسها على طريق تلك التوجهات. فان لم تتوفر اقل نسبة من العدالة الاجتماعية والمساواة والتكافؤ في فرص العيش بسلام وامان، وفي مرحلة تتسم بالانقسامات والتشتت والخلافات ، لا يمكننا الكلام حتى عن اول الخطوات التوجه نحو المواطنة وتطبيقها.

ان اول الخطوات هو استرضاء الفرد وبناء حس الانتماء الى موطنه، وطالما بقت وطن مفروض دون اقتناع داخلي فلا يمكن ان نبحث مثل هذه المفاهيم التي تبنى من ذاتها وبعفوية وقناعة ذاتية، وبضمان الحقوق والاندفاع الذاتي لتنفيذ الواجبات.

وفي هذه الحال لابد ان يبحث المتابع عن البديل في واقع لم يتقبل مفهوم عام والكلي لكيان كامل ومتكامل، فلا نعتقد بالامكان ايجاد مثل هذا المفهوم شكلا وتطبيقا، وفي بلد كالعراق وما موجود من الانتماءات العفوية العرقية والمذهبية فيه.

اذا، ابسط الطرق هو تطبيق الموجود الحقيقي ومن ثم محاولة التقارب لبناء دولة ان امكن بشكل طبيعي، والفدرالية الحقيقية في المرحلة الاولى خير بداية لغرس مثل تلك الاحاسيس اي الانتماء الحقيقي لكيان اكبر من خلال جزء بعد انتفاء اسباب وجوده، وهذا ما تفرضه المصالح المشتركة بعد تجسيد المواطنة في الجزء او الاقليم ثم البلد كوحدة واحدة بعد اقتناع ذاتي وما تفرضه المصالح المشتركة.  

في المثقف اليوم